تعود قضية كلفة رعاية الأطفال في بريطانيا إلى الواجهة مع اقتراح الحكومة تقليل عدد المربين الحاليين في دور رعاية الأطفال الذين لم يتجاوزوا الثانية من العمر، بهدف تقليص التكاليف. في المقابل، يرفض الآباء هذا التعديل الذي يرجح أنّه يضع أطفالهم في خطر أكبر، ويرون أنّ هناك وسائل أخرى يمكن استخدامها لتخفيف التكلفة.
ويأتي ذلك بعد وفاة طفل في حضانة خلال العام الماضي، وقد تقدّم أهله بطلب التماس يدعو إلى رفض تقليل أعداد العاملين في هذه الأماكن. وتقدّم كل من زوي ولويس ستيبر بطلب التماس على موقع البرلمان، بعد أيام من وفاة ابنهما أوليفر (تسعة أشهر) في سبتمبر/ أيلول 2021، ويُعتقد أنه تعرض للاختناق في الحضانة. وكانت النتيجة إغلاق الحضانة بشكل دائم. ووقّع على العريضة ما يزيد على 100.000 شخص في سبتمبر/ أيلول الماضي، ما يعني بموجب القواعد البرلمانية أنّه سيتم النظر فيها ومناقشتها في البرلمان البريطاني.
وتسعى آلاف العائلات في بريطانيا إلى تنظيم مسيرة تحمل اسم "المومياوات" في 29 الشهر الجاري احتجاجاً على تكلفة رعاية الأطفال وذلك في 11 مدينة هي لندن وبرمنغهام ومانشستر وبريستول وليدز وكارديف وغلاسكو ونيوكاسل ونورويتش وبلفاست وإكستر. إلّا أن شرطة العاصمة لندن لم تعطها الضوء الأخضر بحجّة أنّها ستعرّض المتظاهرين للخطر، كما أنّ الشرطة لن تستطيع إصدار أمر مرور مؤقت أو إغلاق الطرقات.
إلا أنّ منظمة "Pregnant Then Screwed" الخيرية توضح أن هذه المسيرة سلمية، لافتة إلى أن هذا الحظر هو الأحدث في سلسلة احتجاجات حقوق المرأة التي منعتها شرطة العاصمة، بعد صدور حكم المحكمة العليا مؤخراً الذي قضى بأن هذه الشرطة قد انتهكت حقوق منظمي الوقفة الاحتجاجية تضامناً مع سارة إيفرارد، الفتاة التي اغتصبت وقتلت على يد أحد عناصر الشرطة في العام الماضي، واتهامات بكراهية النساء بشكل منهجي بين عناصر الشرطة، الأمر الذي أدّى إلى مواجهة الشرطة إجراءات قانونية من قبل النشطاء، ودفعها إلى التراجع عن قرارها في الرابع من أكتوبر/ تشرين الأول لتؤكّد دعمها لهذه المسيرة.
في هذا السياق، تقول الرئيسة التنفيذية ومؤسسة المنظمة جويلي برييرلي إنّ "الاجتماع مع الشرطة والهيئات الأخرى المشاركة في المسيرة كان بنّاء للغاية"، مضيفة: "يسعدنا أن نحصل على دعم شرطة العاصمة ومجلس وستمنستر لضمان أن تكون مسيرتنا آمنة وناجحة، ويمكننا الآن المضي قدماً في التخطيط لتنظيم أكبر احتجاج للأمهات شهده العالم على الإطلاق".
وتهدف مسيرة المومياوات إلى الضغط على الحكومة لمساعدة العائلات التي لديها أطفال صغار من خلال توفير الرعاية للأطفال بكلفة ميسورة وإجازة أبوية مدفوعة الأجر وعمل أكثر مرونة.
وفي محاولة أخرى لتخفيف كلفة رعاية الأطفال على الأهل، تدفع الحكومة مبلغاً يصل إلى ثلاثة آلاف جنيه إسترليني (نحو 3400 دولار) للأجداد الذين يتكفلون بالاهتمام بأحفادهم، وتحثهم على التحقّق مما إذا كانوا مؤهلين للحصول على هذه المدفوعات. ففي الكثير من الأحيان، يساعد العديد من الأقارب الأكبر سناً في رعاية أطفال الأسرة، مع استمرار ارتفاع الكلفة المعيشية ورعاية الأطفال. لكن معظم الناس لا يدركون أنه يمكن تعويضهم مادياً عن هذا الجهد من قبل الحكومة.
ويمكن للأجداد أن يكونوا مؤهلين للحصول على ائتمانات إضافية بقيمة 275 جنيهاً استرلينياً (نحو 311 دولاراً) سنوياً من الحكومة. وتُعرف هذه الاعتمادات باسم "ائتمانات رعاية الأطفال الخاصة بالبالغين" والتي يتم احتسابها كائتمان تأمين وطني كي يكون الشخص مؤهلاً، ويجب أن يكون عمر مقدم الرعاية أقل من سن التقاعد الحكومي أي لم يتجاوز الـ 66 عاماً. ويجب أن يكون عمر الطفل أقل من 12 عاماً أو 17 عاماً في حال كان من الأشخاص ذوي الإعاقة.
ويحثّ وزير المعاشات والمسنين السابق ستيف ويب أي شخص يعتقد أنه قد يكون مؤهلاً على تقديم طلب، لافتاً إلى أنّه يتوجب عليهم أيضاً التفكير في ما إذا كان من الممكن أن يكونوا مؤهلين في أي وقت منذ عام 2011، ولا يوجد حالياً موعد نهائي للطلبات القديمة. فإذا كان شخص ما يقدم رعاية للأطفال كل عام منذ 2011 ـ 2012، وقدم الآن طلباً لجميع السنوات من 2011 ـ 2012 حتى 2021 ـ 2022، ما يعني 11 عاماً من الاعتمادات ويمكن أن يحصل على ما يزيد على 3000 جنيه إسترليني سنوياً.
أزمة قطاع رعاية الأطفال
وتعد كلفة رعاية الأطفال في المملكة المتحدة ثاني أعلى تكلفة في العالم المتقدم، وتضاعفت الرسوم تقريباً على العائلات التي لديها طفل دون العامين منذ عام 2010، وفقاً لبحث أجراه مؤتمر النقابات العمالية. وفي الآونة الأخيرة، دعا معهد أبحاث السياسة العامة إلى تقديم رعاية شاملة للأطفال اعتباراً من نهاية إجازة الوالدين لتعزيز النمو الاقتصادي ومساعدة الآباء على تحمل التكاليف الباهظة.
إلى ذلك، تُظهر أرقام "أوفستيد" (مكتب المعايير في التعليم خدمات الأطفال ومهاراتهم) أن عدد مقدمي رعاية الأطفال في بريطانيا انخفض بمقدار 4000 ما بين مارس/ أذار 2021 ومارس/ آذار 2022. علاوة على ذلك، يعاني قطاع رعاية الأطفال في المملكة المتحدة حالياً من أسوأ أزمة كلفة. وبحسب تقرير جديد، تجد أكثر من 80 في المائة من دور الحضانة صعوبة في توظيف عاملين، وهو ما أُجبر نصفهم تقريباً على التوقف عن استقبال أطفال جدد بسبب نقص الموظفين، وقال ثلث طاقم الحضانة إنهم يفكرون في مغادرة القطاع تماماً.