أعلنت النقابة العامة لأطباء مصر، اليوم الأربعاء، أنّ محكمة النقض المصرية عدّلت الحكم الصادر في حقّ استشاري التخدير بستاني نعمان، في القضية المتّهم فيها بـ"الإهمال الطبي" المتسبّب في وفاة مريضة. وقد عمدت إلى تخفيف حكم محكمة جنح مستأنف القصير بمحافظة البحر الأحمر القاضي بحبسه لمدّة عامَين مع الشغل إلى الحبس لمدّة ستّة أشهر مع الشغل.
وكان قد حُكم على الطبيب بستاني نعمان، في مارس/ آذار 2022، بحكم واجب النفاذ بالحبس لمدّة عامَين في قضية خطأ طبي، وتوّلت النقابة العامة للأطباء الدفاع عنه متيّقنة من براءته وقصور تقرير الطبيب الشرعي الذي استندت إليه المحكمة في حكمها. يُذكر أنّ المستشار القانوني لنقابة الأطباء محمود عباس سبق أن طلب إحالة القضية إلى لجنة ثلاثية من الاستشاريين، الأمر الذي لم تستجب له محكمة مستأنف القصير.
وقبل توجّهه إلى المحكمة في مارس الماضي، ترك الطبيب بستاني نعمان رسالة قال فيها: "مع أيماني بأنّ كلّ ابن آدم خطّاء، لكن يحزّ في نفسي أن تكون مكافأة نهاية عمري هي الحكم بالسجن بغير ذنب. منذ تخرّجي في 1982، ولمدّة أربعين سنة لم أتغيّب مرّة عن عملي، وما تلكأت أو أجلت حالة. اخترت أن أكون صادقاً مع نفسي لأنّي أعرف أنّه ما جعل الله لرجل من قلبَين في جوفه، وما دامت وظيفتي في بطاقتي الشخصية هي طبيب تخدير في مستشفى كذا، فليكن عملي الأساسي هو في المستشفى العام وليس في العيادات الخاصة. وفي آخر خمسة عشر عاماً، فرّغت نفسي للعمل في المناطق النائية، سواء بالندب أو القوافل أو التعاقد، متحمّلاً آلام الاغتراب ومشقّات السفر وصعوبة الإقامة وسوء وجبات متعهّد التغذية، كما نمت على سرير من غير مخدّة أو ملاءة في حرّ الواحات كأنّه الجحيم بدون حتى مروحة. وفي كلّ مستشفى، أنا دائماً تحت الطلب.. لا أغادر المستشفى أبداً لأنّني مثل عسكري المطافي أنتظر الحريق في أيّ لحظة، ودقائق قليلة قد تكون الحدّ الفاصل بين الحياة والموت لأيّ مصاب يأتي فجأة".
وفي الرسالة نفسها، أعرب نعمان عن أسفه لعدم إقرار مشروع قانون المسؤولية الطبية، وأوضح: "لم أرفض تخدير حالة مهما كانت، كما خدّرت حالات عمرها 95 سنة، وحالات بلا نبض ولا ضغط ولا نَفَس، حتى حالات العملية القيصرية المصابة بكورونا كنت أخدّرها، وأعانني الله فيها. وعندما حدث خطأ ليس منّي.. لأنّنا فريق لكلّ واحد دوره الذي يعرفه وتدّرب عليه.. وجدتني وحدي في الظلام. والقانون جامد بلا أيّ مرونة، يحاسبني كأنّني موظف جالس على مكتب من الساعة كذا حتى الساعة كذا. يحاكمني القانون لأنّني تركت المريضة في العمليات وخرجت أتعقّم قبل العملية! يتّهمني القانون بالإهمال وعدم الاحتراز والرعونة".
ومنذ سنوات تطالب النقابة العامة لأطباء مصر بإقرار مشروع قانون المسؤولية الطبية، بأسرع وقت، إذ إنّه يمثّل ضرورة ملحّة لانتظام تقديم الخدمة الصحية وضبط آليات التعامل بين مقدّم الخدمة ومتلقّيها في حالة حدوث ضرر طبي، وتغليظ عقوبة الاعتداء على الأطقم والمنشآت الطبية.
وتصرّ النقابة على نسختها من مشروع قانون المسؤولية الطبية الذي سبق أن تقدّمت به، والذي يحدّد العقوبات الخاصة بالاعتداء على الأطقم الطبية بدلاً من تلك المنصوص عليها في قانون العقوبات المصري، علماً أنّ لا عقوبات رادعة للاعتداء على الأطباء في القانون المصري.
وشملت أبرز ملاحظات نقابة الأطباء على مشروع القانون المقدّم من الحكومة، "التأكيد على عدم جواز عقوبة الحبس في الخطأ الطبي إلا لمزاول المهن الطبية بدون ترخيص أو خارج التخصص بصفة متعمّدة في غير حالات الطوارئ. وضرورة النصّ على تشكيل لجان نوعية طبية تفحص قضايا الخطأ الطبي وتضع تقريرها".
كذلك طالبت النقابة بضرورة النصّ على اختصاص لجنة المسوؤلية الطبية دون غيرها بتلقّي شكاوى الخطأ الطبي والإحالة إليها من سلطات التحقيق المختلفة، إلى جانب ضرورة توضيح تغطية صندوق التعويض عن مخاطر المسؤولية الطبية للتعويضات المادية التي تصدر بها أحكام نهائية لمصلحة المتضرّر وكذلك تعويض مقدّم الخدمة عن أيّ أضرار مادية تلحق به في أثناء التحقيقات.
تجدر الإشارة إلى أنّ ظروف عمل الأطباء في مصر ورواتبهم المتدنية وافتقارهم إلى مظلة تشريعية لحمايتهم، دفعت نحو 1500 طبيب إلى الاستقالة في عام 2022 المنصرم، بمعدّل استقالة 12 طبيباً يومياً.
وكان عضو مجلس النقابة العامة لأطباء مصر ومقرّر اللجنة القانونية فيها أحمد علي قد أعلن حصر عدد الأطباء والطبيبات الذين تقدّموا إلى النقابة في عام 2022 بمستندات إنهاء خدمتهم من قطاع الصحة الحكومي في مصر واستخراج شهادة "طبيب حرّ" التي تعني عدم عمل الطبيب في أيّ جهة حكومية، بإجمالي 4261 طبيباً وطبيبة بمعدّل يومي يساوي 12 طبيباً وطبيبة. وإذا استبعدنا أيام العطل، يصير المعدّل اليومي 13.5 طبيباً وطبيبة.
أضاف علي أنّ هذا العدد من المتقدّمين بمستندات استقالتهم من العمل الحكومي هو الأكبر في الأعوام السبعة الماضية. ففي عام 2016، كان عدد الأطباء المستقيلين من العمل الحكومي 1044 طبيباً، وفي 2017 كان عددهم 2549 طبيباً، وفي 2018 كان 2612 طبيباً، وفي 2019 كان 3507 أطباء، وفي 2020 كان 2968 طبيباً، وفي 2021 كان 4127 طبيباً.