عادت الجمعيات النسوية في تونس إلى مناقشة قانون الإجهاض بعد 50 عاماً من إقراره في البلاد، بهدف تقييم جودة تطبيق هذا النص الذي منح النساء حق الإجهاض في إطار سياسة الدولة الإنجابية التي سنّتها منذ ما يزيد عن 5 عقود.
وأبرزت بيانات جرى عرضها، اليوم الخميس، من قبل "مجموعة توحيدة بن الشيخ" (مدنية) والتي تضم عدة منظمات، حول قانون الإجهاض بين عامي 2022-2023، أن أكثر من نصف النساء اللاتي تتراوح أعمارهن ما بين 18 و29 عاما لا يعرفن حقوقهن التي أتى بها قانون الإجهاض عام 1973، بينما يصل معدل الجهل بالقانون لدى الرجال إلى أكثر من 26 بالمائة.
وكشف الاستبيان الذي شارك فيه 5837 شابا وشابة من غير المتزوجين في 8 محافظات، جهلا بالقانون، تصل نسبته إلى 43 بالمائة في صفوف النساء كما لا تتعدى نسبة النساء اللاتي يفكرن في إجهاض الحمل غير المرغوب فيه 35 بالمائة، فيما ترفض 11 بالمائة منهن هذا الإجراء.
كما بيّن الاستبيان كذلك رفض مقدمي الخدمات في المؤسسات الصحية العامة والخاصة القيام بالإجهاض، مرجعين ذلك إلى التراجع في أداء البرنامج الوطني للصحة الإنجابية وإغفال الدولة للصحة الإنجابية والجنسية، والتراخي في اليقظة تجاه انتهاكات حقوق الاستقلال الجسدي، بالإضافة إلى التغيرات الكبيرة التي شهدتها البيئة الاجتماعية.
وتقول رئيسة "مجموعة توحيدة بالشيخ"، هادية بالحاج، إنّ "النساء اللاتي يرغبن في الإجهاض يواجهن صعوبات صحية وأخرى اجتماعية نتيجة وجود مماطلة وعدم التطبيق السلس للقانون داخل هياكل الصحة العامة المكلفة بالصحة الإنجابية".
وتؤكد بالحاج في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ" خمسة عقود من الزمن لم تكن كافية للتطبيق الجيد لقانون الإجهاض حيث لا تزال العديد من العقبات تلقي بظلالها على أوضاع النساء، من أبرزها العراقيل التي يضعها الإطار الطبي وشبه الطبي أمامهن لثنيهن عن اتخاذ هذا القرار، إلى جانب نقص الأدوية والإحاطة النفسية التي يفترض أن توفر للراغبات في الإجهاض.
وأضافت: "يتحول قرار الإجهاض إلى عملية شاقة صحيا ونفسيا بسبب التضييق على النفاذ إلى هذا الحق".
وأقرت رئيسة مجموعة توحيدة بالشيخ بـ "وجود تضييقات حقيقية على المكتسبات التي جاء بها القانون، ما يؤدي إلى عرقلة تطبيقه وعدم تقبله لاسيما في الأوساط الشعبية حيث تصل نسبة معارضة خدمة إجهاض حمل العازبات إلى 40 بالمائة وفق الاستبيان".
وشددت المتحدثة على "ضمان حصول كل امرأة ترغب في الإجهاض على خدمات عالية الجودة وأن تعامل بكرامة واحترام وأن تحتفظ بسرية معلوماتها".
وشرّعت تونس الإجهاض منذ سنة 1973، إذ يحق لكل امرأة الإجهاض مجانا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل إما عن طريق الشفط أو عن طريق الإجهاض الدوائي. وبموجب القانون يحق لجميع النساء من الناحية النظرية، الإجهاض مجانا في كافة مؤسسات الصحة العمومية.
وبحسب بيانات الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري، بلغ عدد حالات الإجهاض عام 2019 بمراكز الصحة الإنجابية، وهي مراكز عمومية، نحو 16580 حالة، إلا أن العدد انخفض إلى 15950 حالة عام 2020، وذلك بسبب انتشار وباء كورونا، أما عام 2021 فارتفع عدد عمليات الإجهاض في المراكز العمومية إلى 17650 عملية، من دون احتساب عمليات الإجهاض بمراكز صحية خاصة.
ومنذ عام 2020 تبحث الهياكل الصحية المكلفة بالصحة الإنجابية حلولا جديدة لإعادة تنظيم سياسات الإنجاب في البلاد بعد تراجع المكتسبات المحققة في هذا المجال في السنوات الأخيرة نتيجة الظروف الاجتماعية والسياسية التي مرت بها البلاد، نتج عنها تقلّص في الحملات الميدانية للترشيد والتثقيف حول التباعد في الولادات وتحديد الإنجاب إلى جانب نقص في أدوات منع الحمل.
وكشفت دراسة أنجزها الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري عام 2020، أن حاجيات الصحة الإنجابية ارتفعت من 7 بالمائة إلى 20 بالمائة خلال الفترة المتراوحة بين 2014 و2020، وهذه المؤشرات لها تأثير على التركيبة الديمغرافية في تونس من بينها زيادة الولادات في السنوات القادمة.
وفسّر الديوان حينها، الزيادة في الحاجيات التي لم تلبَ للصحة الإنجابية في البلاد، بتأثير النقص في التزويد بالأدوية في بعض الفترات على وسائل منع الحمل التي لم تعد متوفرة بالقدر الكافي في هياكل الصحة العمومية والصيدليات، فضلا عن زيادة ثمن بعضها، وتراجع حملات التحسيس الميدانية في الأرياف بأهمية تنظيم الولادات وتباعدها.
ووضعت تونس أول برنامج للتنظيم العائلي عام 1966، في إطار سياسات تحديد النسل وتنظيمه والقضاء على الفقر ومحو الأمية، وتحقيق نمو اقتصاد البلاد والتوازن على مستوى النموّ الديمغرافي بين الجهات، كما أقرت عام 1973 أول قانون للإجهاض.