يمدد تواصل ارتفاع درجات الحرارة خلال هذه الأيام وغياب هطول الأمطار، صيف التونسيين أسابيع عدة هذا العام، في حين يتوقع أن يستمر الحر في السيطرة على الأحوال المناخية رغم اقتراب الشتاء.
بات من الواضح أن التغيّرات المناخية ومشاكل الاحتباس الحراري باتت أكثر تأثيراً في حياة التونسيين، في غياب التدابير الضرورية للحدّ منها، علماً أن خريف البلاد يتميز عادة بتساقطات مطرية تتسبب في سيول تعرف باسم "طهمة الخريف" أو "غسالة النوادر"، ويفترض أن تهيئ الأمطار الأرض لموسم الحرث والزراعات الكبرى.
يعلّق عدنان عبد المؤمن الذي يدير مطعماً على شاطئ البحر في مدينة غار الملح شمال شرقي تونس، على ظاهرة غياب أمطار الخريف عن غالبية محافظات البلاد، وتجاوز الحرارة 30 درجة مئوية، ما يجعل المناخ ملائماً حتى لارتياد البحر، ويقول لـ"العربي الجديد": "أواصل هذا العام فتح المطعم خلال عطلة نهاية الأسبوع، وذلك بطلب من زبائني الذين يأتون من مدن أخرى لقضاء الإجازة في المنطقة، والسباحة أحياناً".
يضيف: "كان انتهاء موسم الاصطياف في المنطقة يتزامن سنوياً مع العودة المدرسية في منتصف سبتمبر/ أيلول، حين يتراجع عدد المصطافين. أما هذا العام فمدد تواصل ارتفاع درجات الحرارة الصيف أسابيع إضافية عدة". ويعتبر أن" الوضع المناخي لا يزال يناسب مواصلة الأنشطة البحرية ورحلات الصيد للهواة والتخييم على الشواطئ".
وفيما تتوقع الأرصاد الجوية استمرار غياب الأمطار وارتفاع درجات الحرارة حتى 7 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، يجلب تمدد الصيف الهم الكبير لمزارعي مناطق غربي تونس الذين اضطروا إلى تأجيل أشغال الحرث، وتهيئة الأراضي لموسم زراعة الحبوب، بسبب احتباس الأمطار.
ويعد القطاع الزراعي والأنشطة الرعوية الأكثر تضرراً من التغيّرات المناخية في تونس. وأكدت دراسة نشرتها وزارة البيئة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 حول انعكاسات التغيّر المناخي على الاقتصاد، أن "تونس مهددة بفقدان مواردها الطبيعية، ويتوقع أن تواجه نقصاً حاداً في محاصيل الحبوب بسبب جفاف نحو ثلث المساحات الزراعية، والتي يرجح أن تبلغ مساحتها مليون هكتار فقط بحلول عام 2030".
وحذرت الدراسة من أن قطاع الزراعة الحيوي الذي يمثل 14.2 في المائة من الناتج الداخلي، يواجه خطر فقدان نحو ألف فرصة عمل سنوياً. وتحدثت عن أن طقس تونس سيكون أكثر حرارة وجفافاً بسبب التغّيرات في كميات الأمطار الموسمية المتساقطة، وارتفاع مستوى سطح البحر، ودرجة ملوحة المياه وحموضتها.
وتوقعت الدراسة أيضاً أن يتكبد القطاع الزراعي خسائر اقتصادية تعادل بين 5 و10 في المائة من الناتج الداخلي الخام القطاعي، بحلول عام 2030، بسبب اختلال وضع المناخ.
ويقول الخبير البيئي حمدي حشاد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن "تونس تواجه عدواً غير مرئي اسمه التغيّرات المناخية. وأبرز تأثيراته تمديد مواسم الحر حتى نوفمبر/ تشرين الثاني، ما يتسبب في جفاف حاد وتراجع كبير في معدلات سقوط الأمطار".
ويترافق تسارع التغيّرات المناخية في تونس مع غياب خطط الحد من تأثيراتها على معيشة المواطنين ومستقبل الأجيال القادمة المهدد بشح الموارد المائية. ويرجح أن تظهر آثار الاحتباس الحراري وتغيّرات المناخ في شكل أوسع وأسرع خلال السنوات المقبلة، من خلال أزمات زراعية وغذائية تؤثر على المجتمع، وعلى حركة الهجرة الداخلية".
يضيف: "ليست تونس مستعدة في شكل كافٍ لمواجهة تحديات تغيّر المناخ في ظل غياب الوعي المجتمعي والسياسات الحكومية اللازمة لتطوير قدرات تعبئة الموارد المائية اللازمة، وتجاهل السلطات الدفاع عن المصالح المناخية لتونس أمام الهيئات الدولية، باعتبارها دولة قليلة المساهمة في انبعاثات الغازات الدفيئة".
ويرى حشاد أن" المؤشرات قد تصل إلى مرحلة الطوارئ المناخية في السنوات القادمة التي ستصعب مواجهتها، ما يؤدي إلى توريث المشاكل إلى الأجيال التالية التي قد تواجه بدورها مخاطر افتقاد كل أساسيات الحياة".
ويعتبر أن" التغيّرات المناخية من الأسباب المباشرة لتنامي ظاهرة الهجرة غير النظامية، فالجفاف وقلة الموارد المالية يجبران صغار المزارعين ومربي المواشي على الهجرة عبر قوارب الموت هرباً من واقع مناخي صعب".
ورغم أن تونس تنتج نسبة منخفضة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الذي يتسبب في التغيّرات المناخية، لكنها تعتبر بين الدول الأفريقية التي تعاني من آثار التغيّرات المناخية، بحسب ما تفيد تقارير عدة أعدتها وزارة الفلاحة عن ارتفاع درجات الحرارة في شكل ملحوظ مقارنة ببقية دول العالم.
وشهدت تونس خلال السنوات الأخيرة تحركات شبابية ومدنية للمطالبة بحق العيش في بيئة سليمة، ونادت بالعدالة المناخية التي تتطلب وضع صناع القرار إجراءات عاجلة في شأن تغيّر المناخ، لكن التعامل الحكومي مع المسألة يسوده الغموض، حتى أنها تتذيل لائحة المسائل التي يناقشها المسؤولون، وأولوياتهم في التعامل مع الشؤون الحياتية للناس.