- تعاني بلدة سنجل من حصار خانق مع إغلاق جميع مداخلها باستثناء واحد، مما يعقد حياة السكان ويجبرهم على اتخاذ طرق طويلة، بالإضافة إلى مضايقات الجنود والمستوطنين.
- يسعى الاحتلال للسيطرة على أراضي سنجل المصنفة "ج" بإقامة جدار عازل وشارع أمني، مما يهدد بعزل البلدة عن أراضيها الزراعية وفقدان الأهالي لمصدر رزقهم.
يفرض الاحتلال الإسرائيلي حصاراً على بلدة سنجل شمالي رام الله يمنع الأهالي من الوصول إلى ورشة خليل لتصليح السيارات، وإن كان مشروعه يبدو أكبر من ذلك.
لا يستطيع معظم زبائن الفلسطيني غريب خليل الوصول إلى ورشة كهرباء السيارات التي يملكها وشقيقه، عند المدخل الرئيسي لمسقط رأسه، بلدة سنجل شمالي رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، منذ أن أغلقت قوات الاحتلال البوابة الحديدية العسكرية قبل قرابة شهرين.
تقع ورشة خليل خارج البوابة الحديدية وتفصله عن بلدته. ومن يحتاج للوصول إليه لإصلاح مركبته يضطر للخروج من حدود البلدة، والالتفاف عبر الشارع الرئيسي المحاذي للبلدة الذي يصل بين نابلس شمالي الضفة ورام الله، ويطلق عليه الاحتلال شارع 60، ويعد طريقاً للمستوطنين أيضاً.
وحتى لا يضطر زبائن خليل إلى الالتفاف حول القرية عبر الشارع الرئيسي للوصول إليه، ينقل هو معدات ورشته إلى داخل البوابة، ليتخذ الشارع قربها مكاناً للورشة، لكنه يخشى استمرار إغلاق البوابة العسكرية في الشتاء الذي يحل قريباً، ما سيحرمه من العمل حتى في الشارع.
وكان خليل يستهدف من ورشته وموقعها الذي كان مميزاً، المارة في الشارع الرئيسي الذين يحتاجون لإصلاح مركباتهم أو من يواجه عطلاً طارئاً لكنه لا يستطيع العمل في كثير من الأحيان بسبب إقامة جنود الاحتلال نقطة عسكرية قرب ورشته بشكل متكرر، ويمنعون أي شخص من الدخول.
ليست هذه البوابة الأمر الوحيد الذي يؤثر على حياة غريب وشقيقه، فهي جزء من منظومة حصار أكبر على بلدة سنجل يعمل الاحتلال على تكريسه عبر شارع جديد يحيط بشرق البلدة وجزء من شمالها ويقتطع من أراضيها، بدعوى إقامة شارع أمني. ليس هذا فقط، فمداخل البلدة كلها أغلقت بسواتر ترابية أو مكعبات إسمنتية وأسلاك شائكة بعد شن الاحتلال العدوان والحرب على غزة، وأبقى جيش الاحتلال مدخلاً واحداً مفتوحاً، ثم أخذ بتغيير الوضع بين الحين والآخر بفتح مدخل وإبقاء المداخل الأخرى مغلقة وتغيير المدخل المفتوح مراراً. وكان المدخل الرئيسي قد نال نصيبه من فتح وإغلاق أكثر من مرة، حتى جاء الوقت للبدء بتجريف الأراضي فأغلق نهائياً.
ويقول غريب لـ "العربي الجديد" إن بلدته تعاني من حصار مطبق في كثير من المرات، حيث تغلق كل المداخل بحجة إلقاء فتية للحجارة على الشارع الرئيسي، ولا يبقى للأهالي سوى المرور عبر قرى جلجيليا غرباً، ثم عبوين وعارورة وعجول، ثم مدينة روابي والعودة إلى الشارع الرئيسي. وفي بعض الأحيان يغلق أو يقام حاجز عسكري عند مدينة روابي، وكثيراً ما منع الجنود أهالي البلدة من المرور فقط لأن مكان السكن المدون في بطاقة الهوية هو "سنجل".
