حوافز مهنية ومالية لاستعادة أطباء تونس المهاجرين

23 ديسمبر 2024
في أحد مستشفيات القيروان، وسط شرقي تونس، 4 يوليو 2021 (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تسعى السلطات الصحية التونسية لمعالجة هجرة الأطباء من خلال تحسين بيئة العمل وتقديم حوافز مالية، بناءً على دراسة تشير إلى استعداد 78% من الأطباء المهاجرين للعودة إذا توفرت هذه الشروط.
- يبرز رئيس لجنة الصحة في البرلمان أهمية تطوير بيئة العمل وإقرار حوافز مالية، مشيرًا إلى الحاجة لتشريعات جديدة لتحسين رواتب الأطباء وتجريم الاعتداء عليهم، لدعم استراتيجية استعادة الأطباء.
- تواجه تونس تحديات في قطاع الصحة بسبب هجرة 80% من الأطباء الشباب، خاصة إلى ألمانيا وفرنسا ودول الخليج، مما يهدد استقرار القطاع الصحي.

تسعى السلطات الصحية التونسية إلى الحدّ من تداعيات الهجرة المسجّلة بين أطباء تونس والكوادر شبه الطبية على القطاع الصحي في البلاد، وذلك من خلال إقرار حزمة تدابير تهيّئ الأرضية لاستعادة الأطباء والممرّضين الذين هاجروا في السنوات الأخيرة بحثاً عن آفاق مهنية ذات مردود مالي أفضل.

وقد حفّزت دراسة أصدرها معهد الدراسات الاستراتيجية الحكومي وزارة الصحة التونسية لبدء مسار يهدف إلى تشجيع أطباء تونس المهاجرين على العودة من الخارج والالتحاق بـالمستشفيات الحكومية، بعد تحذيرات من "تصحّر القطاع الصحي" الذي فقد أكثر من خمسة آلاف طبيب هاجروا في السنوات القليلة الماضية. وأظهرت الدراسة، التي نشرها المعهد في مارس/آذار 2024، أنّ 78% من أطباء تونس في دول المهجر مستعدّون للعودة إلى البلاد شريطة توفير بيئة عمل ملائمة وإقرار حوافز مالية لفائدتهم. كذلك ربط هؤلاء قرار العودة إلى تونس بتحسّن الوضع الاقتصادي العام في البلاد وتوفّر ظروف تعليم جيّدة لأبنائهم، مؤكّدين أنّ قرار الهجرة ظرفيّ ويمكن العدول عنه.

وتخطّط وزارة الصحة التونسية للبناء على توصيات الدراسة التي أعدّها معهد الدراسات الاستراتيجية الحكومي، وبدء مسار إصلاحي يشمل تحسين البنى الصحية عبر استكمال المشاريع المتعثّرة وتنفيذ مشاريع جديدة تساعد في تحسين الخدمة الصحية في محافظات تونس الداخلية، بالإضافة إلى وضع إطار قانوني لتحفيز الأداء عبر العمل لتنظيم تقديم الخدمات الصحية الإضافية بالمؤسسات العمومية مع ربط التحفيز المالي بجودة الأداء والخدمات.

وفي هذا الإطار، يقول رئيس لجنة الصحة في برلمان تونس نبيه ثابت لـ"العربي الجديد" إنّ "تطوير بيئة العمل وإقرار حوافز مالية ومهنية لمصلحة الأطباء من شأنهما أن يتيحا وقف هجرة الأطباء الذي بات يهدّد القطاع الصحي". ويؤكّد ثابت أنّ "إعادة بناء القطاع الصحي يحتاج إلى ثورة تشريعية تشمل القانون العام للصحة وقانون تجريم الاعتداء على الكوادر الطبيبة وشبه الطبية، فضلاً عن تحسين مستوى رواتب الأطباء والعاملين في القطاع الصحي الذين يقدّمون خدمة إنسانية كبيرة". يضيف أنّ "البرلمان بدأ بالفعل بإعداد قوانين جديدة لتسهيل استراتيجية وزارة الصحة في استعادة أطباء تونس المهاجرين".

وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية التي تمنع زيادة رواتب أطباء تونس على نحو مجزٍ، يرى ثابت أنّ "بالإمكان إيجاد حلول تحفيزية لفائدة الكوادر الطبية إلى حين استعادة البلاد محرّكات خلق الثروة وتعافي الاقتصاد، بما يسمح بتعديل جيّد لرواتب جميع العاملين في القطاع الصحي". ويشدّد ثابت على أنّ "العنصر البشري هو العمود الفقري للقطاع الصحي"، مشيراً إلى أنّ "تحسين البنى الصحية غير كافٍ ما لم يُوفَّر الإطار الطبي الذي سوف يعمل لتسييرها".

وتقدّر العمادة الوطنية للأطباء في تونس عدد الأطباء الشباب الذين هاجروا من البلاد في السنوات الأخيرة للعمل في دول أجنبية بنحو 80% من أطباء تونس المتخرّجين، مشيرةً إلى أنّ ألمانيا وفرنسا ودول الخليج وكندا تتصدّر قائمة المناطق الجاذبة، وفقاً لإحصاءات حديثة أصدرتها الوكالة التونسية للتعاون الفني. وأخيراً، أعلن مجلس عمادة الأطباء أنّ 1.500 طبيباً غادروا البلاد في عام 2023 للعمل في دول أوروبية وعربية، علماً أنّ ألف طبيب يتخرّجون سنوياً من كليات الطبّ.

وتفيد بيانات الوكالة التونسية للتعاون الفني بأنّ أطباء تونس الذين يتوجّهون نحو أوروبا، تحديداً ألمانيا، يمثّلون أعلى معدّل للمغادرين من فئة العاملين في قطاع الصحة، مع نسبة 21% سنوياً خلال الفترة الممتدة من عام 2009 إلى عام 2022. وتحلّ كندا ثانيةً، بنسبة 20% ثمّ الدول الأفريقية بنسبة 10% فالدول العربية بنسبة 7%، بحسب بيانات الفترة الزمنية نفسها.

ويرجّح عضو هيئة العمادة الوطنية للأطباء في تونس زياد العذاري أن "تسجّل تونس نقصاً في أطباء الاختصاص في خلال السنوات العشر المقبلة، بسبب الهجرة المكثّفة للأطباء الشبّان وبدرجة أقلّ من هم أكبر سنّاً". ويؤكد العذاري لـ"العربي الجديد" أنّ "قطاع الصحة في تونس استفاد، على مدى أكثر من ثلاثة عقود، من وفرة المتخرّجين في مختلف الاختصاصات، الأمر الذي نتج عنه تحسّن كبير في مؤشّرات الصحة ومكافحة الأمراض إلى جانب تحوّل القطاع الصحي إلى قاطرة استثمار". ويرى العذاري أنّ "تحديات عديدة تواجه قطاع الصحة الذي يُعَدّ أحد أهمّ ركائز الدولة الاجتماعية في تونس، من أبرزها نزيف الكفاءات بسبب تردّي الوضع العام في البلاد وغياب الحوافز المشجّعة على تثبيت شبّان المهنة في الهياكل الصحية الحكومية". ويؤكد، في سياق متصل، أنّ "ظروف العمل الصعبة التي يواجهها أطباء تونس الشبّان، في مراحل التدرّج في المستشفيات الحكومية، تدفعهم إلى الهجرة بحثاً عن آفاق أحسن".