يشهد العراق جدلاً بشأن نية السلطات بناء مدينة إدارية في مناطق واقعة بمحيط مطار بغداد الدولي، غربي العاصمة، إذ اعتبرت قوى سياسية ذلك محاولة لتجريد سكان تلك المناطق من أراضيهم الزراعية، وهو ما نفته هيئة الاستثمار الحكومية.
وقال تحالف "عزم"، الذي يتألف من عدّة كتل برلمانية عراقية، في بيان له، إنه "في الوقت الذي يفترض أن تنصف فيه الحكومة شريحة الفلاحين والفئات المتضرّرة من السياسات الحكومية السابقة التي تعاقبت على حكم البلاد، نفاجأ بقرار مجلس الوزراء بتحويل 106 آلاف دونم زراعي ضمن المنطقة المحيطة بمطار بغداد إلى مشروع إنشاء عاصمة إدارية"، مشيراً إلى طرح هذا المشروع للاستثمار تحت عنوان مدينة "الرفيل".
وأكّد التحالف اعتراضه على محاولة تجريد عشرات الأسر من أراضيها الزراعية، معتبراً أنّ القرار الحكومي يحمل بين طياته أبعاداً تسعى لإحداث تغيير ديمغرافي في تركيبة المنطقة السكانية.
وتابع البيان أنّ سكان تلك المناطق سبق أن نظّموا وقفات احتجاجية رافضة للاستحواذ على أراضيهم، مطالبين الحكومة بـ"إنصافهم وليس تهجيرهم"، على حدّ وصف البيان.
وردّت رئيسة الهيئة الوطنية للاستثمار في العراق، سهى النجار، بالقول إنّ الحديث عن تحويل أراضٍ زراعية بمحيط مطار بغداد إلى مشروع سكني "غير دقيق"، مشيرة، خلال تصريح صحافي، إلى أنّ "ما يثار من مواضيع حول وجود عقد استثماري لتحويل أراض زراعية تحيط بمطار بغداد الدولي إلى مشاريع استثمارية عار عن الصحة، وهي زوبعة إعلامية يقودها بعض المرشّحين للانتخابات النيابية بهدف كسب أصوات الناخبين بطرق الاحتيال".
وتابعت: "لا وجود لأي مشروع استثماري في المناطق الزراعية المحيطة بمطار بغداد الدولي"، مؤكدة أنّ ما أثير يهدف لـ"كسب أصوات الفلاحين والعوائل الفقيرة". ولفتت إلى "رفع دعوى قضائية ضدّ كل من يثير هكذا مواضيع تهدّد أمن واستقرار العوائل العراقية، ولا سيما تلك العائلات التي مضى على سكنها في الأراضي المحيطة بمطار بغداد الدولي مئات السنين".
لكن سياسيين وناشطين اعتبروا اختيار منطقة زراعية مسكونة للاستثمار، والذي سيترتب عليه تهجير أهلها وتغيير تركيبتها السكانية بالكامل، بينما يتم تجاهل مناطق أخرى قاحلة وغير مسكونة مجاورة لها، ينطوي على دوافع سياسية.
وقال رئيس البرلمان السابق، محمود المشهداني، إنّ "الوضع لا يحتمل مشاريع تثير مخاوف وسخط الشارع، ومشروع "الرفيل" لا يصب بخدمة الناس". وأضاف: "ما الفائدة من أن تقيم مدينة على حساب أهل المنطقة وتاريخها ومصالح المواطنين، وعلى رئيس الوزراء أن يعتمد على مبدأ بسيط، وهو أن أي عمل يقوم به يجب أن يصب بخدمة الناس، هكذا عمل يثير الناس والشغب، وهذا يعني أننا نفرط بأمن بغداد واستقرارها".
واعتبر، في حديث لمحطة تلفزيونية عراقية، أنّ "الموضوع سيفسّر بأنّ له علاقة بمشاريع التغيير الديمغرافي، والعراق على كفّ عفريت ولا تنقصنا مشاكل".
فيما قال الشيخ محمد الشمري، وهو من أهالي المنطقة، إنهم يقطنون في هذا المكان أباً عن جد، ولا يملكون مكانا آخر للذهاب إليه. وتساءل، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن سبب ترك "مناطق جرداء وغير مسكونة وفارغة في بغداد، واختيار مناطق زراعية مسكونة ومنتجة، لطرد أهلها وإقامة مشروع سكني وإداري". واعتبر أنّ "المشروع يحمل دوافع سياسية معروفة".
وصوّت مجلس الوزراء، الثلاثاء الماضي، على قرار لإنشاء مدينة "الرفيل" في محيط بغداد. وقالت رئيسة هيئة الاستثمار، سهى النجار، في مؤتمر صحافي بعد اجتماع مجلس الوزراء، إنّه سيتمّ بناء المدينة على مراحل عدة، وأضافت أنّ "الرفيل" ستكون مدينة سكنية وخدمية وطبية، توفّر 75 ألف وحدة سكنية.
وأشارت إلى أنّ معماريين من العراق ودول العالم قدموا مخططات وتصاميم لإنشاء المدينة، مؤكدة وجود لجنة وزارية مختصة بالنظر في تلك العروض.
وقال مسؤول في محافظة بغداد، لـ"العربي الجديد"، إنّ فكرة الاستثمار في محيط مطار بغداد ليست جديدة، وتعود للحكومة السابقة برئاسة عادل عبد المهدي، التي حاولت إنشاء مجمّعات سكنية في منطقة الرضوانية بجوار المطار، إلا أنها لم تتمكن من ذلك بسبب استقالتها قبل نهاية عام 2019.
وحاولت الحكومة السابقة انتزاع آلاف الهكتارات الزراعية المحيطة بمطار بغداد الدولي، الواقع غربي العاصمة بغداد، ومنحها لشركات أجنبية بدعوى الاستثمار، ما أثار اعتراضات واسعة حينها من قبل العشائر التي تسكن تلك المناطق، والتي رفضت التلاعب بأراضي وتركيبة حزام بغداد.
ويبلغ عدد سكان مناطق حزام بغداد أكثر من مليون ونصف المليون نسمة، وتشمل مناطق الطارمية وأبو غريب واليوسفية وصدر اليوسفية والرضوانية والتاجي وجسر ديالى، وتُعتبر مناطق زراعية خصبة، وتقطنها منذ قرون قبائل عربية، أبرزها زوبع، والدليم، والقره غول، والجبور، والمشاهدة، والمجمع، والجنابيين والعبيد، وشمر.