جرحى غزة... ألم مستمر في ظل نقص الأدوية ومراهم الحروق

06 يونيو 2024
لا يحصل الكثير من الجرحى على العلاجات اللازمة (بلال مرتضى/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- غزة تعاني من أزمة إنسانية حادة بسبب نقص الغذاء والأساسيات، وتفاقمت المعاناة بعدم توفر الأدوية والعلاجات للجرحى، خصوصًا بعد إغلاق معبر رفح الذي أثر على وصول العلاجات الضرورية.
- القطاع الصحي يواجه نقصًا حادًا في الأدوية واللوازم الطبية بسبب الإغلاق المستمر لمعبر رفح، مما يؤثر مباشرةً على الجرحى والمصابين الذين يعتمدون على مسكنات بسيطة لا تكفي لتخفيف آلامهم.
- المصابون والمرضى يواجهون ظروفًا قاسية، بانتظارهم في طوابير طويلة للحصول على القليل من العلاجات المتاحة، مما يعكس الحاجة الماسة للمسكنات، المضادات الحيوية، والمراهم الخاصة بعلاج الحروق وغيرها من العلاجات الضرورية.

يضاف إلى المعاناة الإنسانية اليومية التي يشهدها أهالي القطاع في ظل النقص الكبير في الغذاء والأساسيات، عدم توفر الأدوية والعلاجات اللازمة لجرحى غزة وخصوصاً أصحاب الحروق.

في ظل إغلاق معبر رفح منذ نحو شهر، لا يحصل أهالي قطاع غزة على العلاجات اللازمة والضرورية، وخصوصاً الجرحى والمرضى منهم، وقد ارتفعت نسبتهم منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وتزداد معاناة جرحى العدوان سوءاً في ظل نقص الأدوية والمسكنات وعلاجات الحروق الضرورية.
وتعدّ مسكّنات الآلام حاجة أساسية للجرحى خلال العدوان، علماً أن الكثير منهم قد خضعوا لعمليات من دون استخدام مواد التخدير الطبي والمسكنات التي تخفف حدة آلامهِم، ويحصل القليل منهم على مسكّنات ذات مفعول بسيط. وارتفعت حالات الإصابات بالحروق وسط عدم توفر العلاجات والمراهم الخاصة بعلاجها.
وكان القطاع الصحي في غزة قبل احتلال معبر رفح، يزود العيادات الصحية والمستشفيات القليلة العاملة بكميات من الأدوية واللوازم الطبية عبر شاحنات المساعدات من الدول والمنظمات الداعمة. لكن على مدار نحو شهر، باتت هذه الكميات غير كافية في ظل ارتفاع أعداد الإصابات والمرضى.  
يقضى فايز الجمل (40 عاماً) فترة المساء داخل خيمته في المواصي وهو يتألم بشدة يومياً، ولا يحصل على مسكنات آلام على الرغم من إصابته بكسر في إحدى فقراته العلوية في العمود الفقري، وتشوهات في أسفل الظهر، بعد إخراجه من تحت ركام أحد المنازل في حي الجنينة شرق مدينة رفح، حيث بقي يوماً كاملاً تحت الأنقاض وهو يصارع للبقاء على قيد الحياة.
يضطر الجمل إلى الجلوس في وضعية معينة، ويساعده أشقاؤه على الاستلقاء للنوم. أية حركة تجعله يصرخ من الألم. يحضر الطبيب إلى داخل الخيمة كل يومين لتفقد حالته الطبية، علماً أن حالته الصحية تتطلب منه المبيت في المستشفى. ويبين أنه يحتاج إلى عملية جراحية لكن العملية العسكرية في رفح حالت دون ذلك، وتم وضع دعامات فقط خلف ظهره.
حصل الجمل على مسكنات آلام شديدة المفعول خلال الأسبوع الأول من علاجه في المستشفى الكويتي غرب مدينة رفح، قبل أن ينتقل إلى مستشفى ميداني آخر تابع للهلال الأحمر الفلسطيني في ظل امتلاء المستشفى بأصحاب الإصابات الخطيرة. ثم اضطر إلى النزوح من دون الخصول على علاج أو مسكنات للألم. ومؤخراً، حصل على مسكنات بسيطة تستخدم لعلاج البرد. 

