استمع إلى الملخص
- تاريخياً، شهدت محاولات عديدة من اليمين الإسرائيلي المتطرف لمنع الأذان، مثل مشاريع قوانين في 2014 و2016، لكنها لم تمرر بسبب الضغوط السياسية.
- حذر زياد الحموري من أن تعليمات بن غفير تمثل انتهاكاً لحرية العبادة وقد تؤدي إلى مواجهات عنيفة، رغم تأييد نتنياهو للمشروع.
لا تتوقف محاولات اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يتحكم في حكومة الاحتلال لفرض قيود على حرية العبادة لغير اليهود، وخصوصاً على صوت الأذان والمساجد
اعتبر رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس، الشيخ عكرمة صبري، وهو أعلى مرجعية دينية في المدينة المقدسة، القرار الذي أصدره وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، بتشديد القيود على استخدام مكبرات الصوت خلال الأذان في مساجد مختلف مناطق فلسطين المحتلة، قراراً "لا يساوي شيئاً"، ويفتقر للمشروعية القانونية، خاصة في المدن التي يسكنها أعداد كبيرة من الفلسطينيين مثل القدس والرملة واللد وحيفا والناصرة.
يقول صبري في حديث خاص لـ"العربي الجديد": "بغض النظر عما يصدر عن هذا الوزير من قرارات وتعليمات، فإن الثابت من أمرنا أن صوت الأذان سيظل يصدح في سماء فلسطين إلى الأبد، وهي حقيقة ترسّخت لدى الأمة الإسلامية منذ بلال مؤذن الرسول، ولن تنقطع، ومن ينزعج منها بإمكانه الرحيل. هذه التعليمات الجديدة تشكّل توجهاً عنصرياً يدفع الأمور باتجاه صراع ديني".
يضيف الشيخ عكرمة صبري: "محاولات قمع الأذان نادى بها مستوطنون منذ أكثر من عشرين عاماً، حين حرضوا بلدية الاحتلال في القدس والشرطة الإسرائيلية على منع أذان المساجد في الأحياء التي تتاخم مستوطناتهم بدعوى انزعاجهم منها، وفي كل مرة لم ينجحوا في ذلك، واليوم يأتي بن غفير ليحاول منع الأذان، وهو ما لن يتحقق له".
ومن بين القيود والإجراءات التي يقترحها الوزير المتطرف بن غفير في قراره الجديد: مصادرة مكبّرات الصوت الخاصّة برفع الأذان في المساجد، وفرض غرامات مالية كإجراء عقابي. وكتب أخيراً في منشور على منصة "إكس": "فخور بأن أقود سياسة وقف (الضوضاء) غير المعقولة الصادرة عن المساجد، والتي أصبحت تشكل خطراً على سكان إسرائيل".
من جانبه، يعتبر القيادي في حركة فتح، حاتم عبد القادر، قرار بن غفير بأنه صب للنار على الزيت، ومحاولة لإغراق المنطقة برمتها في صراع ديني دموي. ويقول لـ"العربي الجديد": "كشفت تسريبات سابقة أن بن غفير بعث بتعليمات لبعض أنصاره باختلاق استفزازات واسعة في مدينة القدس، وفي محيط المسجد الأقصى على وجه التحديد، لخلق واقع جديد يفرض من خلاله السيطرة على المسجد. لا يملك أحد في العالم كله منع الأذان، حتى لو هدمت المساجد كلها كما يحدث في قطاع غزة، حيث يتعمد الاحتلال نسف المساجد".
وليست تلك المرة الأولى التي يحاول فيها اليمين الإسرائيلي المتطرف منع الأذان، ففي 14 فبراير/ شباط 2014، أدلت نائبة رئيس بلدية حيفا، يوليا شترايم (من حزب إسرائيل بيتنا)، بتصريحات شبّهت فيها صوت الأذان بـ"أصوات الخنازير البرية"، ودعت إلى وقف صوت الأذان في مساجد المدينة.
