استمع إلى الملخص
- تسببت الحرب في زيادة حالات البتر، مع تسجيل أكثر من 4000 حالة، ويعاني القطاع الصحي من نقص حاد في المستلزمات وتدمير المستشفيات، مما يعيق تقديم الرعاية اللازمة.
- تسعى بعض الجهات لتقديم الدعم مثل المستشفى الميداني الأردني والصليب الأحمر، لكن تنفيذ المشاريع يعتمد على توفر المواد الخام والبنية التحتية، مما يتطلب تعاوناً دولياً.
يواجه مبتورو الأطراف صعوبات متفاقمة في قطاع غزة، فالقطاع الصحي منهار، والأجهزة التعويضية غير متوفرة، ولا توجد رعاية نفسية لهم، ولا دورات تأهيل جسدي للتعامل مع واقعهم الجديد.
يواجه مبتورو الأطراف في قطاع غزة صعوبات كبيرة في توفير المستلزمات والأدوية في ظل منع الاحتلال إدخال الأطراف الصناعية والعكازات الطبية المصنوعة من الألمونيوم، ما يجعل الجهات المختصة في القطاع الصحي تستعين بعكازات خشبية قديمة، تمنحها للمصابين والمبتورين، ما يزيد معاناتهم بسبب ثقلها، وتكرار انزلاقها خلال الحركة على الطرقات، إضافة إلى التداعيات النفسية والجسدية نتيجة عدم تأهيلهم للتكيف مع ظروف إصابتهم، وتعويضهم عن أطرافهم المفقودة.
بحذر، تساعد ممرضة الطفل أكرم الفيومي (12 سنة) على المشي في ساحة مجمع ناصر الطبي بمحافظة خانيونس جنوبي قطاع غزة، باستخدام عكازين استلمهما للتو. تعرض أكرم للإصابة بفعل صاروخ إسرائيلي في 8 أغسطس/آب الماضي، وتعرض لعملية جراحية لبتر إحدى يديه وإحدى قدميه، وبسبب حاجته إلى طرف صناعي ليده اليسرى، يجد صعوبة بالغة في التوازن، ما جعل والده يسنده مع الممرضة خوفاً من سقوطه، إذ يمثل بتر اليد اليسرى مشكلة في الإمساك بالعكازين.
أصيب الفيومي أثناء لعبه أمام مدرسة عبد الفتاح حمودة في شارع يافا بحي التفاح شرقي مدينة غزة، عندما استهدفت طائرات الاحتلال مجموعة من المواطنين، وجاء إلى مستشفى ناصر بتحويلة طبية للعلاج من خلال منظمة الصحة العالمية واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
لا زالت تفاصيل الحادث المرير تسكن ذاكرة الطفل الذي يرفض تخطي تلك اللحظة والاندماج مع واقعه الجديد، ويروي لـ"العربي الجديد"، قائلاً: "كنت ألعب في محيط المدرسة، وأثناء عودتي إلى داخل المدرسة سقط الصاروخ، ورأيت يدي اليسرى تطير، وسقطت قدمي إلى جواري، ثم فقدت الوعي".
في لحظةٍ، انتهى حلم الطفل الفلسطيني الذي كان يمارس حقه في اللعب متحدياً الحرب والدمار، ولن يكون قادراً على ممارسة حق اللهو مرة أخرى طيلة حياته، إذ أصبح السير بخطى متوازنة بواسطة طرف صناعي، أو عكازات، وقبل تحقيق ذلك سيخضع لمرحلة تأهيل طويلة.
14500 إصابة بالأطراف يحتاج أصحابها إلى تأهيل جسدي طويل
في مرحلة العلاج الأولى، تسبب غياب الأدوية والمستلزمات الطبية بالتهابات شديدة في قدم الطفل أكرم، والتي لم تكن مبتورة في البداية، إذ ركب له الأطباء جهاز تثبيت عظام (بلاتين)، ومع تزايد الالتهابات، وعدم استطاعته النوم من شدة الألم في ظل غياب المسكنات تقرر بتر قدمه. يقول والده: "لم تكن المسكنات متوفرة، ولا المراهم المطلوبة، ولم يكن يستطيع النوم، وقد توجعنا بسبب عدم استطاعتنا فعل شيء له، إلى أن جرى تحويله من مدينة غزة إلى خانيونس للعلاج".
