لا يخفي نائب رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، جيل كاربونير، تأثير الأزمة المالية التي تمر بها اللجنة على أنشطتها وبرامجها ومساعداتها في مناطق النزاعات، التي زاد عددها خلال السنوات الأخيرة. ويتحدث في مقابلة مع "العربي الجديد" عن التدابير التي تعتمدها اللجنة للتخفيف من آثار الأزمة المالية، منها البحث عن شركاء جدد في آسيا ودول الخليج، لتمويل برامجها وأنشطتها، خصوصاً في ظلّ الحروب المستمرة والكوارث الطبيعية المستجدة. وفي ما يلي نص المقابلة:
- تعاني اللجنة الدولية للصليب الأحمر من عجز في موازنتها، بلغ 441 مليون يورو العام الجاري. ما هي خطط اللجنة لمواجهة الأزمة المالية التي تعاني منها؟ وكيف سينعكس ذلك العجز على العاملين معها والبرامج والأنشطة التي تنفذها والمساعدات التي تقدمها؟
نشهد زيادة في عدد النزاعات المسلحة وطول مدتها. وظهرت نزاعات جديدة منها الحرب في أوكرانيا، في وقت يشهد القطاع الإنساني، ومن ضمنه اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تحديات كبيرة، أبرزها تقلص الدعم المالي المقدم للعمل الإنساني. تواجه الدول المتبرعة صعوبات وركوداً اقتصادياً وتراكماً للديون بسبب تأثيرات جائحة كورونا والنزاع في أوكرانيا. ونتيجة لنقص التبرعات، قررنا تقليص الميزانية وعدد البرامج والأنشطة والمشاريع التي تقوم بها اللجنة في عدد من مناطق النزاعات، كما خفضنا عدد الموظفين، علماً أنه إجراء قاس. أما التدبير الثاني الذي نقوم به، فيتمثل في تقليص المصاريف التي يمكن الاستغناء عنها، والتركيز على التحول الرقمي، وتعزيز دورنا في حماية ضحايا النزاعات المسلحة، وهو الدور الذي ننفرد بالقيام به. كما نبحث عن متبرعين جديد، ونعمد إلى تنويع مصادر الدخل من خلال شركاء جدد. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أننا نقدّر دور دولة قطر وتعاوننا معها في ظل ما تقدمه من مساعدات في مجال العمل الإنساني.
- كم ستبلغ نسبة التخفيض في موازنة العام المقبل 2024؟
تم تسريح 1800 موظف من اللجنة الدولية للصليب الأحمر من إجمالي 22700 موظف في جميع أنحاء العالم خلال العام الجاري 2023. وخلال العام المقبل، ومع استمرار المشاكل التي يواجهها قطاع العمل الإنساني، سنضطر إلى تخفيض الموازنة بنسبة 13 في المائة، ما يعني أننا سنقلص عدد البرامج في العديد من مناطق النزاع، بالإضافة إلى تخفيض جديد في عدد الموظفين. وفي الوقت نفسه، سنعمل على مساندة الزملاء في الانتقال إلى أماكن عمل جديدة، وسنحرص على استمرار تقديم الخدمات للمستفيدين من برامج الصليب الأحمر من خلال جهات أخرى. نذكّر المجتمع الدولي بضرورة الاستمرار في مساعدة ضحايا الأزمات المتواصلة في العالم، وعدم إهمالهم الضحايا في اليمن والسودان على وجه الخصوص وغيرها من مناطق النزاعات. ومن خلال دورنا كوسيط محايد وعلى الرغم من الأزمة التي نمر بها، نجحنا مؤخراً في نقل 330 يتيماً من خط النار في العاصمة السودانية الخرطوم إلى أماكن أكثر أمناً. دورنا مستمر ولن يتوقف بسبب الأزمة المالية التي نأمل أن نتجاوزها.
Meeting with leaders of @Qatar_Fund in #Doha, we explored ways to strengthen our partnership for people hit by armed conflits around the world.
