في الثالث من يونيو/ حزيران الجاري، اكتظت شواطئ بحر غزة بالرواد والبائعين المتجولين والعربات. أسرع بعضهم إلى الشواطئ مع انتهاء امتحانات المدارس، ولم يأبهوا بزحمة الطريق لقضاء وقت في مكان مفتوح بالهواء الطلق، وهو الأهم بالنسبة إليهم.
لا يبالي الغزيون بشيء أمام شاطئ البحر، حتى بتلوّث مياهه. بعضهم لا يسبحون، ويحاولون منع الأطفال من فعل ذلك أيضاً لأنهم يعرفون خطورة التلوّث. وهم يريدون فقط أن يستمتعوا بالهواء الطلق، كما يقول محمد صيام من حي الزيتون، والذي كان أطفاله الثلاثة أصيبوا العام الماضي بطفيليات في المعدة نتيجة تناولهم فواكه كانت لامست رمال البحر الملوّث.
يعتبر صيام، وهو أب لسبعة أولاد يعمل في بيع قطع السيارات المستعملة، شاطئ البحر متنفساً مهماً وضرورياً لا بدّ منه للغزيين جميعهم، سواء إذا كان ملوثاً أو مكتظاً بالناس. ويؤكد في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه "حتى لو زاد التلوّث فنحن مضطرون للتوجه إلى البحر. نعاني من اكتظاظ سكاني في كل المناطق، ومن الزحمة والأمراض والهموم المتفاقمة. طلبت مني زوجتي عدم التوجه إلى شاطئ البحر بعدما مرض أولادنا العام الماضي، لكن السؤال أين أذهب، فأنا لا أملك المال للذهاب لشاليه تضم حوض سباحة خاصا، أو مكان آخر، وديوني كثيرة".
ولا يخفى أن عدداً كبيراً ممن قصدوا شاطئ غزة شعروا بضيق من الازدحام، وكذلك من عدم اتباع عدد كبير من الأشخاص إرشادات التحذير التي توجهها رايات سوداء تضعها البلديات، وتنبه من مخاطر السباحة في أماكن محددة، علماً أن رايات أخرى حمراء تسمح بالسباحة في الأماكن التي تنصب فيها، لكن مع توخي الحذر.
غير آمن صحياً
تذكر سلطة المياه وجودة البيئة في قطاع غزة في تقرير أصدرته هذا العام عن واقع المياه في القطاع، أنّ البلديات تضطر إلى ضخ مياه الصرف الصحي من دون إخضاعه لأي معالجة إلى البحر. وتحدد كميات مياه الصرف الصحي التي جرى تصريفها إلى البحر بنحو 115,000 متر مكعب يومياً على الأقل. لكن هذه الأرقام والتي تترافق مع تحذيرات من مخاطر التلوّث لا تمنع سهيل العمري البالغ 35 من العمر وأطفاله من الاقتراب من مياه شاطئ البحر وتجاهل التعليمات الخاصة بالتلوّث. ويحصل في كثير من الأوقات أن يفقد السيطرة على أطفاله الذين يجدهم مع أقرانهم قرب الشاطئ، علماً أنه كان يدأب في السنوات الماضية على التوجه مع عائلته لاستئجار شاليه من أجل الاستجمام في حوض سباحة نظيف، لكنه لا يعمل حالياً، ولا يملك إلا خيار قصد البحر.
يقول العمري لـ"العربي الجديد": "نتلقى تحذيرات من أن المياه التي تصل إلى منازلنا ملوّثة، وكذلك من أن المياه التي نشتريها من محطات التوزيع ليست صحية، وأن التربة ملوّثة أيضاً. ماذا نفعل كي نعيش حياة عادية في غزة؟ نعتقد بأن البحر يوفر الهواء النقي إلى حدّ ما، لكن الازدحام يزداد، ونقضي وقتاً غير قصير في البحث عن موقع مناسب للجلوس ويسمح بترك الاطفال يمرحون. في الحقيقة، نموت كل يوم من الظروف التي نعيشها، نريد نفس هواء البحر فقط".
لا اقتراب من الشاطئ
من جهته، يحضر نهاد سرعان البالغ 29 من العمر مع مجموعة من أصدقائه يومياً الى شاطئ البحر قرب دوار الـ17 في منطقة الشيخ عجلين. ويعتبر في حديثه لـ"العربي الجديد" أن الليل أصبح بمثابة نهار، باعتبار أنه يمضيه على غرار باقي أصدقائه في النوم، رغم أنه متخرج في اختصاص الهندسة المعمارية، لكنه لا يجد أي فرصة عمل منذ عامين، بعدما سبق أن عمل عاماً واحداً فقط.
وجميع أصدقاء سرعان من خريجي جامعة الأزهر في غزة، وعاطلون عن العمل حالياً، ويمضون وقتهم في لعب الكرة الطائرة والورق "الكوتشينة"، ويحضرون المشروبات بنفسهم. وفي مرات كثيرة توسعت جلساتهم لتضم عدداً كبيراً من الشبان الذين يريدون تناسي همومهم على الشاطئ، لكن الشرطة طلبت منهم المغادرة بحجة أنهم يزعجون الناس.
ويقول: "لا نقترب من شاطئ البحر لأنه مليء بالأمراض، ونحاول الابتعاد عن الازدحام. نسكن في بيوت صغيرة وضيقة بمخيم الشاطئ، والبحر بالنسبة لنا وسيلة هروب يومية، ونشعر أنه مثل شخص يحاكينا ويعرف همومنا ويمنحنا الهواء لأننا مجموعة شبان خريجين ومثقفين يعيشون بلا أمل في غزة".