يتداول تونسيّون، منذ الإعلان عن نتائج امتحانات الدورة الرئيسية للبكالوريا (الثانوية العامة)، يوم الجمعة الماضي، ومع انطلاق دورة التدارك (الدورة الثانية)، قصصاً جميلة وطريفة عن تلاميذ تحدّوا ظروفاً استثنائية وصعبة ونجحوا بدرجات امتياز. أعرب كثيرون على مواقع التواصل، عن إعجابهم بتلاميذ أصيبوا بكورونا، لكنّهم تمكنوا من النجاح. كذلك، فإنّ من بين هؤلاء تلميذاً سجيناً، وآخرين يلعبون ضمن فريق رياضي لكرة القدم، أحدهم يبلغ من العمر 36 عاماً، اختار العودة إلى مقاعد الدراسة وتمكن من النجاح.
كما نجحت فتاتان توأم في الامتحانات، وهما ندى التي فازت بالمرتبة الأولى على صعيد البلاد، شعبة العلوم، وحصلت على 19.97 من عشرين، فيما حصلت شقيقتها التوأم على معدل 19.48 من عشرين. وتداول البعض قصة نجاح ثلاث فتيات من قرية الأطفال "إس أو إس"، في مدينة المحرس وسط شرق تونس، وهي واحدة من أربع قرى تابعة للجمعية التونسية لقرى الأطفال التي تتكفل بالأطفال فاقدي السند (مجهولي الأهل).
وتقول إحداهن، وهي صابرين، التي نجحت في البكالوريا التقنية، إنّها لم تتوقع هذه النتيجة، لكنّ غالبية المشرفين عليها في القرية شجعوها وتوقعوا نجاحها، نظراً للجهود التي بذلتها طوال العام. وتوضح أنّه على الرغم من الحجر الصحي وظروف جائحة كورونا، فقد تم توفير ظروف النجاح لهن في القرية، كمراجعة الدروس وإعطائهن دروس تقوية وتشجيعاً من الإدارة وجميع المشرفين. تضيف أنّه على الرغم من الإرهاق والجهود المبذولة، فقد كان النجاح حليفها. لافتة إلى أنّ الإدارة والمشرفين في القرية كانوا بمثابة عائلتها، وكانت دعوات الأمهات ترافقها في كلّ مادة تجريها، ومع كلّ اختبار يخضنه. وحين كانت تشعر باليأس والقلق، كان مدير القرية يحرص على أخذها وزميلاتها في نزهة.
وتلفت صابرين إلى أنّها لم تتوقع حجم الفرحة اليوم بمجرد إعلان نتائج الامتحانات، وكأنّها فرحة لجميع الأمهات اللواتي سهرن على تربيتهن في القرية. تضيف أنّ الزغاريد عمّت القرية، وأقمن حفلاً وعشاء لجميع أطفال القرية وذبحن الخراف بعد نجاحهن. وتوضح أنّ التلاميذ الذين سيجرون دورة التدارك قادرون على النجاح في حال وثقوا بقدراتهم. من جهته، يقول مدير قرية "إس أو إس" المحرس، أشرف السعيدي، لـ "العربي الجديد"، إنّ خمس تلميذات من القرية أجرين الامتحانات وقد نجحت ثلاث فتيات منهن، في وقت ستجري اثنتان دورة التدارك. ويوضح أنّه تم توفير الظروف الملائمة لتلاميذ القرية كبقية التلاميذ في المؤسسات الحكومية، مؤكداً أنّ الأمهات في القرية خصصن وقتاً أكثر مع تلاميذ البكالوريا، بالإضافة إلى عدد من الأساتذة. ويوضح أنّ الرغبة في النجاح توفرت أيضاً لدى التلميذات اللواتي بذلن مجهوداً كبيراً وتحدّين الظروف للنجاح في البكالوريا، مؤكداً أنّ الأجواء احتفالية في القرية.