— Gilles Carbonnier (@GCarbonnierICRC) September 15, 2023
We are grateful for QFFD's generous contribution to @ICRC's ongoing humanitarian operations and look forward to enhanced cooperation. https://t.co/3gd0thxYf5
- إلى أين وصلت مساعيكم مع المتبرعين المحتملين الجدد، خصوصاً دولة قطر؟
شراكاتنا مع دول آسيا ودول الخليج العربي على وجه التجديد مهمة ومثمرة. بتنا متواجدين الآن بشكل رسمي في قطر بعدما افتتحنا مقراَ لنا العام الماضي، وتربطنا علاقات جيدة مع وزارة الخارجية القطرية وصندوق قطر للتنمية وقطر الخيرية. وبالفعل، وقّعنا اتفاقية شراكة مع قطر الخيرية لدعم اللاجئين، واتفاقية أخرى مع صندوق قطر للتنمية لمساعدة ضحايا النزاعات. كما عقدنا اتفاقاً مع وزارة الخارجية القطرية لنقل 15 طناً من المساعدات إلى السودان. الحوار مستمر والتعاون قائم مع الجهات المعنية في دولة قطر في العديد من مناطق الأزمات لمساعدة ضحايا الحروب. والدعم الذي حصلنا عليه هو ثمرة حوار طويل مع الجهات القطرية، ويأخذ أشكالاً مختلفة؛ سواء من خلال التعاون مع الهلال الأحمر القطري، أو الدعم المباشر، كما حصل خلال نقل المساعدات إلى ضحايا الأزمة في السودان.
- تواجه ليبيا كارثة إنسانية مفزعة بسبب العاصفة والفيضانات. ماذا يمكن أن يقدم الصليب الأحمر الدولي لمساعدة الضحايا هناك؟
أشعر بالحزن بسبب الكارثة التي شهدتها ليبيا والناتجة عن تغير المناخ. زرت بنغازي العام الماضي، وذهلت من حجم الدمار الذي وقع فيها بسبب الصراعات. لكنني أثق في قدرة الليبيين على تجاوز هذه الكارثة. عملنا هناك مستمر ولم يتوقف، ولدينا في بنغازي مخازن تحتوي على مواد غذائية ومساعدات طبية قدمناها على الفور للهلال الأحمر الليبي الذي يعمل على تقديم خدماته لإنقاذ العائلات ومساعدة ضحايا الفيضانات. من المؤسف أنّ اثنين من موظفي الهلال الأحمر الليبي قتلا خلال هذه الكارثة، ولا يزال موظف ثالث مفقوداً. نواصل عملنا في ليبيا من خلال المساعدة على تأمين التواصل بين العائلات، وتبرعنا للهلال الأحمر الليبي بأكياس لحفظ جثث الموتى. وهذا لا يعني انتهاء دورنا، فالوضع هناك كارثي. وسنرى ما يمكن أن نقدمه في ما يتعلق بإعادة الترميم وتأهيل البنى التحتية، خصوصاً مضخات المياه وتوفير المياه النظيفة وإصلاح شبكات الصرف الصحي.
- ماذا عن كارثة الزلزال في المغرب؟ ما هي المساعدات التي تقدمونها؟
الاستجابة تتم من خلال الهلال الأحمر المغربي الذي ينسق مع السلطات المغربية في ما يتعلق بعمليات البحث والإنقاذ. لا يواجه المغرب نزاعات مسلحة ونحن لسنا متواجدين هناك. دورنا من خلال الاتحاد الدولي للصليب والهلال الأحمر هو تنظيم الجهود ومساندة الهلال الأحمر المغربي الذي يبلغ عدد أفراده 8000، في عمليات البحث والإنقاذ، وتقديم المساعدات للضحايا. وأرسلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر خبراء للمساهمة في إعادة جمع العائلات التي فرقها الزلزال، وهم متواجدون مع الهلال الأحمر المغربي في مناطق الزلزال.
