رفعت الديناميكية النسوية المستقلة في تونس، وهي مجموعة من الجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة، شعار "أوقفوا قتل النساء"، محذّرة من مخاطر جرائم مروّعة تُرتكب في حقّ نساء تونسيات بمحيطهنّ العائلي، وذلك في أعقاب جريمة قتل وقعت قبل أيام، راحت ضحيتها امرأة أربعينية أضرم زوجها النار في جسدها، بعد أن سكب عليها البنزين.
وهذه الجريمة سُجّلت في محافظة الكاف شمال غربيّ تونس، في 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قبل أن يحاول الرجل حرق طفلته البالغة من العمر 12 عاماً في داخل مدرستها، بعدما أجهز على والدتها، علماً أنّ الضحية أمّ لطفلين.
وجدّدت جريمة القتل هذه المخاوف من تصاعد العنف القاتل ضدّ نساء تونسيات يسقطنَ ضحايا تعثّر تطبيق القوانين التي من شأنها أن تردع العنف في حقّهنّ.
وفي هذا الإطار، قالت المديرة التنفيذية لجمعية "أصوات نساء" سارة بن سعيد، المنخرطة في الديناميكية النسوية المستقلة، إنّ جرائم بشعة تُرتكب ضدّ تونسيات، الأمر الذي يستدعي قرع أجراس الخطر ضدّ ظواهر خطرة في صدد التزايد في المجتمع. أضافت بن سعيد لـ"العربي الجديد" أنّ الجريمة التي راحت ضحيتها التونسية وفاء السبيعي في محافظة الكاف، سبقتها جرائم، وقد تتبعها أخرى، لافتة إلى تحوّلات في نوعية العنف المسلط على النساء الذي وصل إلى حدّ القتل حرقاً.
وأكّدت بن سعيد أنّ الجاني في قضية وفاء السبيعي أحرق زوجته بعد أن سكب عليها البنزين، وأضرم النار في جسدها، الأمر الذي سبّب صدمة لدى الرأي العام.
وأشارت بن سعيد إلى أنّ النساء في تونس يسقطنَ ضحايا هيمنة العقلية الذكورية وإرث اجتماعي ثقيل يجعل من تعنيف المرأة أمراً مقبولاً مجتمعياً، مشدّدة على أنّ "سرادق العزاء على منصات التواصل الاجتماعي عقب كلّ جريمة غير كافية لتغيير العقليات".
وبيّنت بن سعيد أنّ محافظة الكاف نفسها شهدت في مايو/ أيار من عام 2021 جريمة قتل راحت ضحيتها رفقة الشارني، الزوجة العشرينية التي قتلها زوجها رمياً بالرصاص، ولم يصدر في حقه أيّ حكم إدانة بعد. ورأت أنّ الصمت الرسمي وتباطؤ القضاء في البتّ في هذا النوع من الجرائم يعزّز النزعة العنيفة تجاه النساء، على الرغم من توافر قوانين من المفترض أن تحميهنّ.
وكانت جمعية "أصوات نساء" قد انتقدت في بيان، عقب جريمة قتل وفاء السبيعي، ما وصفته بـ"تجاهل الدولة التونسية وتقاعسها إزاء جرائم القتل المتتالية للنساء من جرّاء العنف الزوجي"، مطالبة بالكشف عن الأرقام الرسمية المتعلقة بهذا النوع من الجرائم. كذلك طالبت الجمعية بـ"وضع خطة وطنية لمناهضة العنف الزوجي والوقاية من جرائم قتل النساء، ورصد التمويلات الكافية لهياكل مكافحة العنف المسلط على النساء، بما يسمح بالتطبيق الفعلي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة الصادر في عام 2017".
يُذكر أنّ جمعيات مدنية حذّرت، في العام الماضي، من تحوّل العنف ضدّ المرأة إلى ممارسة يومية، شارحة أنّ مستويات العنف المرصودة في عام 2021 تبيّن أنّ الظاهرة تزداد استفحالاً مع تفاقم الأزمتَين الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، فيما يحتلّ الفضاء العائلي مرتبة متقدّمة في مسارح ممارسة العنف بمختلف أشكاله.
في سياق متصل، بيّن تقرير أصدرته وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ حول مؤشّرات العنف ضدّ المرأة في أغسطس/ آب الماضي أنّ الحالات المرصودة بأغلبيتها تكون في داخل الفضاء الأسري الذي يتحوّل إلى فضاء غير قابل للتعايش، ويمكن أن يشكّل خطراً على النساء.
أضافت بيانات الوزارة أنّ العنف المعنوي يشكّل أكثر أشكال الاعتداء الذي تواجهه النساء مع نسبة 84 في المائة، يليه العنف المادي بنسبة 72 في المائة، فيما يمثل العنف الاقتصادي 42 في المائة من الحالات المرصودة.
وكشفت الوزارة في تقريرها نفسه أنّ الزوج هو المتّهم الأول بممارسة العنف ضدّ المرأة، إذ يكون هو في الغالب المعتدي على الضحية المشتكية، وذلك بنسبة 74 في المائة، استناداً إلى الحالات الواردة من المندوبيات الجهوية.