ويؤكّد رئيس بلدية سنجل مصطفى طوافشة، لـ "العربي الجديد"، أن جيش الاحتلال والمستوطنين يمارسون العقاب الجماعي على البلدة، وقد وجدوا الفرصة المناسبة بعد شن العدوان على غزة، للاستيلاء على الأراضي المصنفة "ج" وفق اتفاق أوسلو. فحين تغلق المداخل كافة، يحتاج الشخص للوصول إلى الأراضي شمال وشرق البلدة، أو للوصول إلى بلدة ترمسعيا المجاورة، إلى قرابة ساعة بدلاً من من دقائق معدودة.
الهدف النهائي، كما يرى الأهالي، السيطرة على كل مناطق "ج"، وهي تقارب 8 آلاف دونم من أصل 16 ألفا هي مساحة القرية. ولتنفيذ ذلك، أصدر جيش الاحتلال قراراً عسكرياً بمصادرة 40 دونماً لغرض إقامة جدار عازل يفصل البلدة عن الشارع الرئيسي المسمى شارع 60 شرق البلدة، وشارع نابلس القديم شمالها والذي أصبح طريقاً لمستوطنة معالي ليفونة وبؤر استيطانية أخرى، وبالتالي فصل البلدة عن أراضيها الزراعية.
ومع نهاية سبتمبر/ أيلول، بدأت الجرافات بإقامة شارع سيكون الأساس لذلك الجدار، وإن كانت الصورة حتى الآن غير واضحة للأهالي ما إذا سيقام جدار إسمنتي أم أسلاك شائكة، لكن النتيجة عزلهم عن أراضيهم، وفقدان الأهالي 40 دونماً لإقامة الشارع الذي يبلغ طوله 1500 متر، واقتلاع 120 شجرة زيتون، بالإضافة إلى عدد آخر من أشجار اللوزيات، وأشجار خضار كان الأهالي قد زرعوها في أراضيهم.
وسيعزل الجدار قرابة 30 منزلاً عن البلدة من أصل 47 منزلاً محاذياً للشارع الرئيسي، لكن التجريفات حصلت قرب عدد من تلك المنازل على شكل دائري يحيط بها من كل جانب، ما يوحي بأنها ستحاصر من كل الاتجاهات ويقام لها مداخل تحولها إلى سجون كبيرة.
وسبقت التجريف اعتداءات متواصلة من المستوطنين وجيش الاحتلال شملت محاولة حرق منزلين ونجا من فيهما، كما يقول طوافشة، بسبب لطف الله والتدخل السريع من أهالي البلدة. وفي مارس/ آذار 2023، كان المستوطنون قد أحرقوا منزلا آخر لكن سكانه استطاعوا الخروج قبل أن يصابوا بأذى. ويقول طوافشة إن سبع عائلات اضطرت إلى ترك منازلها بعد أشهر من الاعتداءات المتواصلة، خشية أن يصبح مصيرها كعائلة دوابشة التي أحرقها المستوطنون عام 2015 في بلدة دوما قضاء نابلس. ويؤكد خليل أن التجريف أتى على مزروعاته ومزروعات والده وعمه، فيما يتحول منزل والديه الذي يعلو ورشته إلى ثكنة عسكرية في كثير من المرات، حين يقتحم الجنود المنزل ويعتلون سطحه ويبقون لساعات. كما يمنعون أحداً من الدخول والخروج من منازل والده وشقيقه وعمه وأبناء عمه، التي يقطنها قرابة 30 شخصاً، مشيراً إلى أن الجنود حاولوا أكثر من مرة منعه من فتح ورشته، بحجة أن الطريق مغلق ولن يأتيه أحد، لكنه أصر على فتح الورشة في كل يوم خشية إغلاقها بشكل دائم.
وليست هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها سنجل لحصار ومضايقات مماثلة. وكما يقول غريب، أغلق المدخل الرئيسي للبلدة على مدار 15 عاماً، منذ اندلعت انتفاضة الأقصى عام 2000 حتى عام 2015 حيث أعيد فتح المدخل.
وكان غريب قد فتح ورشته عام 2009، وكانت حينها داخل البلدة حيث السواتر الترابية التي تغلق المدخل إلى الخارج من ورشته. وكان أهالي البلدة يستطيعون الوصول إليه بمركباتهم، وهو يخرج بأدواته إلى الشارع الرئيسي لمن يحتاجه خارج السواتر التي تغلق المدخل، إلى أن افتتح المدخل وصار يمكن لأي شخص الوصول إليه، فعاد الزمن به الآن إلى الوراء لكن مع بقاء ورشته خارج القرية هذه المرة وليس بداخلها.