وبحسب دائرة نظم المعلومات بوزارة الصحة، بلغ عدد حالات البتر منذ بداية الحرب 4500 حالة، لكن ما تم تسجيله لا يتجاوز 1302 حالة بتر، من بينها 1041 حالة لذكور و261 لإناث، وتبلغ نسبة الأطفال 15%، ونسبة البتر في الأطراف السفلية 83% من الإجمالي، وهناك 14500 إصابة شديدة بحاجة إلى تأهيل طويل وسط شح المستلزمات والأدوية، وتدمير 34 مستشفى حكومي، وإنهاك المنظومة الصحية بسبب الاستهداف المستمر من جيش الاحتلال للمستشفيات والكوادر الطبية والمسعفين.
في ساحة مجمع ناصر الطبي، كان حمزة صبح (17 سنة) يتكئ على عكازين مصنوعين من الخشب، يسير عليهما بخطوات متثاقلة، وكان واضحاً عدم وجود تناسق بين طول العكازين وقامة الشاب. يقول لـ"العربي الجديد": "قبل شوية وقعت، لأن العكاز ثقيل، وينزلق كتيراً".
وأصيب صبح بشظية في الفخذ في 2 أغسطس الماضي، أثناء جلوسه أمام منزله الواقع بمنطقة "مراج" جنوب محافظة خانيونس، بعد أن استهدف جيش الاحتلال منزلاً مجاوراً، ومكث على إثر ذلك أياماً بمستشفى ناصر. يضيف: "عانيت كثيراً بسبب غياب المسكنات، وكان المستشفى يوفر لي أدوية خفيفة، ما سبب ارتخاء في عضلات القدم، فضلاً عن تشنجات، إضافة إلى عدم وجود جهاز للتخطيط العصبي لمتابعة ما حدث من خلل بالأعصاب".
يستخدم حمزة العكازين الخشبيين منذ شهر ونصف الشهر، وهذه العكازات القديمة لم يكن يُعتمد عليها قبل الحرب، ورغم محاولات كثيرة لطلب عكازات طبية خفيفة الوزن مصنوعة من الألمونيوم، لم تتم الاستجابة لطلبه بسبب منع الاحتلال إدخالها.
بدوره، تعرض صافي الأسطل (33 سنة) للإصابة في 20 يونيو/حزيران الماضي، بقصف إسرائيلي على خيام النازحين في منطقة المواصي غرب خانيونس، لكنه لم يستطع التأقلم مع العكازين الخشبيين، وبجهود شخصية استطاع توفير عكازين طبيين قديمين من الألمونيوم استعارهما من أحد الأقارب.
يقول الأسطل لـ"العربي الجديد": "لم أحصل على الكالسيوم سوى مرة واحدة، ولم أحصل على أي من الفيتامينات اللازمة لشفاء العظام، وبدأت أخيراً الحصول على مسكنات بعدما كانت مقطوعة لفترة طويلة، وكنت لا أستطيع النوم من شدة الألم خلال انقطاعها".
في زاوية أخرى من المستشفى، لا يخفي أحمد (35 سنة) فرحته باستلام طرف صناعي مرن حصل عليه من المستشفى الميداني الأردني، والذي سلّمَ 300 طرف صناعي لأشخاص مبتورين، ويقول إنه استلم الطرف بعد ستة أشهر من الانتظار.
