تتوزع الطيور على أربع فئات رئيسية: الطيور المقيمة على امتداد العام وتعشش في المكان، والطيور المصيفة المفرخة التي تهاجر إلى مكان لتعشش فيه، والطيور العابرة التي تمر بالمكان الواقع بين أماكن تفريخها وأماكن إشتائها، وهي مهاجرة في الخريف أو الربيع أو الاثنين معاً، وأخيراً الطيور المشتية التي تمضي الشتاء في المكان.
وتنتمي بعض الأنواع إلى جميع هذه الفئات مثل الصلنج الذي يقيم في لبنان، وتأتي أعداداً منه في الشتاء قادمة من أوروبا إلى لبنان كي تشتي فيه، بينما تتابع أعداداً أخرى منه طريقها كي تشتي جنوب لبنان، وتعتبر مهاجرة عابرة في لبنان. ولدى عودتها من البلدان الواقعة جنوب لبنان لتفرخ شمالاً، فإن بعضها يحل ضيفاً على لبنان ليفرخ صيفاً ويعود بعدها جنوباً ليشتي.
كلّ هذه الفئات لا تسلم من تأثير تغير المناخ؛ فمع ارتفاع درجات الحرارة، تشعر الطيور بضرورة الهجرة شمالاً للتفريخ وكأن موسم الربيع قد بدأ. وهناك أنواع فرخت في المناطق الشمالية تشعر بحرارة الأجواء في الخريف فتؤجل هجرتها جنوباً طالما لم يأت البرد بعد لينذرها بأن عليها الهرب من الجوع جنوباً. ولا بد من الإشارة إلى أن ارتفاع حرارة الجو الذي يسببه تغير المناخ قد بدأ منذ نحو عقدين أو ثلاثة بدفع الطيور للعيش في المناطق الشمالية الأكثر برودة.
هذه الاستراتيجية قد تكون موفقة بالنسبة لبعض أنواع الطيور وقد تكون كارثية للبعض الآخر، وخصوصاً إذا صادف تحركها شمالاً عدم وجود موائل مناسبة لها للتفريخ مثل البحيرات بالنسبة للطيور المائية، أو عدم وجود الطعام المناسب، أو مواد التعشيش وأخيراً عدم وجود التوازن بين أنواع الطيور المهاجرة - المتحركة وتلك صاحبة الأرض. ويمكن أن يغير الاحتباس الحراري مجتمعات بيئية بأكملها. قد لا يكون الغذاء ومواد التعشيش التي تعتمد عليها الطيور موجودة وقت يؤذن المناخ بموعد الهجرة. وربما تواجه الطيور فريسة وطفيليات ومنافسين وحيوانات مفترسة جديدة لم تتكيف معها في الأماكن الجديدة التي تتحرك إليها.
تجدر الإشارة إلى أن ارتفاع درجات الحرارة يوصل البعوض في بعض المناطق إلى ذروة غير مسبوقة، الأمر الذي يزيد من التأثير على بيض الطيور ويتسبب بزيادة فقدانه ومعدل نفوق الطيور. وإيضاحاً لصورة ما يحدث عندما تتبع الطيور استراتيجية التحرك شمالاً، فإن هذه الطيور بعدما كانت تعيش مثلاً في غابات صنوبر وتتغذى على ديدان الصندل التي تقضي على الصنوبر، أو كانت تعيش في غابات الأرز وتتغذى على حشرة السفلسيا التي تفتك بأشجار الأرز، فإنها ستترك الغابات إلى مصيرها الذي تحدده الحشرات، الأمر الذي يؤدي إلى يباس الأشجار ويبيدها بل ويمحو الغابات.
وسيتبع ذلك أن موت الغابات سيوقف عملية إنتاج الأوكسيجين الذي تتنفسه الكائنات الحية والإنسان وسيوقف إمتصاص الغابات للكربون الذي يؤدي إلى تغير المناخ. والجميع يعلم أن الكربون عنصر هام في إنتاج ثمار النباتات إذا ثبتته هذه النباتات. لذلك، فإن فقدان النباتات كارثة على الإنسان والطيور وباقي الكائنات الحية وعلى صحتهم جميعاً والاقتصاد بصورة خاصة.
وأخيراً، لا بد لنا من الإشارة إلى أن الطيور الأكثر تعرضاً لخطر الانقراض بسبب تغير المناخ هي الطيور ذات النطاق المحدود، أو ضعيفة القدرة على توسيع مدى انتشارها أو إطالة مسافة هجرتها، كالنعار السوري المهدد بخطر الانقراض والمحصور توزيعه في الشرق الأوسط والمعرض بشكل خاص لتأثيرات تغير المناخ، لأنه لا يعتمد على موائل ومواقع متعددة. وتعتبر طيور القطب الشمالي معرضة للخطر بشكل خاص، حيث يحدث الاحترار بسرعة هناك، ويتكاثر ما لا يقل عن 85 نوعًا من أنواع الطيور في العالم في مناطق القطب الشمالي العالمية. ستضيع مساحات شاسعة من الموائل بسبب تغير المناخ، بما في ذلك التندرا والجليد البحري. وقد يكون لتراجع الجليد عواقب وخيمة على النورس العاجي الذي يتغذى على طول الجليد البحري. وانخفض عدد النورس العاجي الكندي بنسبة 90 في المائة خلال العقدين الماضيين.
وأصبح تغير المناخ اليوم يؤثر على سلوك أنواع الطيور ونطاقاتها التي تتوزع عادة عليها ويؤثر على ديناميات مجموعاتها وأوقات هجرتها. بعض أنواع الطيور المهاجرة اليوم تعاني من آثار سلبية من جراء تغير المناخ، ويتوقع أن هذا التغير في المستقبل سيعرض أعدادًا كبيرة من الطيور لخطر الانقراض.
(متخصص في علم الطيور)