في أواخر شهر رمضان الماضي، كان توفيق أيمن أبو العوف (18 عاماً) يقضي معظم وقته في الدراسة استعداداً لامتحانات الثانوية العامة، ساعياً للحصول على معدّل مرتفع من أجل دراسة الطب خارج قطاع غزة. هذا ما كان يقوله لصديقه المقرب سمير مشتهى (18 عاماً). لكن يوم الأحد في 16 مايو/ أيار الجاري، انتهى هذا الحلم وفارق توفيق الحياة خلال المجزرة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في شارع الوحدة.
دمّر الاحتلال الإسرائيلي ثلاثة مبان في شارع الوحدة فوق رؤوس أهلها. كان توفيق يعيش في مبنى أبو العوف مع عائلته التي كانت تأمل أن يكمل ابنها مشوار والده أيمن، وهو طبيب. لكن الاحتلال الإسرائيلي قتله وجديه ووالديه وشقيقته تالا، لينجو شقيقه عمر (17 عاماً) فقط، إلا أن إصابته خطيرة.
كان توفيق يدرس في مدرسة حسن الحرازين الثانوية في حي الرمال، وكان خبر استشهاده قاسياً جداً على سمير وكذلك على صديقيهما فؤاد سكيك ونبيل الطويل. كان الأربعة يقضون أوقاتهم معاً في الدراسة والتنزه على الشاطئ. يوم استشهاد توفيق لم يصدق سمير الخبر الذي سمعه عن استهداف المبنى، فتوجه مسرعاً إلى المكان، وكانت الصدمة. يقول لـ "العربي الجديد": "لم أكن أصدق أن المدنيين يُستهدفون، وكنت أقول إنه ربما كان أحد المطلوبين للاحتلال قريباً من المباني التي استهدفت وقتل أبرياء فيها. لكن عندما رأيت المبنى الذي يقطنه توفيق، لم أفهم سبب استهدافه. كنا نحلم وندرس معاً. قبل استشهاده بيوم، هاتفني وأخبرني أنه سيتابع الدراسة حتى لو شن الاحتلال هجوماً برياً. كان يعتقد أن الحرب ستنتهي قريباً، وأراد أن يكون مستعداً ليوم الامتحان". ترك توفيق لدى سمير قبضتي التحكّم الخاصتين بلعبة "البلاي ستايشن" اللتين كان ينوي إرجاعهما له. أما اليوم، فتحولتا إلى ذكرى من صديقه الأقرب إلى قلبه، وقد قرر عدم استخدامهما بعد اليوم. لا يريد لأي يد أخرى أن تلمسهما بعد توفيق.
20 تلميذاً شهيداً
أدان وكيل وزارة التربية والتعليم العالي في غزة، زياد ثابت، العدوان المتواصل على قطاع غزة، لافتاً إلى استهداف طلاب الجامعات وأعضاء الهيئتين الإدارية والتعليمية. نعت الوزارة الشهداء التلاميذ، وقال ثابت إنه "منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع، استشهد 20 تلميذاً، والعدد قد يزداد بسبب استمرار القصف العنيف". ومن بين الشهداء الطالبة شيماء أبو العوف من جامعة الأزهر (وهي ابنة عم الشهيد توفيق) والطالبة وردة محمد آمن، والطالب طارق زياد أبو حميدان، وكلاهما من جامعة الإسراء، والطالب محمد الطواشي من جامعة فلسطين، والطالبة هديل محمد آمن من جامعة الأقصى. يقول ثابت لـ "العربي الجديد": "قضى الاحتلال على التلاميذ والمباني الدراسية. قتلهم وهم في فترة التحضير للامتحانات، من دون الاكتراث لحقوق هؤلاء الذين يجب أن يعيشوا في بيئة آمنة. كذلك، تضرر 33 مبنى مدرسة ومركزاً تعليمياً"، لافتاً إلى أن الأضرار جزئية ومتوسطة.
