تونس: المجتمع المدني يدين تواصل "الإرهاب البيئي" في قابس

18 ابريل 2022
الاستعداد لعمليات الغوص لمعاينة وضعية السفينة المنكوبة (وزارة النقل فيسبوك)
+ الخط -

دانت نحو 50 منظمة وجمعية من منظمات المجتمع المدني في تونس تواصل ما وصفته بـ"الإرهاب البيئي المسلط على محافظة قابس المنكوبة" من قبل الحكومات المتعاقبة منذ 50 عاما. 

وقالت المنظمات إنّ "قابس تقاوم إرهاباً بيئياً وضعته السلطة وقدّمت له كل الامتيازات والإمكانيات والحماية لمواصلة ارتكاب جرائم تقضي عبرها على الموارد البيئية الثرية والمتنوعة، وتُهدّد حياة أجيال متعاقبة عانت منذ 50 عاما التهميش والأمراض والموت البطيء". 

وأضاف ممثلو المجتمع المدني، في بيان مساء أمس الأحد، أنّ قابس "اليوم أمام كارثة بيئية جديدة تنذر بخطر الإجهاز على ما تبقى من الموارد البيئية المائية، الصحة العامة والحياة الاقتصادية في المدينة"، على خلفية غرق السفينة "إيكسلو" في خليج قابس.

وحمّل المجتمع المدني السلطة "مسؤولية ما آلت إليه الأمور في قابس، لكونها لم تقم بدورها في مراقبة معايير سلامة الملاحة البحرية عند رسو السفينة في الميناء التونسي، على غرار ما قامت به دولة اليونان من حجز للسفينة نفسها، بسبب اهتراء بنيتها وعدم تطابقها مع معايير السلامة، إضافة إلى الصمت الممنهج على الترهيب البيئي المتواصل منذ 50 سنة".

وأكد المتحدث الرسمي باسم محكمة قابس الابتدائية محمد الكراي، في تصريحات صحافية، "فتح محضرين في علاقة بغرق السفينة، الأول يتعلق بملابسات حادث الغرق، والثاني محضر بيئي مستقل". وأضاف الكراي أن "جميع الاحتمالات واردة بخصوص ما يروّج حول إتلاف وثائق السفينة أو حقيقة نشاطها، مؤكدا أن التحقيق والقضاء سيكونان الفيصل للحسم في هذه الحادثة".

وينتظر أهالي قابس، اليوم، انطلاق عملية شفط الغازوال من السفينة الغارقة، كما أعلن عنه سابقا، لمنع حدوث تسرّب النفط، فيما يرجّح الاستعانة بخبرات دولية في هذا المجال الدقيق، خصوصا بعد أن عرضت إيطاليا المساعدة اللوجستية والبشرية في ذلك. 

وتمكّنت أمس وحدات مختصة حكومية من وزارات مختلفة، إلى جانب فريق من الغواصين التابعين لجيش البحر، من معاينة وتطويق مكان غرق السفينة الذي تواصل لأكثر من 10 ساعات، كما جرى إيصال خزانها بخرطوم إعداد لعملية إفراغ المخزون.

ودعا ممثلو المجتمع المدني إلى "التفعيل الفوري لمعاهدة برشلونة لحماية البحر الأبيض المتوسط لسنة 1976 الموقعة من تونس، والتي تعطيها حق طلب المساعدة والولوج إلى جميع مؤسسات الاتفاقية، وأهمها المركز الإقليمي للاستجابة لحالات الطوارئ للتلوث البحري في البحر الأبيض المتوسط".

كما طالبت بـ"مدّ الرأي العام الوطني بالمعلومة حول حقيقة الوضع دون تستر أو تبييض والتوعية بخطورة الكارثة وتجنيد جميع مؤسسات الدولة لمجابهتها، مع إشراك الأهالي والمجتمع المدني في التصدي لها ولتبعاتها، والوقف الفوري للوحدات الملوثة والمصبات الكيميائية البحرية التابعة للمجمع الكيميائي بقابس".

وقال منسق حملة ''أوقفوا التلوث نحبّ نعيش'' خير الدين دبية، لـ"العربي الجديد"، إن "قابس هي تشيرنوبل تونس، حولتها السلطة إلى منطقة مهددة بحظر العيش في وقت كانت جنة طبيعية وبحرية"، محذرا من "جاهزية تسرب حمولة كل مخزون السفينة الغارقة التي تعاملت معها السلطات بتهاون وتقصير" .

وحذر دبية من "كارثة بيئية محتملة قد تسمم ما بقي من الخليج الملوث والشريط الساحلي، ما سيجعلها منطقة محظورة ولا يتوفر فيها الحد الأدنى للسلامة والصحة الجماعية".

وذكر دبية أن "السلطات تعاملت مع غرق السفينة برد فعل محتشم وبطيء، في وقت تتواصل التحذيرات من شبهات تجاوزات وخروقات في الملف". 

ووصف المتحدث القرارات المتخذة "بالمحدودة، والمعلومات الرسمية بالفاقدة للشفافية والمصداقية، ما يزيد من تعقيد الأزمة"، مستغربا "منع المتطوعين من المجتمع المدني من الوجود في عين المكان".

وعبّرت نحو 50 جمعية ومنظمة، من بينها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والنقابة التونسية للفلاحين والاتحاد العام لطلبة تونس والجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية والمنظمة التونسية للأطباء الشبان ومنظمة محامون بلا حدود والمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب..، عن استعدادها لمجابهة هذه الكارثة وتكريس كل الجهود للتصدي لها بصفة جماعية. 

وفي سياق متصل، دعت الجامعة التونسية للبيئة والتنمية رئاسة الجمهورية إلى تكليف الحكومة بدراسة تأثير غرق سفينة الشحن التجارية "إيكسلو، "وإعداد الخطط لمواجهتها وتفعيل الدبلوماسية لضمان حقوق تونس المترتبة عن هذا الحادث.

وطالبت الجامعة في بيان لها باعتماد خطة شفافة لإعلام الرأي العام بكل المستجدات، ما يفضي إلى الحد من تضارب المعلومات حول السفينة ومسار رحلتها.

وأثارت المعلومات المتضاربة حول غرق السفينة جدلاً كبيراً وشبهات حول إمكانية افتعال الغرق، وما يرجح من محاولات إخفاء شبهات جريمة تهريب نفط دولية، أو التخلص من نفايات خطيرة، خصوصا بعد نبأ ضياع وثائق هويتها وتلف أوراق هامة، لتتزايد بذلك مطالب المجتمع المدني والنشطاء بالكشف عن حقيقة هذه "السفينة اللغز"، وملابسات غرقها في المياه الإقليمية التونسية.

ويبلغ طول السفينة الغارقة 58 مترا، وهي مملوكة لشركة تركية ليبية وتحمل علم غينيا الاستوائية، ويعود تاريخ صنعها إلى سنة 1977. 

يُذكر أنّه جرى إنقاذ طاقم السفينة الذي يضمّ 7 أفراد من جنسيات مختلفة. ويتكوّن الطاقم  من قبطان جورجي وأربعة أتراك واثنين من أذربيجان.

وكانت السفينة قادمة من ميناء دمياط المصري ومتوجهة إلى مالطا، وطلبت مساء الجمعة من السلطات التونسية تمكينها من دخول المياه الإقليمية للبلاد.

وسمح لها بالرسو على بعد حوالي سبعة كيلومترات عن سواحل خليج قابس، إلا أن مياه البحر تسربت إلى داخل غرفة المحركات لتغمرها في حدود ارتفاع مترين، قبل أن تغرق على عمق 20 مترا.

المساهمون