لا يمكن تقديم عرض مفصل لكل واحدة من التجارب المعتمدة في التعليم عن بُعد، وسط أزمة كورونا، والتي أشرنا إلى اعتمادها سابقاً، بالنظر إلى تنوعها من جهة وإلى عدم توفّر معلومات عن عمليات تقييم أكاديمية دقيقة ورصينة عن مردود كلّ واحدة منها، خصوصاً أنّ التقييم العلمي يتطلب دراسات وأبحاثاً حقلية تطاول أوضاعاً متداخلة، منها السياسي وكذلك النفسي والاجتماعي، بالإضافة إلى المناهج والأساتذة والطلاب، من دون أن ننسى الأهل ومستواهم العلمي بعدما باتوا، كما هو واضح، شركاء في المسؤولية، وعدد أفراد الأسرة وما يستطيع المنزل تأمينه من مساحات ومناخات وغيرها.
نبدأ من الكويت كنموذج، والتي يمكن وصفها بأنّها دولة مستقرة على الصعيدَين السياسي الأمني والاجتماعي. كذلك فإنّ الفرد فيها يتمتع بمدخول من الأعلى في العالم، بما في ذلك بين الدول الأكثر رفاهية. هذا الاستقرار والبحبوحة يتيحان توسّعاً في استخدام الوسائل الحديثة، بخلاف المجتمعات التي يتعذّر فيها الوصول إلى خدمات الإنترنت والكهرباء وأجهزة الكمبيوتر والأجهزة اللوحية وغيرها من المتطلبات.
نجد في الكويت 632 ألفاً و988 تلميذاً إلى جانب 116 ألفاً و336 طالباً جامعياً. وبعدما قررت الدولة إقفال مدارسها، أعلنت على حسابها على موقع "تويتر"، أنّ فريق التعليم الإلكتروني المتخصص بدأ بتصميم وتطوير مواد ومصادر التعليم عن بُعد على بوابة الكويت التعليمية، بالإضافة إلى إتاحة مجموعة من مشاريع الوزارة السابقة، ومنها القناة التربوية وتطبيق "سراج" التعليمي والكتب التفاعلية.
وبحسب دراسة منشورة أعدّها مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث حول "تحديات تطبيق التعليم عن بُعد في العالم العربي: الكويت نموذجاً"، فإنّ خيار الاستعجال في تطبيق نظام التعليم عن بُعد في الكويت يحلّ مشكلة استمرارية تلقّي الطلاب الدروس في ظل عدم استقرار الوضع الوبائي، إلا أنّ حصيلته قد تكون سلبية في العام الأول بعد اعتماده على مستوى نتائج الطلاب وجودة المحتوى، وذلك بالنظر إلى تجارب دولية سابقة. ويواجه الخيار الاضطراري هذا للتعليم عن بُعد تحديات متعددة، أبرزها محدودية تكيّف المدرّسين أو الطلاب في قطاع التعليم العام أكثر من القطاع الخاص مع متطلبات وأساليب هذا النوع من التدريس، فضلاً عن احتمال نقص تفاعل متوقع للطلاب مع خصوصيات التعليم عبر الإنترنت والذي قد ينعكس على مؤشرات الالتزام والتركيز والفهم.
وتجزم الدراسة المذكورة آنفاً بأنّه "على الرغم من احتمال إقبال الطلاب على مثل هذا النوع من التعليم الذي لا يشترط التنقل إلى المدرسة أو الجامعة، فإنّ اعتماده سوف يفرض تحديات مراقبة جودة هذا النوع الجديد من التدريس في ظل تصاعد أزمة جودة النظام التعليمي برمّته في الكويت وتأخّر جهود الإصلاح. إذاً ندخل هنا في صميم مشكلات حداثية هذا النوع من التعليم بالعلاقة مع ما كان عليه التعليم قبلاً من جودة". لذلك تتوقع الدراسة اصطدام هذا التوجّه بـ"عدم الاستعداد المؤسسي والمجتمعي لمنح الثقة في مثل هذا النوع من التعليم الذي واجهته موجة تشكيك واسعة في الكويت بعد حملة مكافحة تزوير شهادات أغلبها من جامعات افتراضية".
وتتوقع الدراسة نفسها أن تقود تطبيقات التعليم عن بُعد إلى اضطرار المدارس والجامعات إلى الاستغناء عن ألوف المدرّسين في المدى القريب. وتعرض الدراسة لمشكلات عديدة رافقت التطبيق على صعيد كفاءات الهيئة التعليمية، ما يتطلّب إقامة دورات تأهيلية لها. كذلك تتناول الضغوط التي يتعرض لها الطلاب وذووهم، وكلها تقلّص فرص الإفادة.
*باحث وأكاديمي