أعاد ما خلفته الفيضانات الجارفة المستمرة إلى الباكستانيين ذكريات ما حل بهم عام 2005، نتيجة الزلزال المدمر الذي ضرب شمال غربي البلاد، وقالت الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث، أمس الأول الإثنين، إن عدد ضحايا الفيضانات بلغ 1138 قتيلاً (حتى مساء الإثنين) من بينهم 386 طفلاً و227 من النساء، وإن مئات آخرين لا يزالون في عداد المفقودين، كما جرفت أكثر من 80 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، ودمرت 3400 كيلومتر من الطرق، و157 جسراً، وبلغ عدد المنازل المدمرة مليونا و51 ألف منزل على الأقل، بينما المنازل المدمرة بشكل جزئي أكثر بكثير.
وقدر وزير المالية، مفتاح إسماعيل، أن بلاده خسرت 10 مليارات دولار في مختلف القطاعات بسبب الأمطار الغزيرة، وما خلفته من فيضانات، وأن تلك الأرقام يمكن أن ترتفع في القادم من الأيام.
وقال وزير التخطيط، إحسان إقبال، أمس الثلاثاء، إن بلاده بحاجة إلى أكثر من 10 مليارات دولار لإصلاح البنى التحتية المتضررة من جراء الفيضانات التي ألحقت أضراراً هائلة، خصوصاً بالاتصالات والطرق والزراعة وسبل العيش.
وتغمر المياه نحو ثلث أراضي باكستان بعد أسوأ أمطار موسمية تشهدها البلاد منذ ثلاثة عقود، وأكدت هيئة الكوارث الوطنية انهيار نظام الربط الكهربائي وتعطل المواصلات في معظم المناطق المتضررة، وأن عدد الأشخاص الذين باتوا بلا مأوى تجاوز 33 مليون شخص، أي أكثر من 14 في المائة من عدد سكان البلاد، موضحة أن إقليم السند كان أكثر المناطق تضرراً، حيث تضرر فيه نحو 14 مليون شخص، بينما تضرر أكثر من تسعة ملايين شخص في بلوشستان، وخمسة ملايين شخص في البنجاب، وأكثر من 4 ملايين في خيبر بختونخوا، ونحو 53 ألف شخص في الشطر الهندي من إقليم كشمير.
ويؤكد مواطنون ورموز شعبية زاروا المناطق المتضررة أن الأضرار أكبر بكثير مما تعلنه السلطات الرسمية، وأن هناك مناطق نائية لم تصل إليها فرق الإغاثة الحكومية، أو تلك التابعة للجيش حتى الآن، وبالتالي لم ترد منها أرقام حول الأضرار البشرية والمادية.
في وادي منور بمنطقة بالاكوت (شمال غرب)، لا يزال 30 ألف شخص محاصرين بالمياه بعدما دمرت الفيضانات أعداداً كبيرة من منازلهم، وقطعت الطرق المؤدية إلى المنطقة، وطلب أهالي المناطق المجاورة من الحكومة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إنقاذ هؤلاء المحاصرين.
يقول الزعيم القبلي محمد أشرف، من مدينة أيبت أباد المجاورة لبالاكوت، لـ"العربي الجديد"، إن "ما تقوله الحكومة ليس حقيقة الأضرار، والكثير من المناطق النائية لم تصل إليها فرق الإغاثة كي يتبين حجم الضرر، خاصة في المناطق الجبلية مثل وادي سوات، ومدين، وكالام، وبالاكوت وغيرها. إنها كارثة فاقت كل التوقعات، والخسائر فادحة، والحكومة لا تعلن عن عدد المفقودين، ومن الصعب أيضاً تحديد الأرقام، لكنهم بالآلاف، خاصة في المناطق الجبلية الواقعة على ضفاف الأنهار، كنهر كابول، ونهر سوات، ونهر أباسين، فالمياه دمرت كل المنازل الواقعة على ضفاف الأنهار، ولا تزال عمليات البحث مستمرة، والخسائر في الأرواح والممتلكات كبيرة جداً، وترتفع بشكل مستمر".
ويحكي الإعلامي محمد واجد لـ"العربي الجديد"، جانباً من معاناة المتضررين من جراء الفيضانات، بعدما زار مناطق في إقليم السند، ويقول: "رأيت كارثة فعلية، الناس خسروا كل ما كانوا يملكونه، المنازل والمال والحيوانات والزراعة، علاوة على مقتل العشرات في كل قرية، والجميع مشغول بالبحث عن المفقودين رغم الأضرار التي أصابتهم، والجرحى منهم بلا دواء، ولا رعاية صحية".
وتنتشر ملاجئ مؤقتة في كافة الأنحاء، في مدارس، وعلى امتداد الطرق السريعة، وفي قواعد عسكرية. ففي بلدة ناوشيرا (شمال غرب)، تم تحويل كلية للتدريب المهني إلى ملجأ لنحو 2500 من المتضررين، مع مساعدات غذائية متقطعة، وكمية محدودة من المياه.
ويعيش كثير من المتضررين في العراء بعدما دمرت منازلهم، أو أخرجوا من مناطقهم خشية تعرضهم لفيضانات أخرى، ومعظم هؤلاء قرروا البقاء على جوانب الطرق؛ لأنها تجعل من السهل إيصال المساعدات التي يتبرع بها عامة الناس والمؤسسات الخيرية لهم.
