رغم تزايد الوعي بمخاطر التدخين، وتقدير وزارة الصحة الأردنية حصول 9500 وفاة في البلاد بسببه سنوياً، يتناقض ما يحدث مع هذا المنطق، فالقبول الاجتماعي للتدخين يتزايد، ولم يعد الشباب والنساء يدخنون في الخفاء كما كان يحدث قبل سنوات، كما أصبحت السيجارة الإلكترونية نوعاً من الحداثة أو الموضة، وجلسات النرجيلة عادات اجتماعية تجذب شرائح جديدة من غير المدخنين.
وتكشف نتائج مسح وطني أجرته وزارة الصحة الأردنية في عام 2019، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، لعوامل الخطورة المرتبطة بالأمراض غير السارية، أن نسبة المدخنين بين السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و69 سنة تبلغ 41 في المائة، ويشكّل مدخنو السجائر الإلكترونية والشيشة الإلكترونية نسبة 9.2 في المائة منهم.
وكان انتشار التبغ أعلى في شكل ملحوظ بين الرجال مقارنة بالنساء، وبلغت نسبته 65.3 في المائة مــن مدخني التبغ التقليدي (السجائر المصنعّة وتلك الملفوفة يدوياً والشيشة والغليون والسيجار والتبغ غير المدخن)، و15 في المائة من مستخدمي المنتجات الحديثة مثل سجائر إلكترونية وأجهـزة "فيب". أما نسبة تدخين التبغ التقليدي لدى النساء فبلغت 16.4 في المائة، وباقي منتجات التدخين الحديثة 4.2 في المائة. وكان التدخين أعلى بكثير بين الفئة العمرية الأصغر سناً لدى الجنسين.
تقول غادة أحمد لـ"العربي الجديد": "لا أرى عيباً في تدخين النرجيلة، وأفعل ذلك غالباً مع صديقاتي خلال تبادلنا الزيارات، وأحياناً في المقاهي. وجلسات تدخين النرجيلة تترافق مع أحاديث ممتعة، ولا مبرر للسماح بتدخين الرجال، ومنعه عن النساء. وأنا أستخدم سجائر إلكترونية مرات قليلة".
بدوره يقول محمد العبادي لـ"العربي الجديد": "تزداد ظاهرة التدخين اليوم بسبب انتشار السجائر الإلكترونية في شكل كبير في المجتمع حتى بين الطلاب، فيما يعتبر تدخين النرجيلة طقساً يومياً لشباب وبنات ورجال ونساء كثيرين".
يضيف: "في السابق كان الشباب يخجلون من التدخين أمام أشخاص أكبر سناً، أما اليوم فيختلف الأمر، وهم لا يفكرون حتى بعواقب وأضرار التدخين على الصحة".
وتذكر أمينة سر جمعية "لا للتدخين"، لاريسا الور، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "أهم أسباب زيادة عدد المدخنين هو الترويج القوي الذي تنفذه الشركات المصنّعة والموزعة. وفي السابق كان يروّج لنوع معين من التبغ عبر الحديث عن أنه أقل ضرراً من أنواع أخرى، أما الآن فتروّج السجائر الإلكترونية والنرجيلة على أنها أقل ضرراً من السجائر العادية، في وقت أصبحت غالبية شركات السجائر التقليدية تنتج سجائر إلكترونية، وتصنّع بعضها التبغ المستخدم في النرجيلة".
تضيف: "لا إحصاءات جديدة عن حجم زيادة وانتشار التدخين في الأردن، في حين تعود آخرها إلى عام 2019 حين كان إدخال السجائر الإلكترونية ممنوعاً قانونياً، لكن يمكن تقدير أن نسبة تدخين النرجيلة لدى النساء هي ضعف الرجال، علماً أن نسبة الرجال الذين يدخنون النرجيلة هو 28 في المائة من إجمالي عدد المدخنين في الأردن، بينما تدخن النرجيلة نصف النساء المدخنات".
وتوضح أن النكهات الجذابة والمتنوعة للسجائر الإلكترونية الجديدة وشكلها الأنيق، وصغر حجم بعض الأنواع، وسهولة إخفائها وعدم وجود رائحة كريهة، تزيد إقبال اليافعين عليها. وتحذر من أن "النكهات الموجودة في السجائر الإلكترونية والعديد من أنواع معسل النرجيلة لا تخفف أضرار التدخين، بخلاف ما يعتقده كثير من الناس الذين ينسون أيضاً مخاطر النيكوتين والغلسرين، وآثار احتراق التبغ، وكذلك مخاطر الجلوس في مقاهٍ تشتعل فيه عشرات رؤوس النرجيلة، ما يتسبب في استنشاق كميات كبيرة من السموم".
