استمع إلى الملخص
- التغيرات الثقافية والاجتماعية تدفع الشباب للتركيز على التعليم والاستقلال المالي، مما يؤجل قرار الزواج، بالإضافة إلى العوامل النفسية والاجتماعية مثل العنف الأسري.
- البطالة والرغبة في الهجرة تزيد من تعقيد الوضع، حيث يرغب 48% من الشباب في الهجرة، مما يؤجل قرار الزواج ويجعل الزواج مشروعاً اقتصادياً خاسراً.
تظهر أرقام حالات الزواج في الأردن انخفاضاً كبيراً مقابل ارتفاع حالات الطلاق. ويرى محللون أن بعض دلالات هذه الأرقام معقّدة وغريبة، ومن بينها تفكير الشبان العميق بالزواج في ظل مواجهتهم ضغوطاً اجتماعية واقتصادية كبيرة.
يسجل الأردن حالة طلاق واحدة مقابل أربع حالات زواج، في وقت تنخفض حالات الزواج عاماً بعد آخر وفق العديد من الدراسات والبيانات الصادرة عن المجلس الأعلى للسكان، ودائرتي قاضي القضاة والأحوال المدنية. وتلعب العوامل الاقتصادية دوراً مهماً في هذا الأمر.
وما يدعو إلى القلق، بحسب المجلس الأعلى للسكان، أن أكثر من 54% من النساء اللواتي يطلقن دون سن الـ30، أي خلال السنوات الأولى من بدء حياتهن الزوجية.
ووفق التقرير السنوي لأوضاع المحاكم الشرعية وسير الأعمال فيها لعام 2023، بلغت عقود الزواج 59.772، مقارنة بـ63.972 عام 2022، وحالات الطلاق 26.756 عام 2022، و25.464 عام 2023.
أما التقرير السنوي لدائرة الأحوال المدنية فكشف أن عدد حالات الزواج في الأردن بلغ 45.000 العام الماضي، وهو رقم مشابه لعام 2022، أما عدد حالات الطلاق فبلغ 13.320 عام 2023، بارتفاع 802 حالة عن عام 2022.
وعن هذه المعطيات وأسبابها، تقول الباحثة في جمعية معهد تضامن النساء، زهور غرايبة، لـ"العربي الجديد": "يأتي العامل الاقتصادي في مقدمة العوامل التي تلعب دوراً كبيراً في انخفاض حالات الزواج أو ارتفاع حالات الطلاق، إذ يعاني الشبان من ضغوط اقتصادية تجعل الزواج تحدياً كبيراً بالنسبة إليهم، وتزداد متطلبات المهور وتكاليف السكن ومصاريف الزواج، ما يثقل كاهلهم ويؤجل قرارهم في الارتباط. ويترافق العامل الاقتصادي مع عوامل أخرى من بينها التغيّرات الثقافية والاجتماعية التي بدلت أولويات الشبان الذين بات يفضل كثيرون منهم التركيز على التعليم وتحقيق الاستقلال المالي والمهني. أيضاً أثّر تزايد الهجرة وانتشار قصص الزواج الفاشل وارتفاع معدلات الطلاق سلباً على نظرة الشباب إلى الزواج، الذي أصبح بالنسبة لكثيرين قراراً يتطلب تفكيراً عميقاً في ظل ضغوط مجتمعية واقتصادية تجعله مسألة معقّدة".
تتابع: "عندما ترتفع البطالة بين الشبان ولا يوجد دخل كافٍ يسمح لهم ببناء أسرة تحتاج إلى متطلبات شهرية، يعزفون عن الزواج والارتباط. ولا يؤثر العامل الاقتصادي فقط على الأسرة التي لم تتشكل بعد، فهو أساسي في تفكيك الأسر القائمة، خاصة عندما يكون المردود المادي والدخل الشهري أقل بكثير من المتطلبات. وهنا يَدخل العامل النفسي شريكاً أساسياً مع العامل الاقتصادي في تفكيك وهدم الأسرة ونشوب الخلافات بين الزوجين، خصوصاً عندما يعجز كل طرف عن تلبية التوقعات المطلوبة منه".