وفي 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2014، قرر حزب "إسرائيل بيتنا" تقديم مشروع قانون هدفه "إسكات" الأذان الذي ينطلق من المساجد الفلسطينية، وكان مشروع القانون يمنح وزير الداخلية صلاحية توقيع مرسوم يمنع فيه استخدام مكبرات الصوت في كل مكان يعتبر "بيتاً للصلاة"، والمقصود هو تخويل السلطات الحق في الأمر بـ"إسكات الأذان"، لكن القانون جُمد بسبب حل الكنيست الإسرائيلي.
وفي أواخر عام 2016، تقدّم نواب يهود يمينيون بمشروع قانون لحظر رفع الأذان في مساجد القدس والداخل الفلسطيني. وكان من المقرر أن يناقش مشروع القانون في "الكنيست"، غير أنه جرى حينها إلغاء النقاش في اللحظات الأخيرة بضغوط من حزب "يهودوت هتوراه"، وبعد أن رفضت حركة "شاس" اليهودية التصويت لصالح مشروع القانون، خشية أن يؤدي تمريره إلى "سفك دماء يهودية".
وكان مشروع القانون الذي اعتبِر أول محاولة لفرض قيود على الأذان منذ عام 1948، وكان يسمي "قانون المؤذن"، ينص على حظر استخدام مكبرات الصوت في "أي مكان للعبادة"، لكنه كان موجهاً في الأساس إلى المساجد.
من جانبه، يعتبر مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، زياد الحموري، تعليمات بن غفير بشأن منع الأذان امتداداً لقائمة طويلة من الانتهاكات لحرية العبادة، مؤكداً ما ذهب إليه الشيخ عكرمة صبري بأن صوت الأذان سيبقى عالياً في كل أنحاء فلسطين والعالم باعتباره واحداً من الشعائر التي يمارسها المسلمون ارتباطاً بالدعوة إلى الصلاة.
ويحذر الحموري في حديثه مع "العربي الجديد"، من تنفيذ هذا الإجراء، مشيراً إلى أنه "سيفضي إلى عنف كبير، ومواجهات قد تنعكس آثارها على المنطقة العربية برمتها".
وفي 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، أقرت اللجنة الوزارية الخاصة بالتشريعات مشروع قانون يمنع رفع الأذان عبر مكبرات الصوت في مساجد القدس والمناطق القريبة من المستوطنات داخل أراضي فلسطين المحتلة عام 1948، وذلك تمهيداً لعرضه على الكنيست لمناقشته، والمصادقة عليه حتى يصبح قانوناً واجب النفاذ.
وأعلن رئيس الحكومة وقتها، بنيامين نتنياهو، الذي أخفق في تمرير قانون مماثل في لجنة التشريعات عام 2011، تأييده للمشروع قائلاً: "لا أستطيع أن أعدّ كم مرة توجه إليّ مواطنون من جميع الشرائح وجميع الأديان كي يشتكوا من الضجيج والمعاناة التي يعيشونها"، مضيفاً أن "إسرائيل ملتزمة بحماية من يعانون من الضجيج الذي تسبّبه مكبرات الصوت، رغم أنها دولة تحترم حرية العبادة لأبناء جميع الأديان".
وكان مشروع القانون المعدل الذي تقدم به نواب، يتزعمهم عضو الكنيست عن حزب "البيت اليهودي"، مردخاي يوجيف، ينص على حظر تشغيل السماعات الخارجية للمساجد في الأماكن المختلطة بين المسلمين واليهود والمسيحيين بالقدس والمناطق المحتلة في عام 1948، وذلك وفق آلية تقدرها السلطات المحلية والشرطة.
وقد علل القانون هذا الحظر بأن الأذان "يزعج الإسرائيليين، ويسبب أذى بيئياً، ويضر بمستوى المعيشة"، وجاء فيه أن "مئات الآلاف من اليهود الذين يقطنون قرب التجمعات السكنية العربية يعانون بشكل يومي وغير اعتيادي من الضوضاء الشديدة الناتجة عن رفع الأذان عدة مرات خلال اليوم والليلة، وفي ساعات الصباح الباكرة. سماعات المساجد تستعمل لبث مضامين تحريضية دينية ووطنية خلال مناداة المصلين إلى الصلاة، والقانون المقترح يقوم على فكرة أن حرية العبادة والاعتقاد لا تشكّل عذراً للمس بنمط ونوعية الحياة".