كان أحمد يعمل حكيماً، وأصيب بعيار ناري أطلقته طائرة إسرائيلية مسيّرة في 21 فبراير/شباط الماضي، ما أدى لبتر قدمه، وطوال تلك المدة لم يستطع توفير عكازات طبية، وواجه معاناة كبيرة في السير اعتماداً على ساق واحدة، وكانت خطواته عبارة عن قفز. رغم مرونة الطرف الصناعي وملاءمته لحركة الجسم بسبب وجود مفصل، إلا أن أحمد كاد أن يسقط عدة مرات، لولا استناده على الحائط أو بعض زوار المستشفى، ويشير إلى أنه لم يخضع لجلسات تأهيل كافية للتأقلم مع الطرف والتكيف معه.
وإضافة إلى التداعيات الصحية، لم يخضع مبتورو الأطراف لجلسات دعم نفسي أو تأهيل جسدي بحسب إفادة العديد منهم، الأمر الذي يعيق تكيفهم مع واقعهم الجديد، ويجعلهم يتقوقعون داخل غرفهم أو خيام نزوحهم.
وبحسب مدير وحدة العلاج الطبيعي والتأهيل في وزارة الصحة، سامي عويمر، فإنه لا توجد خدمات تقدم لمبتوري الأطراف، سواء القدامى أو من بترت أطرافهم خلال حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين أول 2023، مشيراً إلى أن حالات البتر كانت تبلغ قبل الحرب نحو 2000 حالة، بينما تجاوزت خلال الحرب 4000 حالة بتر.
ويوضح عويمر لـ"العربي الجديد"، أن "وزارة الصحة أطلقت رابطاً إلكترونياً لتسجيل حالات البتر، سجل خلاله أكثر من 2000 شخص، وتتوقع الوزارة زيادة عدد المسجلين لاحقاً، إذ إن هناك مشاكل تتعلق بالوصول إلى الإنترنت، وعدم معرفة كثيرين بوجود الرابط الإلكتروني".
ويقول: "أصبح لدينا ستة آلاف حالة بتر، سواء من القدامى أو الجدد، مع عدم وجود مراكز متخصصة لتقديم الخدمات، باستثناء ورشة متنقلة لتقديم خدمات الطرف الصناعي في المستشفى الأردني الميداني، وقد وفرت نحو 300 طرف، منها 200 للأطراف السفلية، و100 للأطراف العلوية. تعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر على تقديم بعض الخدمات من خلال مشروع لإنشاء ورشة دائمة بمنطقة المواصي لتركيب وتصنيع وصيانة الأطراف الصناعية، في ظل توقف مستشفى حمد للتأهيل الواقع شمالي القطاع، ومركز غزة للأطراف الواقع بمدينة غزة، والذي بات يعمل بصورة جزئية، ولا يغطي احتياجات المبتورين بالمدينة".
وينبه عويمر إلى أن "تنفيذ المشروع مرتبط بتوفر المواد الخام الخاصة بالتصنيع، وأجهزة كهربائية وحرارية، وبنية تحتية لا زالت في طور التجهيز والاستجلاب، ويفترض أن ترى الورشة النور في بداية العام المقبل. احتياجات مبتوري
الأطراف كبيرة وباهظة الكلفة، ما يحتم مشاركة جهات مختلفة في تقديم الخدمات، إذ تحتاج هذه الأطراف إلى متابعة مستمرة لأن لها عمراً افتراضياً، وقد تحتاج إلى ترميم وصيانة، كما أن طرق غزة غير المعبدة أو المدمرة تساعد في إنهاك الطرف سريعاً".
ويشدد مدير وحدة العلاج الطبيعي والتأهيل بوزارة الصحة على حاجة مبتوري الأطراف إلى منظومة تأهيل صحية وجسدية ونفسية، وهذا لا يمكن توفيره حالياً بسبب استشهاد وإصابة أعداد من الكادر الطبي، ونزوح آخرين، فضلاً عن تضرر الأجهزة الطبية بسبب القصف، وعدم وجود قطع غيار لإعادة تفعليها، ومنع الاحتلال إدخال المستلزمات الطبية المساعدة.