"اعتقد البعض أنني أمزح، وخصوصاً أفراد عائلتي وأصدقائي. خبر تسجيلي لاجتياز امتحانات شهادة البكالوريا دورة عام 2023 كان بالنسبة إليهم نكتة أو فكرة عابرة، وخصوصاً أنهم يعرفون أنني موظفة وأقترب من بلوغ سن التقاعد. لكنني لم أكترث لردود فعلهم وحصلت على الشهادة".
حال فاطمة (55 سنة) من منطقة مستغانم غرب الجزائر يشبه حال العشرات الذين لم يثنهم عمرهم أو عملهم أو عائلاتهم عن العودة إلى مقاعد الدراسة. تقول فاطمة وهي أم لأربعة أبناء، لـ "العربي الجديد"، إنها مولعة بالدراسة وتحقيق الإنجازات. عام 1987، لم تنجح في اجتياز امتحانات البكالوريا في وقت كان نيل الشهادة يعني الكثير لعائلتها. ومنذ ذلك الوقت، خاضت تجارب كثيرة ودرست اللغات واجتازت مسابقات التوظيف لتصبح ممرضة في أحد مستشفيات المدينة، لكن الحنين يعيدها دوماً للحصول على شهادة البكالوريا".
بتشجيع من ابنها الأصغر، عادت إلى مقاعد الدراسة، وسجلت في فئة المتسابقين الأحرار. وطوال العام الدراسي، اجتهدت في متابعة الدروس ومراجعتها، واعتمدت على دروس الدعم والتعليم عن بعد عبر الإنترنت في شعبة علوم الطبيعة.
وعلى الرغم من ابتعادها عن الدراسة حوالي أربعة عقود، ظلّت مولعة بدراسة تخصص علوم الأحياء في الجامعة، الذي يرتبط بعملها الحالي في المستشفى، وقد نالت 13,7 من أصل 20، وهو ما يتيح لها خيارات عدة في الجامعة. وترى أن ما حققته "معجزة بفضل العزيمة وعدم الاستسلام"، لأنها لم تتخيل أن تجتاز الاختبار بنجاح، وتحصل على هذا المعدل، وتتفوق حتى على عدد من زملائها من التلاميذ الأصغر منها سناً.
من جهتها، تقول زهرة معروف لـ "العربي الجديد"، إن "الفشل في امتحان لا يعني أن المستقبل التعليمي قد انتهى. فالتشجيع الذي لقيه بعض المتقدمين في السنّ لاجتياز امتحانات البكالوريا ساهم في تجاوز التحدي وكسب الرهان". وتوضح أنها ودّعت الثانوية العامة قبل 33 عاماً، ولم تنجح في الحصول على شهادة البكالوريا في شعبة رياضيات تقنية عام 1990. منذ ذلك الوقت، لم يخطر في بالها أن تواصل الدراسة وتعيد الامتحان مرة أخرى، كما أنها غرقت في حياتها الأسرية وتربية أبنائها، والمشاركة في مسابقات التوظيف، والتدرج في المناصب بالتكوين السنوي في مجال الإعلام الآلي، وقد أصبحت اليوم مشرفة إدارية بالمركز الرياضي الجهوي بمنطقة الشلف غرب العاصمة الجزائرية.
بالنسبة إلى زهرة، فقد فكرت في التقدم لامتحانات البكالوريا بتشجيع من زوجها الذي رافقها في هذه الرحلة الطويلة، لكنها سجلت في فئة الأحرار في شعبة آداب وفلسفة، البعيدة كل البعد عن تخصصها الأول، وأقبلت على الدراسة خلال ستة أشهر كاملة، مستعينة بالفيديوهات التعليمية عبر الإنترنت. تضيف: "ما من وصفة سحرية لهذه الخطوة سوى الابتعاد عن ضغوط الامتحانات، التي غالباً ما تنهك التلاميذ"، لافتة إلى أن "هذه الضغوط هي من بين أسباب فشل البعض". وكان خوضها للامتحانات بلا خوف ولا ضغط نفسي في صالحها، إذ حصلت على معدل 14,5 من أصل 20، وهو ما سيؤهلها لخيارات عدة في الجامعة، هي التي تطمح لدراسة علم النفس. فخلال السنوات الأخيرة، أحبت هذا المجال وقرأت فيه كثيراً. تشير إلى أن تجربتها مع المرض علمتها الكثير عن المثابرة والعزيمة والصبر.
بالنسبة لكريم لونيسي (57 سنة) من ولاية جيجل شرق الجزائر، فإن السن لم يكن عائقاً. عندما قرر العودة إلى الدراسة، كثيراً ما كان يسمع عبارة: "كي شاب ما علّْقُولُوا الحْجاب"، أي أنه يريد العودة إلى التعليم في عمر متقدم. لكنه رفض الاستسلام، علماً أنه كان يدرك حجم التحديات التي تواجهه، منها التأقلم في بيئة تعليم جديدة بعد غيابه عن الدراسة لأكثر من 39 عاماً. لكن في النهاية، كسب الرهان ونجح في نيل شهادة البكالوريا بمعدل 13,5 من أصل 20 في شعبة الرياضيات.
وعن حلمه، يقول لـ "العربي الجديد" إنّه ينوي الالتحاق بكلية الحقوق، مضيفاً: "ليس عيباً أن تعود إلى مقاعد الثانوية العامة". وهذا هو حال حليمة بن سونة من منطقة عين ولمان بولاية سطيف. ففي سن الـ 46 عاماً، تمكنت من تجاوز البكالوريا. كانت قد رسبت في سنة أولى ثانوي. وبسبب الفقر، رفض والدها أن تستمر في التعليم، فتوجهت إلى الخياطة والتطريز، إلا أن ولعها بالتعلم والتخصص كمصممة أزياء دفعها للعودة إلى الدراسة. وما ساعدها قربها الكبير من أجواء الناجحين والراغبين في التعلم اليومي.
وتقول بن سونة لـ "العربي الجديد" إنه لا شيء يعلو فوق التعلم ونيل شهادة البكالوريا التي حصلت عليها أخيراً في شعبة التسيير والاقتصاد وبمعدل 12 من 20، واصفة هذه الخطوة بـ "الكبيرة وقد جاءت بعد تضحيات كبيرة". تضيف أن "نيل شهادة البكالوريا مفتاح لباب آخر، ويمكنه أن يفتح آفاقاً واسعة أمامها لدراسة أحد مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية"، لافتة إلى أن طموحها لا يتوقف عند بوابة الجامعة فقط، كما تسعى إلى دق باب العالمية في مجال صناعة الملابس والإبداع فيها.