يضيف أنّ نجاح تلميذات القرية سيكون حافزاً لدى تلاميذ القرية ونموذجاً يحتذى به. ويشير إلى أنّهم لم يتوقعوا حجم المكالمات التي تلقّوها والفرحة الكبيرة بنجاح التلميذات. يقول: "حمل البعض الهدايا للناجحات، وهو ما أسعدهن... كأنّهن فتيات كلّ تونس".
كما فرح التونسيون بنجاح تلميذ سجين كان يدرس في المعهد الثانوي في سيدي بوزيد، شعبة الاقتصاد والتصرف، ووجهوا نداء إلى السلطات المعنية للإفراج عنه وفتح أبواب الدراسة والعلم أمامه. ويؤكد الناطق الرسمي باسم الهيئة العامة للسجون والإصلاح، نزار فلاّح، نجاح سجين وحيد من أصل 11 سجيناً في الدورة الرئيسية. يضيف أنّه حصل على معدّل 10.53 من 20، فيما سيستعدّ 4 تلاميذ لدورة التدارك، علماً أنّ الحظ لم يحالف البقية. ويشير إلى أنّ الهيئة العامة للسجون والإصلاح تسعى لتوفير أقصى ضمانات النجاح لجميع التلاميذ.
من جهة أخرى، تداول التونسيون بإعجاب كبير خبر نجاح الأم وفاء، وابنتها فردوس، في العام نفسه. وتؤكّد الخمسينية وفاء البعزاوي، وهي من معتمدية الشراردة في القيروان، التي نجحت في امتحانات الباكالوريا - شعبة الآداب، مع ابنتها فردوس، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أنّ حلم الحصول على شهادة البكالوريا كان يراودها منذ سنوات. وكانت تأمل في إتمام تعليمها الجامعي. لكنّ تخرّجها من المعهد الأعلى لتكوين المعلمين، والذي كان خياراً قبل البكالوريا والدراسة ثلاث سنوات، حرمها من البكالوريا، موضحة أنّها كانت تأمل في نجاح المفاوضات بين الجامعة العامة للتعليم، ووزارة التربية، للسماح لهم بدخول الجامعة والتخصص. لكن، فشلت كلّ الجلسات، ما جعلها تقرر خوض امتحان البكالوريا كمرشحة من معهد خاص. وترى البعزاوي أنّ شهادة التدريس التي كانوا يحصلون عليها كمدرّسين هي شهادة شاملة، بحسب النظام القديم، وتشمل المواد الأدبية والعلمية والتقنية، وكانت عن طريق مناظرة لإعدادهم للتدريس، لكنّ طموحها لم يقتصر عند ذلك الحد، فقد كانت كلما مرت بالجامعة تأمل أن تدرس فيها، مشيرة إلى أنّ إجراء امتحانات البكالوريا هذا العام تزامن مع دراسة ابنتها، وهو ما شجعها. وتوضح أنّها على الرغم من الظرف الصحي وجائحة كورونا والمخاوف من العدوى، أصرت على الدراسة يوماً بيوم بحكم عملها، وكانت تحاول التغلب على الصعوبات، وإن مرّ نحو 30 عاماً على انقطاعها عن الدراسة، مع تغير المنهاج، خصوصاً أنّها لاقت تشجيعاً من أبنائها ومن الأساتذة.
وتوضح أنّ نجاح ابنتها في مقابل رسوبها لم يكن ليحزنها، لكنّها خشيت العكس. وبدلاً من أن تكون الفرحة منقوصة، عاشت العائلة فرحتين ولم تكن تتوقع هذا الصدى الكبير لتجربتها، مشيرة إلى أنّ العديد من الزملاء أعجبوا بتجربتها وتشجعوا مثلها لنيل شهادة البكالوريا. تؤكد أنّها تأمل بمواصلة دراستها الجامعية في مجال الحقوق.