قررت الحكومة الإسرائيلية التوسع في سياسة توزيع القسائم الغذائية على الفئات الفقيرة في سياق تحقيق "الأمن الغذائي" تحت ضغط من حركة "شاس" الحريدية، التي تُعَدّ أحد أكبر شركاء حزب الليكود في الحكومة.
ولا تختلف المؤسسات التي تعنى بمراقبة الأوضاع الاجتماعية على الحاجة إلى توزيع قسائم غذائية، وحسب جمعية "أن تعطي"، فإن 28 في المائة من الإسرائيليين يحتاجون إلى هذه المساعدات لضمان الحد الأدنى من الأمن الغذائي.
وتضمّن الاتفاق الائتلافي بين حزب الليكود وحركة "شاس" الذي تشكلت على أساسه حكومة بنيامين نتنياهو، بنداً ينص على تخصيص مليار شيكل لتوزيعها سنوياً كقسائم غذائية، علماً أن الحكومات السابقة كانت تخصص 400 مليون شيكل فقط لتمويلها. ومن أجل التحكم بمعايير توزيع القسائم الغذائية، أصر الحاخام درعي على أن تضطلع وزارة الداخلية التي تسيطر عليها حركته، بتحديد المعايير، وليس وزارة الرفاه الاجتماعي التي يفترض أن تشرف على العملية بحكم اختصاصها.
يحتاج 28 في المائة من الإسرائيليين إلى مساعدات لضمان الأمن الغذائي
وفي عام 2020، شرعت الحكومة في توزيع القسائم الغذائية في أوج جائحة كورونا، حين كان زعيم حركة شاس، الحاخام آريي درعي، يشغل منصب وزير الداخلية، في محاولة لمساعدة العوائل الفقيرة التي تضررت مادياً بفعل توقف الأعمال.
وأثارت سياسة توزيع القسائم الغذائية جدلاً واسعاً، إذ اتهمت حركة "شاس" باعتماد معايير توزيع تخدم جمهورها في تمييز ضد الفقراء من فئات اجتماعية أخرى، خصوصاً فلسطينيي الداخل.
وكشف تحقيق لموقع "شومريم" الذي يعنى بالقضايا الاجتماعية، أن الفقراء في المدن والبلدات الحريدية يحصلون على أضعاف ما يحصل عليه فقراء المدن والبلدات العلمانية والعربية، وأن قيمة القسيمة الغذائية التي يحصل عليها شخص في مدينة "موديعين عيليت" الحريدية التي تقع شرق مدينة "اللد" تبلغ 530 شيكل، فيما يحصل شخص من فلسطينيي الداخل الذين يقطنون القرى البدوية في صحراء النقب على 14 شيكل فقط (نحو 4 دولارات أميركية)، وأن التمييز لا ينحصر في القيمة، بل يتعداها إلى الأعداد، إذ تبلغ نسبة مستحقي القسائم في مدن الحريديم 45 في المائة من إجمالي السكان، بينما لا تتعدى 25 في المائة في بلدات الداخل الفلسطيني.
وتدل المعطيات على أن ثماني بلدات من بين البلدات العشر الأكثر فقراً في إسرائيل، بلدات فلسطينية بدوية تقع في صحراء النقب، وعلى الرغم من أن عدد سكان مدينة "رهط" البدوية يساوي تقريباً عدد المستوطنين في مدينة "موديعين عليليت" الحريدية، فإن 2456 عائلة من رهط حصلت على قسائم غذائية بواقع 129 شيكل لكل شخص، فيما حصلت 8780 عائلة في "موديعين عيليت" على قسائم غذائية بواقع 530 شيكل لكل شخص.
ولفت موقع "شومريم" إلى أن وزارة الداخلية حرصت على عدم إشراك "المجلس الوطني للأمن الغذائي" في التوزيع، لأن حركة "شاس" كانت تنوي توزيع القسائم استناداً إلى معايير تخدم مصالح جمهورها، أو كـ"رشوة انتخابية" من أجل توسيع دائرة مؤيديها، مشيراً إلى أن الحركة وضعت في ميادين المدن الحريدية ملصقات دعائية تظهر صور زعيمها مع إشارة إلى دوره في توزيع القسائم الغذائية.
وتقدمت مؤسسات حقوقية بدعاوى ضد سياسة توزيع القسائم الغذائية إلى المحكمة العليا، من بينها حركة "جودة الحكم"، وجاء في الدعوى التي رفعتها، أن "اعتماد المعايير التي توزع على أساسها القسائم الغذائية يثير مخاوف من أنها تمنح أفضلية للجمهور المقرب من وزير الداخلية"، في إشارة إلى الجمهور المؤيد لحركة شاس.
وربطت الباحثة الفلسطينية سماح الخطيب أيوب بين تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وانتشار العنف المجتمعي في أوساط فلسطينيي الداخل وبين سياسة توزيع القسائم الغذائية، وفي تحليل نشرته صحيفة "غلوبس" الاقتصادية، توقعت أيوب أن يتزايد سوء الأوضاع الاجتماعية في بلدات فلسطينيي الداخل بفعل السياسات الاجتماعية التي تمليها حركة "شاس"، داعية إلى تمكين وزارة الرفاه الاجتماعي من الإشراف على توزيع القسائم.
بدورها، رفضت رئيسة حزب العمل الإسرائيلي السابقة، شيلي يحموفيتش، سياسات توزيع القسائم الغذائية، معتبرة أنها تسمح لحركة شاس بـ "الاتجار بالفقر"، وقالت في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرنوت"، إن "اعتماد توزيع القسائم الغذائية كسياسة اجتماعية يمثل فشلاً مدوياً للحكومة، ويعبّر عن تضامن زائف مع الفقراء. الحكومة تستعيض عن العمل على تقليص الفجوات بين الأغنياء والفقراء بتوزيع قسائم غذائية، بدلاً من العمل على زيادة أجور العمال الفقراء، وتعزيز الخدمات الاجتماعية، خصوصاً التعليم والصحة".