تبدو أن الحكومة الباكستانية مصرّة على تنفيذ قرار ترحيل اللاجئين الأفغان غير الشرعيين، وهي تؤكد أنه نهائي لن تتراجع عنه رغم الدعوات الدولية والمحلية التي تطالبها بإعادة النظر في القرار.
في 27 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قال وزير الداخلية الباكستاني سرفراز بكتي: "القرار نهائي، ولن ندخل في أي نوع من النقاش للتراجع عنه. يجب أن يخرج الأفغان الذين يعيشون في باكستان بشكل غير قانوني من بلدنا، وحكومتنا ستنشئ في كل إقليم مركزاً لجمع اللاجئين الأفغان غير الشرعيين الذين يخالفون القرار لترحيلهم إلى بلدهم".
وتواصل السلطات الأفغانية استعداداتها على الجانب الثاني من الحدود لاستقبال اللاجئين العائدين من باكستان، وعقدت لجنة شكلها زعيم حركة "طالبان" الملا هيبت الله أخوند زاده، برئاسة نائب رئيس الوزراء الملا عبد السلام حنفي، جلستها الأولى في 27 أكتوبر، ووزعت المهام على لجان فرعية في الأقاليم المحاذية للحدود. وقال حنفي في بيان أصدره مكتبه، إن "حكومة طالبان تبذل قصارى جهدها وتوفر كل ما لديها من إمكانات لاستقبال اللاجئين العائدين من باكستان".
وقبل انتهاء المهلة المحددة لخروج الأفغان، كثفت السلطات الباكستانية الحملات الأمنية ضدهم، وزجت عدداً منهم في السجون.
أمضى اللاجئ الافغاني محمد نادر مع نجله البالغ 15 سنة 3 أيام في مركز الشرطة بمدينة بيشاور، رغم أنه يعيش في باكستان منذ 35 عاماً، ويملك مع كل أفراد أسرته الـ12 بطاقات لجوء أصدرتها مفوضية اللاجئين الأممية، وقد دفع مبلغاً مالياً لم يكشف عن قيمته للإفراج عنه.
يروي نادر أنه خرج برفقة ابنه بعد صلاة العصر لشراء أغراض المنزل من منطقة جهانكير آباد، فناداه شرطيون يقفون إلى جانب طريق رئيسي، وسألوه إذا كان يحمل بطاقة لجوء. بعدما أخرج البطاقة سحبه الشرطيون مع ابنه إلى السيارة، ونقلوهما إلى المركز الأمني، حيث أخذوا منه كل ما يحمله من مال، وسجنوهما لثلاثة أيام، ويشير إلى أن "قضية اللاجئين الأفغان أصبحت تجارة رابحة لرجال الشرطة الذين يأخذون المال من اللاجئين من دون التفريق بين من هم شرعيون أو غير شرعيين".
وهدمت السلطات الباكستانية عشرات من منازل اللاجئين الأفغان في ضواحي العاصمة إسلام أباد، وتحديداً في منطقة "إي 12" حيث بنى اللاجئون بأنفسهم المنازل، وعاشوا فيها لفترات طويلة. يقول قريب الله، وهو أحد الأفغان الذين دُمّرت منازلهم لـ"العربي الجديد": "أزالت السلطات منزلي الذي عشت فيه أكثر من ست سنوات، وأواجه حالياً مشكلة عدم إمكان استئجار أي منزل لأن السلطات منعت المواطنين من تأجير المنازل للأفغان، وهذه مصيبة لي ولآخرين كثيرين".
وأكد باكستانيون لـ"العربي الجديد"، أن خروج الأفغان سيؤثر سلباً على سوق العقارات التي كانت تعتبر مشاريع رابحة في السابق. يقول دين محمد، الذي يسكن في منطقة أبدره بضواحي مدينة بيشاور، لـ"العربي الجديد": "شيّد ابني منازل وأجرّها لأفغان دفعوا مبالغ جيدة باعتبارهم يعتمدون على الأموال التي يرسلها ذووهم وأقرباؤهم من دول غربية. مع خروجهم من هذه المنازل، أثق أن الباكستانيين لن يستأجروها، وإذا فعلوا ذلك فلن يدفعوا المبالغ ذاتها، ما يعني أن ابني لن يسترد الأموال الطائلة التي أنفقها على بناء تلك المنازل".
يضيف: "ابني كان يؤجر المنازل لـ15 أسرة أفغانية، ولم نرى منهم إلا الخير، فالرجال يشتغلون ويكسبون المال، والنساء لا يخرجن من المنازل إلا للضرورة القصوى، وكان خيرهم للباكستانيين أكبر من ضررهم، واستفاد كثيرون من عيشهم في بلدنا، واليوم سندفع ثمن ترحيلهم".
ودمرت السلطات الباكستانية في 23 أكتوبر الماضي، جزءاً كبيراً من سوق "بورد بازار" الذي يُعرف شعبياً باسم "كابول الصغيرة"، ويعتبر مركزاً تجارياً للاجئين الأفغان، وتحججت السلطات بأن المركز المشيّد منذ 30 عاماً بني على أرض حكومية، علماً أن أصحاب المحال اشتروا أرض السوق من باكستانيين بحسب أوراق رسمية يمتلكونها.
يقول اللاجئ الأفغاني عزت الله الذي يملك محلاً في السوق لـ"العربي الجديد": "اشتغل والدي هنا، واشترى محلاً يقع إلى جانب الطريق، كان وسيلة الدخل الوحيدة لأسرتنا، ثم جاء رجال الأمن والبلدية ودمروا السوق. حالياً لم يبقَ إلا أن نستعد للذهاب إلى بلدنا، ونبدأ من الصفر".