تقرير حقوقي يرصد التدمير النفسي الممنهج داخل السجون المصرية

25 فبراير 2023
المحبوسون محاصرون بإجراءات غير دستورية وظروف نفسية صعبة (Getty)
+ الخط -

أصدرت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، اليوم السبت، تقريراً بعنوان "الحصار"، رصدت فيه العوامل النفسية للمعتقلين السياسيين والسجناء الجنائيين على حد سواء، بعدما بات المحبوسون محاصرين بإجراءات غير دستورية أو قانونية أو إنسانية، كان من أبرزها منع الزيارات لسنوات طويلة انقطعت خلالها أخبارهم كلياً عن ذويهم وعن العالم الخارجي.

وفي السياق، أوضحت نهى قاسم، طبيبة الصحة النفسية، ومؤسسة ورئيسة مجلس إدارة جمعية سكينة للصحة النفسية والدعم النفسي، للشبكة المصرية، أنّ أسباب المرض النفسي تتعاظم داخل السجون، إذ يتعرض الإنسان لتقييد حريته وتغييبه عن مجتمعه وعلاقاته الطبيعية. وزاد عليه الأمر بتعرضه للإهانة الجسدية أو اللفظية، وبحرمانه أسباب الحياة الآدمية، وتزداد عوامل الخطورة للإصابة بالاضطرابات النفسية المختلفة مثل الاكتئاب واضطرابات القلق بأنواعها، وتنعدم أسباب العلاج والتعافي منها.

وقالت قاسم إنه لا بد من تغيير الوضع داخل السجون بتوفير عوامل الوقاية النفسية، وأسباب الحياة الآدمية داخلها، مثل التعرض للشمس، والتهوية بأماكن مفتوحة بانتظام، وفرصة لممارسة الرياضة، وتناول الطعام والشرب بانتظام، وفرصة للارتقاء بالعقل من طريق توفير الكتب والتعليم، وأيضاً لممارسة الهوايات المختلفة واستخدام الوقت بشكل يناسب السجين، والحفاظ على زيارات مع العائلة وأفراد المجتمع بشكل جيد وبانتظام، والاطلاع على حالة المجتمع وتوفير فرص لمتابعة الحياة الخارجية مثل التلفزيون والجرائد. وفي النهاية، حضور أطباء نفسيين بانتظام للتشخيص المبكر والعلاج داخل السجون قبل تفاقم الحالات والوصول إلى مضاعفات خطيرة مثل الانتحار. 

وتطرق التقرير إلى العزلة الشعورية والبعد عن الأهل وانعكاساتها السلبية الخطيرة على المعتقلين، موضحاً أن الإنسان كائن اجتماعي يحتاج إلى التواصل مع الآخرين ليحقق بعضاً من احتياجاته النفسية وما ينتج من العزل عن الأهل من آثار نفسية كثيرة وغير قابلة للحصر، حيث تنعدم الكثير من الشروط الشعورية والحسية التي تسمح للإنسان بالسكينة والاستقرار النفسي والارتباط بالواقع والتمييز بين الواقع والخيال، وقد ينتج منها اضطرابات مختلفة مثل الاكتئاب والقلق، وأحياناً يصل الأمر إلى الإصابة بالفصام أو اضطراب ثنائي القطبين. 

وأكدت نهى قاسم وجود علاقة قوية بين الصحة النفسية والصحة العامة للإنسان، فعندما تنخفض الصحة النفسية، وتعتل الحالة المزاجية للإنسان، يحدث تغير في المواد الناقلة العصبية، وبالتالي تتغير نسب الهرمونات في الدم، ما ينتج منه تغير في تمدد الأوعية الدموية وانقباضها في الأجهزة المختلفة في الجسم، وقد يسبب اضرابات في ضغط الدم ونسبة السكر في الدم والجلطات.