في أحد مربعات الخيام القريبة من الشارع المؤدي لشاطئ البحر، خيمة الجمل وعائلته أي أبنائه وأشقائه وشقيقاته وعددهم 20 فرداً. يحاول شقيق الجمل التخفيف من حدة الحرارة على شقيقه مستخدماً قطعة خشبية صغيرة ويساعده في تهوئة جسده، في وقت تعلو صرخات الألم كلما زادت درجات الحرارة.
يقول الجمل لـ "العربي الجديد"، وهو يتألم: "يكاد وجعي يصل إلى السماء. ما من أحد يقدر الألم الذي أعيشه. في بعض الأحيان، أشعر بدوار وأكاد أفقد الوعي. يضع أشقائي المياه على وجهي لأبقى مستيقظاً. أحياناً، أتمنى الموت بدلاً من العيش في هذه الحالة". 
يحاول شقيق الجمل عائد (30 عاماً) السعي إلى تأمين العلاجات وهي عبارة عن مضادات حيوية ومطهرات ومسكنات للألم ومحلول ملحي لتنظيف الجروح وغيارات ويود. لكن خلال الأسبوعين الأخيرين، لم يعد يحصل على المضادات الحيوية. وبالكاد يحصل على القليل من الغيارات ومطهرات ومسكنات قليلة المفعول. ويقول لـ "العربي الجديد": "عندما أتوجه للحصول على العلاج ومعي ورقة من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، أجد المئات ينتظرون معي، منهم مرضى يجرون أنفسهم بصعوبة. أمام الخيمة، يصرخ المرضى وهم ينتظرون العلاج، وتحصل شجارات كثيرة بين المرضى".

غزة (هاني الشاعر/ الأناضول)
هناك نقص في المضادات الحيوية (هاني الشاعر/ الأناضول)

يضيف: "الأحد الماضي، حصلت على أدوية لشقيقي، منها أدوية لا أستخدمها إذا ما شعرت بأعراض الإنفلونزا بسبب مفعولها الخفيف. أعود وأشعر بالضيق بسبب الألم الذي يشعر به شقيقي. في بعض الأحيان، يواجه صعوبة في التنفس". 
بدوره، ينتظر براء عبد النبي (30 عاماً) الحصول على مسكنات. كان قد أصيب  في ساقه اليسرى عام 2018، في أحداث مسيرات العودة الكبرى على الحدود الشرقية لمدينة غزة. وقبل حوالي ثلاثة أشهر، أصيب في الساق نفسها، خلال قصف إسرائيلي على مدينة خانيونس، ولم يحصل على علاج منذ أكثر من أسبوع، على الرغم من وقوفه وغيره من الجرحى أمام النقاط الطبية والمراكز الصحية.
يقول عبد النبي لـ "العربي الجديد": "أعاني من التهابات في ساقي لأنني لم أتلق علاجاً مناسباً منذ اللحظة الأولى لإصابتي. كنت قد أصبت بطلق ناري من قناص إسرائيلي عام 2018، والآن أصبت فيها مجدداً وبت أعاني من تشوهات في العضلات العلوية وجروح، ولا أستطيع النوم في الكثير من الأيام، ولا أجد مياهاً باردة حتى لوضعها على ساقي". 

حروق بدون علاجات 

سقط عدد من الجرحى في المجزرة الاسرائيلية داخل مخيم البركسات غرب مدينة رفح الشهر الماضي، وبلغوا نحو 250، أصيبوا جميعهم بحروق كبيرة. ولا يزال البعض يصارع للبقاء على قيد الحياة حتى اليوم، علماً أن خمسة أشخاص مصابون بحروق من الدرجة الثالثة، وقد وصلت الحروق إلى الأنسجة العميقة.