- ماذا حققت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في أوكرانيا؟ هل نجحتم في التخفيف من آثار الحرب على الناس؟ وما هي أبرز التحديات التي تواجهونها هناك؟
كجهة محايدة، نعمل على خط النار في الحرب الروسية الأوكرانية ومع كافة أطراف الأزمة ونتحاور معها. كما نتواجد في أوكرانيا وروسيا في وقت واحد. حتى الآن، نجحنا في إعادة الربط بين الأشخاص الذين فقدوا عائلاتهم خلال الحرب، وبالإضافة إلى الربط بين الأهالي والأسرى لدى كلا الطرفين. كما سهلنا نقل جثامين ورفات بشرية بين الطرفين بناء على طلبهم وموافقتنا. وفرنا المياه النظيفة للشرب لنحو 10 ملايين أوكراني في مناطق الحروب، بالإضافة إلى تقديم مساعدات غذائية ومالية لنحو 900 ألف أوكراني. عملنا مع القطاع الطبي لضمان الاستجابة الطبية خصوصاً لجرحى الحرب. كما نعمل على نشر الوعي حول خطر الألغام.
- كان هناك اعتراض روسي على دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر في منطقة دونباس الأوكرانية. كيف حلت المسألة؟
كمنظمة مستقلة، نتعرض للانتقاد في الحروب، خصوصاً في الحروب الاستقطابية كالحرب في أوكرانيا. نتمسك بحيادنا خلال عملنا في جميع مناطق النزاعات والحروب. ما يمكن قوله عن الوضع في دونباس أن فرقنا ما زالت تعمل على الأرض لمساعدة الضحايا. وفي الوقت نفسه، نتحاور سراً مع أطراف النزاع، إلا أنني لا أستطيع التعليق على النتائج لأن ذلك سيصبح سياسياً آنذاك. نحن حريصون على البعد الإنساني لعملنا.
- هل تختلف التحديات التي تواجهونها في الدول الأفريقية التي شهدت انقلابات عسكرية مؤخراً عن التحديات في مناطق النزاعات الأخرى، خصوصاً في ما يتعلق بالنازحين؟
تتشابه التحديات التي نواجهها في أي نزاع مسلح. نشهد نزاعات مسلحة تستمر لعقود، وما يجعل مهمتنا أصعب هو هدم المستشفيات والبنى التحتية. زيادة أعداد الجماعات تضطرنا إلى خوض عشرات الاتصالات على الأقل مع العديد من الجهات لتقديم خدماتنا أو توفير حماية لموظفينا وطواقمنا من الخطر. كما نواجه تحدياً جديداً يتمثل في نشر الأخبار الزائفة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي قد تساهم في تجييش مشاعر الناس. نحرص على أن نكون قريبين من الناس المتأثرين بالأزمات، ونسعى لنشر الوعي حول قوانين الحرب بين حملة السلاح الذين يسيطرون على مساحات واسعة من الأرض.
Today, we facilitated the release of 30 children following a request from SAF. We played the crucial role of neutral intermediary, organizing the safe transportation of the children from Khartoum to Wad Madani where the children are now under the care of Ministry of Social Dvlpt. pic.twitter.com/2RRNeNmP8q
— ICRC Sudan (@ICRC_Sudan) September 15, 2023
- ما رأيكم في ظاهرة الهجرة السرية المستمرة؟
نؤمن بحق الناس في الحماية والكرامة الإنسانية. بعض الفئات محمية ضمن القانون الدولي الإنساني، من بينها اللاجئون. وقد تكون دوافع المهاجرين مختلفة، منها اقتصادية. كمنظمة إنسانية، لا نشجع أو ندين أي حركة هجرة للناس، ونقدر أن الناس تهاجر لأسباب موجبة وبالتالي نقدم المساعدة لهم. وأيضاً، نذكر السلطات بالالتزام بالقوانين الدولية في حماية اللاجئين.
- هل تقومون الآن بالوساطة في ما يتعلق بقضية الأسرى الفلسطينيين لدى الاحتلال الإسرائيلي، والأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، علماً أن عائلات الأسرى الإسرائيليين زاروا جنيف وطلبوا تدخل الصليب الأحمر الدولي؟
بطبيعة الحال، نحن جاهزون لتسهيل أي عملية إطلاق سراح بين الجانبين، لكن لا نقوم بأي عملية تفاوضية. نحن وسيط محايد في مثل هذه الأمور. لكن ما يجب قوله هنا إن الأزمات الإنسانية تتطلب حلولاً سياسية وليست إنسانية. وأطراف النزاع مطالبة بتقديم هذه الحلول. في هذا الإطار، يستحيل أن نعلن في اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن دور لنا. لكننا نقول إننا جاهزون للعب هذا الدور في حال طلب منا.