وأيضاً يحدث تغيير في هرمون الكورتيزون الذي يرتبط أساساً بمناعة الجسم، ويسبب أمراض الجهاز المناعي والأورام الخبيثة، ويؤدي إلى اضطرابات شديدة في الجهاز الهضمي، بمعنى أن تدهور الحالة النفسية يسبب تفاقم الأمراض المزمنة، مثل السكر وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، بالإضافة إلى الأمراض المعدية والأورام السرطانية وتزايد نسبة الإصابة باضطرابات الجهاز الهضمي والجلطات، وبالتالي الوفاة. 

وأوضحت المتحدثة أثر الإخفاء القسري على المعتقل وعائلته، في ظل انقطاع جميع سبل التواصل مع العالم الخارجي لفترات متفاوتة قد تمتد لأشهر أو سنوات، قائلة إن ذلك ما يمكن أن نسميه "الفقد المعقد بسبب عدم وضوح مصير المختفي".

وأضافت قاسم: "هذه الحالة من الحيرة وعدم وضوح المصير تجعل التعافي مستحيلاً، ويظل الأهل في ألم متجدد مستمر مع التأجيل المستمر لتفاصيل الحياة، انتظاراً للاطمئنان إلى مصير المختفي، وبالتالي تتوقف حياتهم تقريباً ويزيد تركيزهم على الألم، فينتج منه تفاقم آثار الضغوط عليهم، مثل الأمراض البدنية والنفسية المختلفة".

وأشارت الطبيبة النفسية، وفقاً للتقرير، إلى تفاوت قدرة التحمل من سجين إلى آخر، بحسب عوامل عديدة، منها (العمر وعدد الضغوط السابقة التي تعرض لها وكيف تعافى منها، والاستعداد الجيني للأمراض النفسية، ووجود علاقات اجتماعية داعمة في حياته، ووجود أهداف محددة وروتين وإنجازات صغيرة، ووجود معنى وهدف سامٍ يسعى له، والتفكير الإيجابي)، لافتة إلى حاجة السجين إلى زيادة صلابته النفسية بالمتاح، مثل الحرص على معنى كبير وهدف سامٍ لحياته. 

وبالنسبة إلى معتقلي الرأي، قالت إن العامل الرئيس في الحفاظ على صلابتهم النفسية وصحتهم، يتجلى في استخدام التفكير الإيجابي واستبدال الأفكار السلبية ببدائل أكثر إيجابية (النظر للنصف الممتلئ من الكوب)، والحفاظ على روتين جيد ليومه، مثل ممارسة الرياضة والقراءة واستثمار وقته في ما يفيده، وتطوير نفسه والحفاظ على التواصل مع الآخرين والانخراط في أنشطة اجتماعية، والحرص على متابعة تطورات المجتمع وأخباره بحيث لا يحدث انفصال بينه وبين الواقع. 

ونشرت الشبكة التقرير، بالتزامن مع ورود أنباء من داخل سجن بدر 3 المخصص لنقل السجناء السياسيين من سجن العقرب سابقاً، عن احتجاجات عدة أدت إلى انتحار عدد من السجناء.

وسرّب سجناء أقسام 1 و2 و3 و4 في سجن بدر 3، رسالة من الداخل تفيد بشنق السجين حسام أبو شروق نفسه، ولم يستطع من معه في الغرفة إنقاذه، نظراً للضعف الشديد نتيجة الإضراب، وانتحار محمد ترك أبو يارا بعد زلزال تركيا، حيث طلب من إدارة السجن الاطمئنان على أهله المقيمين هناك، إلا أنها رفضت ذلك، فعمد إلى قطع شرايين يده، ولا يعلم أي تفاصيل أخرى عنه. كذلك تعرض سجين يدعى طه لأزمة قلبية حادة، وفشلت كل محاولات إسعافه بعد انقطاع تام في التنفس وزرقة شديدة في الوجه، ولا يعلم عنه أي شيء، وقطع عوض نعمان شرايين يده، ونُقل إلى مستشفى بدر من قبل مصلحة السجون. فضلاً عن دخول المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، محمد بديع، في إضراب كلي نتيجة للمعاملة السيئة من قبل إدارة السجن معه وعدم الاستجابة لطلب نقله إلى المستشفى، بالإضافة إلى عدم السماح له بحضور الجلسات أمام النيابة.

المساهمون