وفي شأن انتشار إعلانات تتعلق بتدخين النرجيلة في الأردن، تقول لاريسا إن "هذه الإعلانات غير شرعية، وتخالف قوانين الأردن التي تمنع الإعلان والترويج للتبغ". وتشير إلى أن "شركات التبغ والمتاجر تروّج كثيراً للسجائر الإلكترونية التي لا يمكن القول إنها أقل ضرراً، إذ تزداد في بريطانيا مثلاً أعداد اليافعين الذين أدخلوا مستشفيات بسبب السجائر الإلكترونية التي تقدّر إحصاءات بأن خمس اليافعين في هذا البلد يدخنونها. وقد يكون الواقع في الأردن أسوأ، فبحسب دراسة أجريت عام 2014 كانت نسبة المدخنين اليافعين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و15 سنة حوالي 25 في المائة، ويتوقع أن تكون الزيادة كبيرة مع انتشار السجائر الإلكترونية والنرجيلة".
وترى أن "المطلوب من الحكومة ليس فقط الحدّ من التدخين، بل تطبيق قوانين لمكافحة الظاهرة بينها لمنع ترويج التبغ، ورفع سن الأشخاص الذين يسمح بشرائهم التبغ وتدخينه من 18 إلى 21 عاماً، ومنع كل النكهات في السجائر العادية والنرجيلة والسجائر الإلكترونية. وتحذر من أن انتشار التدخين يهدد المجتمع ومستقبل الأوطان خاصة الجيل الجديد الذي بدأ التدخين مبكراً، وهو سيقود كثيرين إلى المستشفيات.
بدوره يقول أستاذ علم الاجتماع حسين الخزاعي لـ"العربي الجديد" إن "الأسرة لها دور كبير في انتشار التدخين، فعندما يكون الوالدان من المدخنين أو أحدهما يصعب أن يتدخلا لمنع أبنائهما وبناتهما من التدخين، وهما عموماً باتا لا يملكان في هذا العصر قدرة كبيرة على السيطرة على اختيار أبنائهما لأصدقائهم". يضيف: "يجعل فرط الحرية الممنوحة للأبناء الأهالي لا يتدخلون في حياة أبنائهم لدرجة أن البعض رفع يده عن توعية وإرشاد الأبناء حول التدخين ومخاطره".
ويشير الخزاعي إلى أن بعض الأهالي يفضلون تدخين أبنائهم اليافعين سجائر إلكترونية ونرجيلة داخل البيت للبقاء تحت عيونهم لتجنيبهم أجواءً وبيئات أكثر خطورة خارج البيت، ما يجعل التدخين أمراً اعتيادياً بين أفراد الأسرة، ويشجع الجميع على ممارسة هذه العادة الضارّة.
وبحسب الخزاعي، أصبح "هناك قبول أسري واجتماعي لممارسة التدخين. وهذه السلوكيات تتفشى وتزيد يوماً بعد يوم في المجتمع الأردني. وعندما يمارس أصدقاء الأبناء التدخين تصبح مهمة الأهل والأسرة أكثر صعوبة في تجنيب أبنائهم هذه العادة".
ويلفت إلى أن "ظهور الأضرار بعد سنوات من بدء الشخص التدخين يجعل الشبان يتغاضون عن الآثار السلبية للتدخين".
ويرى أنه "بدلاَ من الرفض الاجتماعي للتدخين هناك قبول للنرجيلة والسجائر الإلكترونية. وأصبح كثير من الشبان والفتيات يعتبرون التدخين أحد مظاهر الحداثة والتقدم، ومؤشراً إلى الكبر واستقلال الشخصية، لذا تزداد نسبتهم، علماً أن المغريات كثيرة للإقبال على التدخين رغم مخاطره، فجلسات كثيرة باتت لا تعقد إلا بوجود نرجيلة، سواء في بيوت أو مقاهٍ ومطاعم، وتغلّف بهالة المتعة.
وتفرض المادة 63 من قانون الصحة العامة الذي يحمل الرقم 11 والصادر عام 2017 عقوبة السجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن 3 أشهر، أو دفع غرامة مالية لا تقل عن مائة دينار (141 دولاراً) ولا تزيد عن مائتي دينار (282 دولاراً) لكل من يدخن منتجات تبغ في أماكن عامة يحظر التدخين فيها. كما يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن ستة أشهر أو دفع غرامة لا تقل عن ألف دينار (1410 دولارات) ولا تزيد عن ثلاثة آلاف دينار (4231 دولاراً) أي مسؤول عن مكان عام يسمح بتدخين شخص منتج تبغ في مكان يحظر التدخين فيه، أو يمتنع عن إعلان منع التدخين في المكان، ويبيع سجائر لمن هم دون سن الـ18، وآخرين.
وتنص المادة 54 من قانون الصحة العامة رقم 47 الصادر عام 2008 وتعديلاتها اللاحقة على أنه "لا يجوز لأي شخص أو جهة عامة أو خاصة، بما في ذلك وسائل الإعلام طبع أو عرض أو نشر أي إعلان لأغراض الدعاية لأي من منتجات تبغ، أو توزيع أي نشرة، أو أدوات أو مواد للتعريف به أو الإعلان عن منتجاته".
وتعاقب المادة 63 بالسجن مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن ستة أشهر، أو دفع غرامة لا تقل عن ألف دينار ولا تزيد على ثلاثة آلاف دينار لكل من يطبع أو يعرض أو ينشر أي إعلان لأغراض الدعاية لمنتجات التبغ، أو توزيع أي نشرة، أو أدوات أو مواد للتعريف بها أو بأنها معروضة للبيع.