لا ضحكات لهذا العيد
تسبب خبر استشهاد حلا الريفي (14 عاماً) التلميذة في الصف الثامن الإعدادي يوم السبت في 15 مايو/ أيار بصدمة لصديقتها آية أبو عمرة (14 عاماً)، خصوصاً أنها أجرت معها مكالمة فيديو لمدة ساعة قبل استشهادها بيوم واحد فقط. كانتا مقربتين وتدرسان في مدرسة السيدة رقية في منطقة تل الهوا في غزة. والدة آية أجهشت بالبكاء أيضاً، هي التي اعتادت على وجودها برفقة ابنتها طوال الوقت. كانت حلا تنوي الخروج مع صديقتها آية خلال أيام عيد الفطر واتفقتا على تناول البيتزا والشاورما. خلال محادثة الفيديو الأخيرة ضحكتا كثيراً لأنهما كانتا تنتظران العيد بفارغ الصبر، وتذكرتا الحرب التي شنتها إسرائيل عام 2014 في نهاية يوليو/ تموز، حين كانتا بعد طفلتين ولم تتمكنا من الاحتفال بعيد الفطر.
أخلت أسرة آية المنزل بعد قصف مبنى قريب من منزلها في تل الهوا، وتوجهت إلى منزل عمّها في حي النصر وسط مدينة غزة. تقول لـ لعربي الجديد": "قليلاً ما كنا ندرس حين نجتمع. ونلجأ إلى خاصية الفيديو للدراسة. كنّا نريد الاحتفال بالعيد لأننا قضينا قبل فترة وقتاً طويلاً في التحضير للاختبارات النهائية. لا أريد إجراء الاختبارات النهائية من دونها".
محمد غادر الصف والملعب
ودّع أحمد أبو وردة (16 عاماً) صديقه المقرّب محمد سليمان (16 عاماً). كانا يدرسان معاً في مدرسة أسامة بن زيد الثانوية للبنين في بلدة جباليا في منطقة الزنة. كان يجمعهما حبّ كرة القدم. محمد كان يفوق أحمد مهارة، ويلعب في نادي نماء الرياضي مهاجماً، وهو أحد الأندية المنافسة على صدارة دوري الدرجة الأولى. استشهد محمد برفقة والده صابر في بلدة جباليا البلد، شمالي قطاع غزة، أثناء وجودهما في منزلهما في 11 مايو/ أيار الجاري. الخبر كان صادماً بالنسبة لأحمد، الذي أصر على السير في جنازة صديقه وتوديعه على الرغم من رفض أسرته ذلك خوفاً عليه. قفز عن الحائط حتى تمكن من الالتحاق بالجنازة، وبكى كثيراً عند قبره. وصار يستيقظ من النوم مذعوراً، ويسأل عن محمد. يقول لـ "العربي الجديد": "كان محمد يدرس بجهد استعداداً للاختبارات النهائية، حتى نتفرغ لكرة القدم. كان يلعب في فريق الشباب وكان ماهراً. أردت أن أتدرب أكثر لأبرع في في مركزي كمدافع، وأبدى استعداده للوقوف بجانبي وتشجيعي لتطوير مهارتي. لا أعلم كيف سأذهب إلى المدرسة أو النادي من دونه".
إسرائيل قتلت صديقتي
كان استشهاد لينا شرير (16 عاماً) في 11 مايو/ أيار الجاري ووالديها إياد وليالي مفجعاً بالنسبة لصديقتها مي برهان (16 عاماً). كانتا تدرسان معاً في مدرسة الماجدة وسيلة بن عمار الثانوية للبنات، وتجمعهما الكثير من الذكريات الجميلة. وفي اليوم الذي استشهدت فيه، كانتا قد اتفقتا على الخروج معاً لشراء الإكسسوارات من أجل زينة العيد. لكنهما لم تخرجا لأن القصف الإسرائيلي أدى إلى إغلاق الأسواق وقضى على فرحة العيد. تقول مي لـ "العربي الجديد": "حتى اللحظة، لا أصدق أنها استشهدت. إسرائيل تقتلنا وتدمر حياتنا. عندما نتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، نجد تعليقات تمجّد إسرائيل كدولة ديمقراطية، لكن هذه الدولة الديمقراطية قتلت صديقتي من دون أي ذنب".