يخلق الاهتمام المتزايد للتونسيين بتربية واقتناء الحيوانات الأليفة فرص عمل للمئات ممن يجدون فيه مجالاً لترويج منتجات وخدمات خاصة بالحيوانات لم يكن لها انتشار في السابق، وتحوّل الشغف بها إلى ما يشبه الظاهرة التي خلقت سوقاً نشطاً لمستلزماتها، ما وفّر مصادر كسب جديدة للآلاف.
وشهدت السنوات الأخيرة زيادة أعداد محال بيع مستلزمات الحيوانات، كما زاد عدد المحال التي تقدم خدمات التنظيف والحلاقة، ومصحات خاصة لعلاج القطط والكلاب. عصام بن نافع واحد من بين التونسيين الذين فتح لهم الاهتمام بالحيوانات باب رزق، إذ تمكن من إنشاء مشروعه الخاص لبيع أغذية الحيوانات الأليفة، والإكسسوارات الخاصة بها.
يقول بن نافع لـ"العربي الجديد"، إنه اختار فتح محله على مقربة من حديقة عامة في جهة المنزه السادس بالعاصمة تونس، تقصدها كثير من العائلات مصحوبة بكلابها في جولات يومية، مضيفاً: "اخترت مكان المشروع بشكل مدروس، والمحل الذي لم يمض على فتحه بضعة أشهر يشهد حركة بيع جيدة، وتمكنت من كسب زبائن عدة من سكان الحي الذين يربون القطط والكلاب في منازلهم، إضافة إلى الأشخاص الذين يأتون يوميا إلى الحديقة العامة من مناطق أخرى".
يتابع: "يقبل الزبائن على شراء أصناف عديدة من أغذية القطط والكلاب، ومكملات غذائية، ومستحضرات مضادة للحشرات، ومستلزمات الاستحمام، والعطور، والألعاب، فضلاً عن الوسادات والأغطية، تعبيراً عن حبهم لحيواناتهم". ويصف التحول في علاقة التونسيين بالحيوانات بأنه أشبه بـ"الثورة"، مؤكدا أن "الظواهر الاجتماعية الجديدة تخلق أنشطة تجارية غير تقليدية، ومن بينها تجارة مستلزمات الحيوانات الأليفة".
ويرى بن نافع أن السوق يتيح خلق فرص عمل جديدة في هذا المجال، خصوصاً مع زيادة أعداد المحال التي تقدم خدمات الحلاقة والتنظيف للقطط والكلاب في كل المدن التونسية، بعد أن ظلت لسنوات حكرا على المناطق الراقية، كما أن غالبية العاملين في هذه المحال من الشبان الذين طوروا مشاريع صغيرة ممولة عبر قروض بنكية صغيرة.
في عام 2020، أنشأت التونسية رحمة حداد أول نزل خاص للحيوانات، يوفر إضافة إلى خدمة الإقامة، خدمات النظافة والتجميل، ويحتوي على حديقة صغيرة، ويضمن الرعاية البيطرية، والأكل المناسب، وحتى الألعاب.
ويعود الاهتمام الرسمي بالحيوانات إلى نحو 30 عاما مضت، حين وضع المشرّع التونسي في عام 1994، قوانين لتربية الحيوانات، تقوم أساساً على مبدأ الاعتراف بالحاجة إلى العناية برفاهية الحيوانات والحاجة إلى حمايتها. كما وضع القانون عقوبات في حال الإخلال بحقوق هذه الكائنات، بهدف تطوير الرفق بالحيوانات لدى البشر، ومنع تعرّض الحيوانات للأخطار.
وأنشأت جمعيات مستقلة خلال السنوات الأخيرة العديد من أماكن إيواء القطط والكلاب الضالة، معتمدة في ذلك على جهود ومبادرات من متطوعين، ويسمح المشرفون على هذه الأماكن للراغبين في كفالة الحيوانات شرط الالتزام بحسن العناية بها.
يفسر المتخصص في الطب النفسي، سفيان الزريبي، تنامي إقبال التونسيين على تربية القطط والكلاب، بالبحث عن نوع من الأمان العاطفي، أو الرغبة في كسر العزلة والشعور بالوحدة التي خلّفتها فترات الحجر الصحي الطويلة خلال الجائحة الصحية. يقول الزريبي لـ"العربي الجديد"، إن "تربية الحيوانات الأليفة في بيوت التونسيين تحولت إلى ظاهرة تستحق التوقف عندها لدراستها وفهمها في ظل ظرف اجتماعي واقتصادي صعب يؤثر بشدة على نفسية الكثيرين، ويجعل المزاج العام سلبياً".
ويعتبر المتخصص في الطب النفسي أن "الأسر التونسية تعاني من ضغوط متعددة الأبعاد، ما يفسر إقبالها على تربية الحيوانات لغايات، أهمها التخلص من الشعور بالوحدة، والظاهرة تبرز بحث التونسي عن العاطفة الصادقة التي توفرها الحيوانات، نظراً لكونها تمنح مربيها حباً غير مشروط على عكس العاطفة بين الأشخاص التي غالبا ما تكون مبنية على المصالح. بعض الأسر تعتمد على الحيوانات، خصوصاً الكلاب لغايات متعددة تشمل المرافقة والحراسة نظراً لتصاعد معدلات جرائم السرقة، والكلاب تحديداً يمكنها لعب دور مهم في توفير الأمان لمالكيها، وهذا ما يفسر الارتفاع الكبير لأسعار بعض الأنواع".
ويتشارك التونسيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي تجاربهم في تربية الحيوانات الأليفة، كما يعرضون بعضها للتبنّي، أو البيع، وينشرون سلوكيات خاصة بحمايتها وطرق الاستفادة من رفقتها.