بحارة تونس يُنقذون مئات المهاجرين السريين سنوياً

26 اغسطس 2023
خلال عملية إنقاذ على شواطئ تونس (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -

لدى عناصر الحرس البحري في تونس الكثير ليرووه عن مآسي المهاجرين التي يشهدونها في إطار عملهم اليومي في مراقبة الحدود البحرية للبلاد. لكن الأمر نفسه ينسحب على الصيادين
يقول البحار عبد الحميد لـ "العربي الجديد": "أعمل بحاراً منذ أكثر من 15 عاماً في سواحل صفاقس (جنوب)، وخلال تلك الفترة، أنقذت عشرات المهاجرين السريين بعد تعرض مراكبهم للغرق، وانتشلتُ وآخرين عشرات الجثث التي كنا نجدها في عرض البحر. ألِفنا نحن البحارة هذه المشاهد خلال السنوات الأخيرة. ومع كل حادث، نُعلِم السلطات والحرس البحري بهدف البحث عن بقية المفقودين وانتشال الجثث. 
يضيف أن "العديد من البحارة يساعدون بعض المهاجرين السريين ممن يضيعون في عرض البحر، وخصوصا ليلاً. بعضهم يمتثل لتعليماتنا ويعود أدراجه إلى اليابسة، فيما يصرّ آخرون على المجازفة ومواصلة الطريق على أمل الوصول إلى إيطاليا. ونحرص على أن نُبلغ عن أي مركب يقل مهاجرين سريين حتى تتمكن عناصر الحرس البحري من مساعدتهم". 
ويقول البحار نعمان بن محمد إنهم "كثيراً ما يجدون بقايا جثث تلفظها الأمواج من عرض البحر إلى المياه الإقليمية التونسية، وقد تآكلت ولم يبق منها سوى أشلاء. وبالتالي يصعب معرفة هوية أو حتى جنس المهاجر". يضيف: "يجد البحارة في العديد من المناسبات قوارب لمهاجرين سريين على بعد أميال من الشاطئ، غالبيتهم من جنسيات أفريقيا جنوب الصحراء. وننقذ غالبية من يواجهون خطر الغرق من جراء تحطم القوارب". 
وخلال السنوات الأخيرة، ارتفعت وتيرة الهجرة السرية، وسجلت شواطئ تونس حوادث غرق متكرّرة، وكثيراً ما يُعلَن انتشال جثث ضحايا رحلات الهجرة السرية الذين غرقوا قبالة السواحل التونسية، مع استمرار وتيرة ومحاولات الهجرة نحو إيطاليا خصوصاً. 
وبحسب إحصائيات رسمية عن وزارة الداخلية، دفن منذ بداية العام الحالي حوالى 700 جثة لمهاجرين سريين من غير التونسيين، في مقابر تابعة لبلدية محافظة صفاقس، فيما انتشل 901 جثة لمهاجرين غارقين قبالة سواحلها بينهم تونسيون، علماً أن غالبيتهم من أفريقيا جنوب الصحراء. 
ويكشف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن عدد الذين تم منع اجتيازهم انطلاقاً من السواحل التونسية منذ يناير/ كانون الثاني وحتى أغسطس/ آب الحالي، بلغ حوالى 35,143 مهاجراً من جنسيات تونسية وغير تونسية، من بينهم 1526 قاصراً. وأكد أن الأرقام الواردة تبقى تقريبية وتحتاج إلى تحديث متواصل بحسب الأرقام الصادرة عن الهياكل الرسمية والمدنية التي قد تصدر في تقارير لاحقة، لكنها تقدم قراءة للتطور والتغيير في ديناميكيات الهجرة السرية. 

أُنقذوا من الغرق في عرض البحر (ياسين قايدي/ الأناضول)
مهاجرون بعد إنقاذهم من الغرق (ياسين قايدي/الأناضول)

وهناك أعداد لمهاجرين وصلوا إلى أوروبا عبر مختلف المسالك من دون أن تمر عبر السلطات المحلية أو المؤسسات الأممية، وبالتالي تبقى غير مشمولة بالإحصائيات. كذلك إن بعض عمليات الانطلاق من السواحل التونسية تنجح في الإفلات من الرقابة الأمنية، فيما تحتجز أخرى من دون إعلان الأمر. ويبقى هناك رحلات مأساوية تبدأ وتنتهي في عرض البحر من دون أن يعلم عنها أحد. 
وعلى الرغم من تلك الأحداث المأساوية، إلا أن عمليات الهجرة السرية إلى ارتفاع مستمر، وباتت الشواطئ التونسية مليئة بجثث مهاجرين تدفن في مقابر معدة لهم. ويعتبر الصيادون من بين أكثر الأشخاص الذين يشهدون على بعض مآسي تلك القوارب التي تضيع أو تغرق في عرض البحر. يرون جثث وأشلاء المهاجرين أو بعض ممن يتشبثون ببقايا قواربهم على أمل وصول من ينقذهم. 

ويقول البحار عربي إن "العديد من تلك الرحلات تنطلق من ليبيا، لكن يجرفها التيار البحري إلى المياه الإقليمية التونسية. يسألوننا عن الطريق وعن كيفية تعديل الوجهة نحو الضفة الأوروبية. بينهم أطفال ونساء من أفريقيا جنوب الصحراء. يواصلون رحلتهم الليلية غالباً بعيداً عن بوارج الحرس البحري. ولكن في حال غياب الدوريات البحرية قرب مواقع الحدث، يصبح على عاتقنا إنقاذ تلك الأرواح، وتنتهى مهمتنا بعد إيصالهم إلى اليابسة". 
من جهته، يقول البحار محمد الصالح، إنه "صادف مرات عدة جثث مهاجرين في عرض البحر، باتت غالبيتها أشلاء أكلتها الأسماك ويصعب التعرف إلى هويتها. هذه المشاهد ترهبنا، وخصوصاً جثث النساء والأطفال. ولا نستطيع فعل أي شيء سوى إعلام وحدات الجيش أو الحرس البحري بمكان الجثث وبقايا القارب للتدخل".

المساهمون