انخفاض مساعدات الشمال السوري يفاقم معاناة النازحين في فصل الشتاء

27 أكتوبر 2022
هكذا كانت الحال في فصل الشتاء الماضي بمخيمات شمال غربي سورية (عمر حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

تشهد مناطق سيطرة المعارضة شمال غربيّ سورية، ضعفاً في الاستجابة الإنسانية من قبل المنظمات الدولية والمحلية بالتزامن مع اقتراب فصل الشتاء وتزايد حاجة النازحين إلى مواد التدفئة، فيما تلف عدد كبير من الخيام، بالإضافة إلى تردّي الوضع المعيشي وارتفاع أسعار مواد السلع الأساسية، الأمر الذي يفاقم معاناة النازحين السوريين. يأتي ذلك بعدما تبنّى مجلس الأمن الدولي في 12 يوليو/تموز الماضي القرار 2642 الذي يجدّد آلية تقديم المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى إلى سورية لمدّة ستة أشهر قابلة للتجديد لمدّة مماثلة، شرط تبنّي قرار خاص جديد.

يقول مدير مخيّم الليث الواقع في منطقة حربنوش شماليّ محافظة إدلب، حسن عبد اللطيف الحسن، لـ"العربي الجديد" إنّ "الاستجابة الإنسانية للمنظمات شبه معدومة في مخيّمات النازحين"، لافتاً إلى أنّ "70 في المائة من الخيام عندنا (في مخيّم الليث) مهترئة وفي حاجة إلى استبدال بأسرع وقت ممكن".

ويوضح الحسن أنّ "مخيّم الليث يضمّ نازحين من أرياف حماة وحلب وإدلب، وقاطنوه بمعظمهم يتحدّرون من قرى وبلدات ريف حلب الجنوبي. وهو يستقبل 140 عائلة، علماً أنّ أكثر من 100 خيمة في حاجة إلى استبدال". يضيف أنّ "الخيام المهترئة لم تُستبدَل منذ ثلاثة أعوام"، مشيراً إلى أنّ "عدداً من الخيام فصّلها قاطنوها على نفقتهم الشخصية، وثمّة أخرى وزّعتها منظمتان تركيّتان، هما إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد) وهيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات".

ويتابع الحسن أنّ العائلات في المخيّم "في حاجة إلى مدافئ ومواد للتدفئة، وإلى سلال غذائية شهرية، ولا سيّما أنّ ثمّة عدداً كبيراً من العائلات من دون مُعيل لتأمين العيش".

من جهته، يقول محمد أبو الجود، المهجّر من ريف حمص الشمالي لـ"العربي الجديد": "أعاني من أزمة تتعلّق بتأمين مواد التدفئة منذ ثلاثة أعوام. ففي العام الأول لوصولي إلى ريف إدلب الشمالي، في عام 2018، حصلت على بعض مواد التدفئة، وفي العام الذي تلاه كذلك، لكنّني منذ ذلك الحين لم أحصل على أيّ مساعدات في هذا المجال".

يضيف أبو الجود: "أعمل في مجال الرخام (أساساً)، ولا أتكبّر على أيّ عمل يتوافر لي مهما كان نوعه في سبيل توفير قوت أولادي الأربعة. فعندما وصلنا، كانت المنظمات تتسابق على تقديم مساعدات لنا كمهجّرين، لكنّ أحداً في الوقت الحالي لا يستجيب لمتطلباتنا إلا في ما ندر. والسلة الغذائية الأخيرة التي حصلت عليها كانت قبل أشهر عدّة. وقد تسجّلت في منظمة للحصول على قسيمة شرائية، لكنّني لم أتلقّ أيّ جواب بعد". ويتابع أبو الجود: "نحن مقبلون على فصل الشتاء، وستتوقّف أعمالنا، ولن نكون قادرين على توفير أيّ دخل، والمنظمات الإنسانية تتجاهل ما نحن فيه"، لافتاً إلى أنّه "لو كنت أملك عملاً وكذلك دخلاً يوفّر لي الحدّ الأدنى للمعيشة، فإنّني لن أكلّف نفسي عناء ملاحقة المنظمات الإنسانية. أريد أن أعيش بكرامة، لكنّ الظروف الصعبة هي التي تجبرني أنا وعدداً كبيراً من المهجّرين والنازحين على التوجّه إلى المنظمات".