وينتظر البعض الحصول على الرعاية الصحية الخاصة بالحروق على غرار الشابة كاميليا سرحان (23 عاماً) التي تعرضت لحروق من الدرجتين الثانية والثالثة، لافتة إلى أن ارتفاع درجات الحرارة تسبب لها ورماً في أطراف قدمها بسبب الحروق من الدرجة الثالثة، ما يجعل حركتها صعبة. كما أن المراهم التي تستخدمها لا تخفف أوجاعها أو درجة الحروق. 
وتقول لـ"العربي الجديد": "أعيش ضغطاً نفسياً كبيراً وأربعة من أفراد أسرتي. جميعنا أصبنا بحروق نتيجة النيران التي طاولت الخيام. استشهد ابن عمي جراء الحروق، وما نحصل عليه من علاجات لا يخفف من حالتنا الصحية بالمطلق. نحتاج إلى الحصول على العلاجات المناسبة، من مراهم ومضادات حيوية ومسكنات".
إلى ذلك، يقول طبيب الأمراض الجلدية محمد حسونة، إن المرة الأخيرة التي تلقت فيها المؤسسات الصحية في غزة شحنات قليلة من المساعدات الخارجية كانت في 20 مايو/ أيار الماضي، ولم تكن كافية أصلاً. أضيفت إليها مساعدات طبية تم تجميعها من عدد من مستودعات المنظمات الطبية العاملة في قطاع غزة، لتغطية حاجة الطواقم الطبية وسط المجازر الإسرائيلية المستمرة.
ويحصل مصابو الحروق في غزة على مراهم قليلة الفاعلية، كما يشير حسونة، وخصوصاً بالنسبة لأولئك الذين يعانون من حروق من الدرجتين الثانية والثالثة، رغم أن حالتهم تتطلب الكثير من المراهم وخصوصاً تلك المصنوعة من الأعشاب الطبيعية. فبعض أنواع الحروق في غزة تحتاج إلى علاجات لا تحتوي على مواد كيميائية، إلى حين جفاف الطبقة الجلدية.

غزة (بشار طالب/ فرانس برس)
بالكاد تتوفر مسكنات الألم (بشار طالب/ فرانس برس)

ويؤكد وجود نقص غير مسبوق في العلاجات والمعدات الطبية، وخصوصاً تلك التي تستخدم في حالات الطوارئ، ولعلاجات الحروق، والمسكنات، والمضادات الحيوية، والمطهرات وغيرها، الأمر الذي يدخل الغزيين في أزمة صحية غير مسبوقة، هم الذين تهددهم المجاعة والأوبئة التي يمكن أن نتنشر بصورة سريعة في ظل ارتفاع درجات الحرارة. 
ويقول حسونة لـ "العربي الجديد": "إصابات الحروق التي نشهدها في هذه الحرب خطيرة جداً. هناك أنواع حروق يجب التعامل معها بطريقة معينة، من خلال استخدام بخاخات طبية مخدرة وغيرها، وهناك حالات تحتاج إلى مراهم تحتوي على مضادات حيوية نظراً للتفاعل الحاصل بين الحروق وأشعة الشمس. من جهة أخرى، فإن الأزمات الإنسانية والمعيشية في الخيام تزداد صعوبة، في وقت تزيد الحاجة إلى مسكنات الألم بسبب الجروح". 
وتنتظر أعداد كبيرة من الجرحى والمرضى الغزيين دورها للحصول على علاجات، وخصوصاً داخل مناطق تجمع النازحين في غرب مدينة خانيونس ومدينة دير البلح. وينتظر كثيرون في قوائم انتظار أونروا ومنظمات مثل الصحة العالمية وهيئة الإغاثة الدولية للحصول على العلاج على أمل إدخاله عبر المعابر، كما وإدخال المساعدات اللازمة.

المساهمون