يعيش أختر علي خان، في منطقة كالام (شمال غرب)، وهي منطقة سياحية معظم منازلها تقع على ضفاف الأنهار، ودمرت الفيضانات معظم مساكنها وقتلت العشرات. يقول لـ"العربي الجديد": "خسرنا كل شيء، مات العشرات، ودمرت التجارة والزراعة، ونفقت الحيوانات، كان همنا في البداية إنقاذ أطفالنا وعائلاتنا، والآن بعدما خرجنا إلى أماكن مرتفعة، بات همنا الحصول على سبل الإيواء، والطعام والمياه، وهناك خشية من تفشي الأوبئة والأمراض لأن الرعاية الصحية شبه مفقودة".
ويضيف: "كل ما حصلنا عليه إلى الآن هو مساعدة الجيش على إخراجنا من المناطق المنكوبة، وبعض المساعدات الغذائية المحدودة، لكن المشكلة الأساسية هي الإيواء على المدى القريب، وعلى المدى البعيد نحتاج إلى الكثير من الدعم من أجل إعادة الإعمار".
من جهته، يقول الحافظ عبد الله، وهو أحد علماء الدين في منطقة لركانه (جنوب غرب) لـ"العربي الجديد": "الناس في الأصل فقراء، والحكومات المتعاقبة لم تفعل شيئاً لتطوير المنطقة، وجاءت الفيضانات لتدمر ما تبقى. كنا نملك القليل، والفيضانات أخذت كل شيء. المتضررون ينتظرون الاحتياجات الأساسية، خاصة الخيام والطعام والأدوية، وحالياً نعيش مع آخرين في منازلهم، ولا يمكنهم أن يتحملونا طويلاً".
اجتاحت مياه نهر كابول منطقة نوشهرة في شمال غربي البلاد، ودمرت معظم مساكنها، ويعيش السكان حالياً على جوانب الطرق الرئيسية، ويصلهم الغذاء من قبل مؤسسات غير حكومية، ومن سكان المنطقة. وتواصل هيئة الكوارث الوطنية أعمال الإنقاذ وإيصال المساعدات، لكن شغلها الشاغل هو إخراج المحاصرين، كما تقوم بنقل المتضررين من المناطق المنكوبة إلى الأماكن المرتفعة، لكن لم يتم بعد تأسيس مخيم إيواء، وهو ما يدعو إليه سكان المناطق المتضررة.
يقول الناشط الاجتماعي محمد طارق، من منطقة نوشهره، لـ"العربي الجديد"، إن "أسراً كثيرة تعيش على قارعة الطرق، وكان الأحرى بالحكومة أن تقيم مخيماً لأن المساعدات التي تصل إلى تلك المناطق لا توزع بشكل منظم، وهناك أحزاب سياسية تحاول توزيع المساعدات على المنتمين إليها، سواء كانوا متضررين أم لا. ثمة أسر كثيرة فقدت ذويها، ودمرت منازلها، ولم يصلها أي شيء من قبل الحكومة، وعامة الناس لا تألو جهداً في المساعدة، وكذلك المؤسسات الخيرية، لكنهم جميعاً يوفرون الطعام وبعض أثاث المنازل. هذا أمر جيد، لكنه غير كاف، فالناس تحتاج إلى أماكن إيواء".
ولم تكشف الحكومة المركزية، ولا الحكومات المحلية في الأقاليم عن حجم المساعدات التي تم إيصالها إلى المتضررين، سوى إعلان حكومة إقليم البنجاب، في بيان، أنها قامت بتوزيع 37 ألف خيمة، و40 ألف سلة غذائية، وأن توزيع المساعدات مستمر، حيث لا يزال نحو 400 ألف شخص بحاجة إلى الإغاثة العاجلة، ومعظمهم يعيشون في العراء بعدما دمرت الفيضانات منازلهم.
ويشارك الجيش الباكستاني في توزيع المواد الإغاثية من خلال الإنزال بالمروحيات في المناطق الجبلية والنائية التي يمكن التحرك فيها بالسيارات، إلى جانب قيام فرق الإسعاف التابعة له بإنقاذ المحاصرين، وقام قائد الجيش الجنرال قمر جاويد باجوه، بزيارات تفقدية إلى الأماكن المنكوبة، كما أعلن مكتب العلاقات العامة في الجيش، في بيان، أن المساعدات الدولية بدأت تصل إلى باكستان، إذ وصلت الإثنين الماضي، 4 طائرات عسكرية تركية إلى كراتشي، تحمل مواد إغاثة، كما ينتظر وصول طائرتين محملتين بالمواد الإغاثية من الصين، فضلاً عن تعهدات من عدد من الدول الأخرى، وتشمل المواد الإغاثية التي وصلت الخيام والأدوية والمواد الغذائية.
وكان رئيس الوزراء شهباز شريف، ووزير الخارجية الباكستاني بلاول بوتو، قد ناشدا العالم، تقديم دعم عاجل لمتضرري الفيضانات، وأكدا أن باكستان تمر بمرحلة حرجة للغاية، وبحاجة إلى دعم ومساندة دوليين.