تؤكد السلطات في ليبيا أنها تتعاون مع نشطاء في محاربة ظاهرة التعدي على الغطاء النباتي والغابات، لكن الواقع يفيد بأن هذه الظاهرة تتنامى على أيدي مستفيدين يسعون إلى تحويل الغطاء النباتي والغابات الى أراضٍ سكنية، أو جني مكاسب مادية من قطع الأشجار تمهيداً إلى استخدامها فحماً. ومؤخراً، أعلنت مصلحة أملاك الدولة الحكومية أنها أوقفت أشخاصاً نفذوا اعتداءات على غابات متنزه النقازة بمدينة الخمس شرق العاصمة طرابلس، وضبطت آلات استخدموها في عمليات جرف التربة. وأوضحت المصلحة أنها نفذت العملية بالتنسيق مع عناصر من إدارة تنفيذ القانون وجهاز الشرطة الزراعية، وكلاهما تابع لوزارة الداخلية، استناداً إلى أوامر من النيابة العامة التي طالبت بوقف التعديات الحاصلة على الغابات، وإزالة المباني المخالفة وهدمها.
ومنذ مطلع عام 2021، تسلم مكتب النيابة العامة قضايا تتعلق باعتداء مواطنين على الغابات والمتنزهات مستغلين غياب سلطة الدولة في خضم الصراعات التي عاشتها البلاد سنوات. لكن الناشط في مجال البيئة محيي الدين سلطان يوضح في حديثه لـ"العربي الجديد" أن الحجم الكبير للملفات يمنع السلطات فعلياً من تنفيذ خطوات أكبر للحدّ من استمرار الظاهرة".
ويكشف أن مواطنين وجهات أهلية ناشطة في مجال حماية البيئة قدموا محاضر شكاوى كثيرة إلى الجهات القضائية وسلطات تطبيق القانون للمطالبة بالحدّ من الظاهرة المستشرية التي يقف خلفها معتدون يحاولون الإفادة من المساحات الكبيرة للغابات من أجل تحويلها إلى مجمعات سكنية وبيعها بعد جرف الأشجار والأغطية النباتية فيها، وكذلك بيع الأشجار إلى تجار يحولونها إلى فحم.
عموماً، يغلب الطابع الصحراوي على أراضي ليبيا، لكن مساحات واسعة منها تغطيها غابات، خصوصاً في أجزائها الشمالية الغربية وفي الشرق، وأشهرها غابات الخمس ومسلاته، إضافة إلى غابات الجبل الأخضر التي تمتد آلاف الكيلومترات.
وتعتبر عمليات التعدي على غابات شرق ليبيا أكبر منها في الغرب. ويؤكد الضابط في جهاز الشرطة الزراعية صالح المغربي في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "غابات الجبل الأخضر (شرق) فقدت منذ عام 2011 نحو 9 آلاف هكتار لأسباب مختلفة بينها الحرائق والتعدي المتعمد عليها للإفادة منها".
ويتحدث المغربي عن أن كُثراً استغلوا الفوضى الأمنية التي عاشتها البلاد طوال السنوات الماضية، وفي مقدمهم أشخاص يسكنون في مناطق مجاورة للغابات، والذين يتمددون داخلها ويقطعون أشجارها، علماً أن بعضهم شيّدوا مبانٍ على مساحة مئات الكيلومترات، وكذلك مشاريع لتربية الدواجن والنحل، ومزارع.
ويتابع المغربي وصفه لشرائح المتعدين قائلاً: "ينشط أيضاً تجار الفحم الذين يقيم بعضهم مصانع موسمية داخل الغابات، وكذلك تجار الأخشاب الذين دمروا مئات من الكيلومترات بواسطة عمال وآلات لقطع الأشجار". ويخبر أن مجموعات مسلحة أقامت مقار لها ضمن أجزاء من الغابات، واتخذتها أحياناً أماكن للتدرب على الرماية واستخدام السلاح، ما دمّر مساحات واسعة من الغطاء النباتي.
وعن الدور الذي تلعبه السلطات في مكافحة الظاهرة، يقول المغربي: "لا يستطيع أفراد الشرطة الزراعية أن يفعلوا شيئاً في ظل نقص إمكاناتهم في مواجهة المسلحين الذين قد يرتبطون بفصائل أو بتجار جشعين يشاركونهم الأرباح غير الشرعية الناتجة من التعدي على الغابات". ويطالب بسرعة تعويض النقص الحاد في المساحات الخضراء عبر إطلاق المتطوعين والنشطاء تحديداً حملات تشجير، إذ لا جدوى من انتظار خطوات السلطات.
ومؤخراً، ناقشت الأكاديمية الليبية للدراسات العليا في ندوة عقدتها على هامش احتفالها باليوم العالمي للمياه، تداعيات نقص المياه في البلاد. ويقول عادل المحجوب الذي شارك في الندوة لـ"العربي الجديد": "شهدت الندوة تقديم ورقة بحث عن انخفاض مساحات الغطاء النباتي في البلاد بسبب زحف النشاط البشري عليها، وتحدثت عن التأثيرات السلبية لهذا الانخفاض على صعيد القضاء على أنواع نادرة من الأشجار التي كانت هذه الغابات تحميها من الانقراض، وتهديد الحياة البرية التي تشمل حيوانات نادرة، وتقليل مرور الطيور المهاجرة التي لم تعد تجد مأواها السنوي في هذه المناطق".
يتابع: "بين تداعيات التعدي على الغابات تغيير المناخ الذي بدأت البلاد تعاني منه فعلياً بدليل حدوث فيضانات سنوية في الشرق، وغابات الجبل الأخضر بتأثير عدم قدرة الأشجار على صد الأمطار الغزيرة، ما يجعل مياه هذه الأمطار تنحدر إلى المدن والمناطق المجاورة. وبالنسبة إلى ارتفاع درجات الحرارة في البلاد فيرتبط بعدم توفير النباتات والأحراش والغابات العوامل الطبيعية لامتصاص الحرارة وتلطيف الأجواء".