في سياق متصل، لاحظ فريق "منسقو استجابة سورية" انخفاضاً في حجم العمليات الإنسانية للمدنيين في المنطقة في كلّ القطاعات بمناطق سيطرة المعارضة السورية، شمال غربيّ البلاد، وذلك في خلال الإحاطة التي قدّمها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس حول العمليات الإنسانية عبر الحدود وفق قرار مجلس الأمن الدولي.

وبيّن الفريق في بيان له، اليوم الخميس، أنّ "عدد الشاحنات الإغاثية انخفض كثيراً مقارنة بالتقرير السابق"، و"انخفضت أعداد الشاحنات الإغاثية إلى مستويات قياسية مقارنة بزيادة حجم الاحتياجات للمدنيين في المنطقة، بالإضافة إلى استمرار توقّف الدعم عن القطاع التعليمي من قبل وكالات الأمم المتحدة".

ولاحظ الفريق أنّه على الرغم من زيادة الحاجة الكبيرة لقطاع المياه، فقد "توقّف الدعم عن القطاع خلال مدّة الإحاطة، على الرغم من المناشدات الكثيرة بالتزامن مع انتشار مرض الكوليرا وارتفاع أعداد المصابين بفيروس كورونا خلال الفترة السابقة، بالإضافة إلى انخفاض ضمن قطاع الأمن الغذائي بسبب ضعف توريد المساعدات الإنسانية، حيث تقلصت نسبة المساعدات إلى أكثر من النصف، فيما تقلصت المساعدات إلى نسبة 31 في المائة ضمن قطاع الصحة الذي يعاني بالأصل من كوارث حقيقية نتيجة الأزمات المستمرة التي يتعرّض لها منذ أعوام".

وتحدّث الفريق عن "استمرار تقديم الدعم بشكل كبير إلى مناطق النظام السوري، وخاصة ضمن قطاع الإنعاش المبكر، ضمن مشاريع حيوية تعود بالفائدة الفعلية على تلك المناطق"، لافتاً إلى أنّ "التقرير ادّعى ارتفاع عمليات التعافي المبكر في شمال غرب سورية، وبمراجعة المشاريع المقدّمة لوحظ أنّ أغلبها يتركّز على ترحيل الأنقاض ومخلفات الحرب والأبنية، وهي بالمختصر ما دمره النظام السوري وروسيا في استهدافهما للمناطق السكنية والبنى التحتية في المنطقة".

وأشار الفريق إلى أنّه "خلال 107 أيام من بدء تطبيق القرار، لوحظ الانحياز الكامل في مشاريع الأمم المتحدة لمناطق النظام السوري وقوات سورية الديمقراطية"، مضيفاً: "حذّرنا من أنّ تطبيق القرار سيكون ذا أثر سلبي على المدنيين في شمال غرب سورية، والتقرير الأخير هو إثبات ما تحدّثنا عنه عدّة مرّات، وهو أنّ القرار الأممي لخدمة مناطق النظام السوري ولتمرير المشاريع المختلفة بعيداً عن العقوبات الدولية المفروضة على النظام السوري". وحذّر "الوكالات الدولية كافة من أيّ تخفيضات جديدة في الفترة المقبلة، لما ستسبّبه من عواقب سيئة جداً على المدنيين، في ظلّ بقاء أسعار المواد والسلع الغذائية مرتفعة والهشاشة الشديدة التي يمرّ بها المدنيون في المنطقة".

وكان فريق "منسقو استجابة سورية" قد طالب، في بيان سابق له في 12 من يوليو/ تموز الماضي، الجهات المسيطرة في مناطق سيطرة المعارضة السورية على رفض دخول المساعدات الإنسانية عبر خطوط التماس، وذلك لعدم استغلال القضية من الجانب الروسي في خلال الفترة المقبلة، مُشيراً حينها إلى أنّ تمديد القرار الأخير هو الحلقة الأخيرة في بدء عمليات إغلاق معبر باب الهوى الحدودي أمام العمليات الإنسانية في خلال الفترة المقبلة، وتحويل مسار المساعدات الإنسانية إلى مناطق النظام السوري مع قبول دولي لهذا الأمر وقبول الأمم المتحدة كذلك.