قصدت منيرة (45 عاماً) أكثر من خمس صيدليات في تونس العاصمة بحثاً عن فيتامين "سي" الخاص بالأطفال، لكنّها لم تجده. تقول إنّها لا تشتري هذا الدواء بوصفة من طبيب أو اختصاصي، بل لرغبتها في تقوية مناعة أطفالها، تفادياً لإصابتهم بفيروس كورونا الجديد، ومقاومة أيّ مرض آخر. تضيف: "أخاف على أبنائي لأنّهم يذهبون إلى المدرسة، وهناك يمكن أن يلتقطوا العدوى. هذا ما يدفعني إلى استعمال كلّ الوسائل لحمايتهم وتقوية مناعتهم، سواء عبر بعض الأغذية التي نصح بها الأطباء، أو بعض الأدوية، أو حتى بعض خلطات الأعشاب المعتمدة في حياتنا اليومية والمنصوح بها لعلاج فيروس كورونا".
ليست منيرة وحدها التي يدفعها خوفها على أبنائها من فيروس كورونا إلى الإقبال على بعض أدوية تقوية المناعة، على غرار فيتامين "سي" والزنك، بالإضافة إلى المسكنات والأدوية المخفضة للحرارة، مما تسبب في فقدانها من أغلب الصيدليات، لا سيما أنّ العديد من الأدوية يباع في الأسواق التونسية من دون وصفات طبية.
وبالرغم من تحذيرات وزارة الصحة من خطورة التناول العشوائي لأغلب أنواع الأدوية، وتخزين كميات كبيرة من الأدوية المستخدمة في العلاج والوقاية من كورونا، فإنّ الصيدليات باتت اليوم تشكو نقصاً شديداً في عدد من الأصناف الدوائية، خصوصاً الأدوية المخفضة للحرارة والفيتامينات والمسكنات، ومضادات الأكسدة، وأدوية توسيع الشعب الهوائية، والإسهال، وأمراض الصدر، أي أغلب أنواع الأدوية ذات الصلة بالبروتوكول الخاص بعلاج كورونا.
وكثيراً ما أشار الخبراء إلى أهمية تعزيز الجهاز المناعي، بالإضافة إلى مراعاة قواعد النظافة من أجل الوقاية من فيروس كورونا، مؤكدين أنّ التغذية الصحية المتنوعة والمتوازنة والتمارين الرياضية والنوم الكافي هي عناصر أساسية من أجل تقوية الجهاز المناعي. مع ذلك، لوحظ خلال الموجة الأولى من فيروس كورونا في مارس/ آذار الماضي إقبال كبير على الطبّ البديل، وازدهار تجارة الأعشاب الطبية في العديد من الأسواق، بسبب غياب لقاح وعلاج للفيروس وندرة بعض الأدوية الطبية (على غرار فيتامين "سي" والزنك) التي ينصح بها لتفادي الإصابة بالعدوى. وتهافت العديد من المواطنين على بعض الأنواع من الأعشاب التي يقال إنّها فعالة في تقوية المناعة وتقليل الإصابة بالعدوى، أو قدرتها على علاج المرض في حال الإصابة، كالشيح والإكليل والصعتر والكلتوس وغيرها مما ينتشر في أزقة وأسواق كلّ المدن التونسية، حتى أنّ بعضها بات مفقوداً أو يصعب الحصول عليه. وشهدت هذه الأعشاب ارتفاعاً في أسعارها مقارنة بالسنوات الماضية أيضاً.
الموجة الثانية من فيروس كورونا التي انطلقت في تونس منذ فتح الحدود في يونيو/ حزيران الماضي
لكن، مع الموجة الثانية من فيروس كورونا التي انطلقت في تونس منذ فتح الحدود في يونيو/ حزيران الماضي، بات المواطنون أكثر إقبالاً على أدوية تقوية المناعة من الصيدليات. وفي هذا الإطار، يقول الصيدلي عبد الرحمن لـ"العربي الجديد" إنّه "منذ بداية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي لاحظنا إقبالاً كبيراً على العديد من أنواع الأدوية لا سيما المسكنات والأدوية المخفضة للحرارة وأدوية تقوية المناعة. وهكذا، فقد أغلبها من جميع الصيدليات، خصوصاً أنّها أدوية تباع من دون وصفات طبية. وباتت اليوم أغلب الصيدليات تشكو نقصاً كبيراً في جلّ تلك الأنواع من الأدوية. بالتزامن مع نقص الكميات المستوردة من الشركات، التي تعانى بدورها من انخفاض الإنتاج وزيادة الطلب". يضيف أنّ هذا "سيؤثر كثيراً في علاج مصاب كورونا في حال لم يجد هذه الأدوية، خصوصاً العقاقير التي تدخل في بروتوكول علاج الفيروس، بالإضافة إلى تأثيره على بعض المرضى الآخرين الذين يحتاجون إلى تلك الأدوية أكثر من غيرهم لا سيما مرضى السرطان".
من جهتها، حذرت وزارة الصحة من تناول بعض الأدوية والمكملات الغذائية والفيتامينات بصفة عشوائية من دون العودة إلى الأطباء، خصوصاً لدى ظهور علامات الإصابة بفيروس كورونا الجديد، مؤكدة أنّ أغلب المكملات الغذائية لا بدّ من أن تؤخذ بوصفة طبية تحدد الكمية المطلوبة والتي يحتاجها المريض في الأساس بحسب حالته الصحية وبحسب سنّه ووزنه، وليس الشخص العادي الذي لا يعاني من أيّ أمراض، لأنّ تناولها بكميات كبيرة يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات خطرة خصوصاً لدى الأشخاص الذين لا يعانون من نقص فيتامينات.
يذكر أنّ المعهد الوطني للاستهلاك كان قد نشر دراسة سنة 2019 تفيد بأنّ 61 في المائة من التونسيين يشترون الأدوية من دون وصفات طبية، معتمدين فقط على نصائح الصيدلي حول كيفية استعمالها والجرعات اليومية منها، كما أنّ معظم الصيدليات تبيع عدّة أدوية من دون وصفات طبية.