تضيف: "تتحول هذه الصراعات من خلافات بسيطة غير محسوسة إلى عنف أسري يقع ضحيته الأطفال. وقد يلعب العنف الأسري أيضاً دوراً في رفع حالات الطلاق عندما تفشل الجهود العائلية في تحقيق مصالحات بين الزوجين. وقد أصبح الشبان والشابات أكثر حساسية تجاه مظاهر العنف، وما يترتب عليها من آثار نفسية واجتماعية. وارتفاع وعيهم بقضايا العنف الأسري قد يكون عاملاً مهماً جداً في انخفاض الزواج بسبب الخوف الذي ينشأ لدى البعض من تكرار تجارب سلبية، أو من الدخول في علاقة قد تجلب العنف. كما أن تجارب الطلاق بسبب العنف الأسري في بعض الأسر تجعل الشبان أكثر تحفظاً لدى اتخاذ قرار الزواج خشية الوقوع في بيئة غير آمنة".
ويرى أستاذ علم الاجتماع حسين الخزاعي، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن "العزوف عن الزواج في الأردن يرتبط كثيراً بالرغبة في الهجرة، فنحو 48% من الشبان يرغبون ويفكرون في الهجرة. ومن يفكرون في الهجرة، لا يفكرون بالزواج، ويؤجلونه ربما ليتزوجوا نساء أجنبيات في الدول التي يصلون إليها".
ويقول إن "ارتفاع معدلات البطالة بين الإناث يجعل خيارات الشباب محدودة في إيجاد شريكة حياة مناسبة، فهم يريدون زوجات عاملات لمساعدتهم في الإنفاق على المنزل ومواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة. وإلى العمل يريد شبان تزوج نساء يملكن مواصفات يبحثون عنها، ما يصعّب مهمة الارتباط والإقدام عليها. ومعلوم أن نسبة البطالة بين خريجات البكالوريوس هي الأعلى في الأردن بنسبة 83%، استناداً إلى نتائج مسح البطالة للربع الثاني من العام الحالي، والذي أصدرته دائرة الإحصاءات العامة الأردنية".
ويلفت إلى أن "الأوضاع الاقتصادية تتسبب في كثير من الأحيان بالعزوف عن الزواج؛ فالحدّ الأدنى للأجور في الأردن" هو 260 ديناراً (367 دولاراً) الذي لا يسمح لأي شخص بالعيش بمفرده على الكفاف، فكيف يمكن أن ينفق على أسرة؟. هناك ارتفاع كبير في التكاليف المعيشية مقابل انخفاض في مستوى الدخل. وهل يكفي مبلغ 260 ديناراً لاستئجار شقة أو بيت؟".
ويتحدث الخزاعي أيضاً عن أن "ارتفاع الطلاق في الأردن والعنف والخلافات الأسرية، تجعل شباباً كثيرين يخافون من الإقدام على هذه الخطوة، فعندما يسمع الشبان عن نحو 25 ألف حالة طلاق في الأردن خلال عام يتراجعون عن الفكرة وينظرون إليها باعتبارها مشروعاً اقتصادياً خاسراً. وعموماً، لا تقل تكلفة أي زواج عن 10 آلاف دينار (14 ألف دولار) وقد تصل إلى عشرات الآلاف. وربع حالات الزواج مهدد بالفشل، ما يعني إضافة إلى الخسائر النفسية والاجتماعية خسائر مادية يصعب على غالبية الشبان تعويضها في المستقبل".
ويلفت إلى أنه "من أسباب الطلاق، إضافة إلى الصعوبات المادية، الإدمان على المخدرات، وعدم القدرة على حلّ المشاكل الزوجية، ورفض الجيل الجديد تدخل الآباء والأمهات في مسألة الزواج. ويكون الخيار في العادة غير مبني على قواعد متينة، فتنتهي العلاقة بالطلاق كأسهل حل".
ويربط الخزاعي نجاح الزواج وفشله بالفقر والبطالة، "فالكثير من الخلافات الزوجية ترتبط شرارتها الأولى بمطالب مادية، خاصة أن البطالة تطاول 25% من الأردنيين المتزوجين، بحسب دائرة الإحصاءات العامة"، ويسأل مجدداً كيف تعيش أسرة ربّ بيتها بلا عمل؟