يعاني أطفال سورية من أنماط مختلفة من الانتهاكات، وتتكرر جرائم العنف التي تودي بحياة العشرات منهم على امتداد جغرافيا البلاد بقطع النظر عن الجهة المسيطرة على الأرض.
تقيم المرشدة النفسية رهام فرحات في مدينة السويداء، وتقول لـ"العربي الجديد"، إن "التعامل العنيف مع الأطفال تفاقم خلال السنوات الأخيرة نتيجة تفاقم النزاعات القائمة في أنحاء سورية، وانهيار الواقع الاقتصادي والمعيشي الذي دفع أعداداً كبيرة من الأطفال إلى سوق العمالة، إضافة إلى انتشار ظاهرة تسول الأطفال، والأسوأ هو مساهمة أعداد كبيرة من الأهالي في استمرار هذه الأوضاع نتيجة الفقر والحاجة المتفشيين، وهذا بمجمله يمهد لعلاقات غير صحية يشوبها التعنيف من الأهل ومن رب العمل".
تضيف فرحات: "لا يقتصر تعنيف الأطفال على المنزل والعمل، بل يتجاوزهما إلى تمييز في قطاع التعليم يساهم في تسرب الأطفال إلى خارج المدارس، كما الوضع السياسي والأمني والخدمي السيئ أنتج حالة من التفكك الأسري، وزاد من مشاعر التوتر والعصبية في التعامل مع الأطفال، وكل هذه الظواهر قد تؤدي إلى أزمات إنسانية تؤثر في مستقبل شريحة كبيرة من الأطفال".
وتبين الحقوقية حنان رشكو، من مدينة القامشلي، لـ"العربي الجديد"، أن "السبب الرئيسي لارتفاع معدلات العنف المجتمعي هو الحرب، فمشاهد الحرب اليومية، بما فيها الحرب النفسية وغياب الأمن والاستقرار، تعرض الأهل للضغوط النفسية، ويضاف إلى ذلك الكثير من المؤثرات الخارجية في نطاق العمل. يمكن الحد من هذه التداعيات عبر نشر الوعي حول طرق التعامل مع الظروف التي يعيشها المواطنون من حرب وفقر وضغوط، وبعض المنظمات الأهلية تقوم بتنظيم جلسات حوارية جماعية وفردية لتوضيح أساليب حماية الأطفال من العنف".
وتوضح رشكو أن "حكومة النظام السوري وقعت على اتفاقية حقوق الطفل الدولية منذ عام 1993، وتعتبر هذه الاتفاقية الشاملة لحقوق الطفل، وتحدد كل الإجراءات والوسائل والضمانات لتوفيرها، وهي بمثابة دستور على الدول الموقعة تغيير قوانينها المتعلقة بالأطفال للتوافق معه، في حين تنظم حقوق الطفل في سورية مجموعة من التشريعات، لكننا نجد في بعض فروع القانون السوري مواد تتعارض مع اتفاقية حقوق الطفل، إضافة إلى ما يجري من انتهاكات للقوانين، وعدم تطبيقها في كثير من الأحيان".
تضيف: "على الصعيد الاجتماعي، لا يخفى أثر التقاليد المتخلفة على أساليب تربية الأهل لأطفالهم، حيث التمييز على أساس الجنس، ومنع الأطفال من التعبير عن رأيهم بحرية وغير ذلك. حقوق الطفل غائبة في الواقع السوري الراهن، وهناك حالات اعتقال لأطفال، وجرائم تنتهك حقوقهم الأساسية، في حين تنص المادة 37 من اتفاقية حقوق الطفل، على أن تكفل الدول ألا يتعرض أي طفل للتعذيب، أو لأي من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وألا يحرم أي طفل من حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية".
وتشدد رشكو على أن "الجرائم المرتكبة بحق الأطفال السوريين، ومن بينها قتلهم تحت التعذيب، تعتبر من بين الجرائم ضد الإنسانية، والتي أدان النظام نفسه بها مرات عدة، وقدمت أدلتها إلى المجتمع الدولي، لكنه ما زال يصم آذانه ويدير ظهره عما يجري في سورية".
وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان في تقرير صدر في 25 ديسمبر/كانون الأول، أن 300 طفل قتلوا في سورية منذ مطلع عام 2023، بعضهم بالرصاص العشوائي، وآخرون في ظروف مجهولة، مؤكداً أن 34 من الأطفال قضوا في جرائم قتل، و50 آخرين برصاص قوات النظام السوري أو قصفه، كما وثق المرصد في التقرير، 66 حالة تخلٍّ عن أطفال حديثي ولادة في مختلف المناطق السورية، وذلك بتركهم في الحاويات أو الحقائب والأكياس، أو أمام المساجد وعلى قارعة الطريق.
وتحققت منظمة الأمم المتحدة في تقرير صدر في 3 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، من 5219 انتهاكاً بحق الأطفال في سورية، من بينها 2990 عملية تجنيد، و1891 عملية قتل وتشويه، إضافة إلى 3 عمليات انتهاك جنسي، و222 حالة اختطاف، وأكد التقرير تعرض 63 مدرسة ومشفى لهجمات، وتضرر الأطفال من منع وصول المساعدات الإنسانية في 50 حالة.