غيّرت أزمة الطاقة اهتمام فئة من التونسيين نحو وسائل نقل بديلة تضمن التنقل بأقل كلفة ممكنة، من ذلك الدراجات الهوائية التي لا يزال استعمالها مُقتصراً على أغراض رياضية أو ترفيهية بعدما استعملت قبل عقود كوسيلة نقل أساسية في عدد من محافظات البلاد.
ولا تصنّف الدراجات الهوائية في تونس كوسيلة نقل خاصة، كما لا يلاحظ استعمالها بشكل مكثف على الطرقات، فيما تغيب تماماً المسارات المخصصة لسيرها أو المرائب الخاصة بهذا الصنف من وسائل النقل.
غير أن الارتفاع المتواصل لأسعار المحروقات وتراجع خدمة النقل العام دفعا جزءا من التونسيين، ولا سيما الشباب، إلى استخدام الدراجات الهوائية، بينما يزيد هذا الإقبال في تنشيط أسواق الدراجات والجمعيات الداعمة لاستعمالها.
وأمس الخميس، أعلنت سلطات تونس عن زيادة في تعرفات النقل الفردي ستدخل حيز النفاذ بداية من 15 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، كما عدّلت أسعار المحروقات خلال السنة الحالية في 5 مناسبات، ما دفع أسعار البنزين إلى مستويات قياسية.
ويقول سليم الباجي (50 عاماً)، وهو موظف، إنه أصبح يستعمل سيارته للمسافات الطويلة فقط، معوّلا أكثر فأكثر على دراجته الهوائية في التنقلات داخل مناطق العمران، مشيرا إلى أنه جهّز الدراجة الهوائية بإكسسوارات تسمح له بحمل المشتريات المنزلية أو أمتعته الخاصة.
ويؤكد سليم لـ"العربي الجديد"، أنه كان يستعمل الدراجة الهوائية سابقا لممارسة الرياضة، غير أن استعمالها تغير بالنسبة له مع زيادة كلفة استغلال السيارة الناجمة عن سعر البنزين وغيره من المتطلبات، معتبرا أن "الدراجة ذات منافع متعددة، ولا سيما منها ما يرتبط بالصحة والجيب والبيئة".
وتعمل الجمعيات المدنية الناشطة في مجال الدراجات على بعث حاضنة أعمال الدراجات لتشجع ريادة الأعمال وتبني قدرات الشباب الذين يريدون أن يصبحوا رواد أعمال في مجال الدراجات.
ويقول علاء بن إبراهيم، وهو منسق برامج الجمعية التونسية للتشجيع على استعمال الدراجات الهوائية، إن "عدد مستعملي الدرجات الهوائية في تونس تصاعد منذ عام 2017 مع بروز أزمة الطاقة"، مؤكدا أن "التونسيين بصدد استعادة ثقافة استعمال هذه الوسيلة التي كانت منتشرة في سنوات الستينيات والسبعينيات" من القرن الماضي.
ويضيف متحدثا لـ"العربي الجديد"، أن "استعمال الدراجات الهوائية كان رائجاً في تونس في عدد من المحافظات، ولا سيما منها صفاقس ونابل وجربة، قبل تطور أسطول العربات مع بداية تسعينيات القرن الماضي، وهو ما أدى إلى تراجع استعمال المركبات الهوائية".
ويشير المتحدث إلى أن "الجمعيات الناشطة في هذا المجال تعمل على إعادة نشر ثقافة استعمال الدراجات الهوائية وفق معايير علمية تستجيب لكامل شروط السلامة المرورية"، مؤكدا أن "من أكبر التحديات التي تعترض المستعملين حاليا هو ضعف البنى التحتية الخاصة بالدراجات".
وتحدّث علاء بن إبراهيم عن "غياب قاعدة بيانات رسمية حول أسطول الدراجات الهوائية"، غير أنه رجّح أن "يكون عددها بعشرات الآلاف"، مشيرا إلى أن "المجتمع المدني يشتغل على وضع سياسات عامة لاستعمال الدراجات الهوائية كوسائل نقل فردية تخضع لقوانين المرور، من ذلك ضرورة حيازتها عقود تأمين وتقنين عمليات تداول الدراجات بالبيع والشراء" .
وأضاف أن "بحثاً ميدانياً قامت به الجمعية في مدينة أريانة (إحدى مدن العاصمة الكبرى)، بيّنت أن أغلب مستعملي الدراجات هم من التلاميذ وطلاب الجامعات والعاملين في المناطق الصناعية".
كما بيّن التقصي الميداني، بحسب المتحدث، "وجود قصور في البنى التحتية والمسالك الخاصة بالعربات الهوائية والمرائب الخاصة بها"، مشيراً إلى أن مشروعا بصدد التطوير مع بلدية المدينة من أجل إحداث مسالك خاصة وممرات للدراجات، إلى جانب إحداث 5 مراكز مراقبة تضمن ركن الدراجات في مناطق منظمة وآمنة".
ومن أجل تشجيع استعمال الدراجات الهوائية في تونس، أطلقت جمعيات مدنية منذ 2017 "ثورة الدراجات"، التي تعتبر الدراجة الحل لمشاكل التنقل لدى التونسييين، حيث أطلقت حينها تظاهرات على مواقع التواصل الاجتماعي لمواكب سير جماعي باستعمال الدراجات من أجل تشجيع المواطنين على اعتمادها كوسيلة نقل فردية مقتصدة للطاقة وصديقة للبيئة والصحة العامة.