وثّقت منظمات حقوقية عدداً من الانتهاكات التي تصل إلى حد التعذيب البدني، بحق عدد من السجناء السياسيين في مصر في بعض السجون.
وتحدث "مركز الشهاب لحقوق الإنسان"، في تقرير له، أمس الاثنين، عن معاناة أهالي معتقلي سجن وادي النطرون 440 من الانتهاكات التي قد تبدو مشابهة لما يعانيه ذووهم داخل السجن، من بينها الانتظار لوقت طويل، أي من الصباح الباكر، وحتى آخر موعد زيارة، ورؤية السجين من وراء أسلاك، ما يجعل الأصوات تختلط.
ونتيجة لساعات الانتظار الطويلة تحت أشعة الشمس، يفسد الطعام الذي يجلبه الأهالي لذويهم. وإذا لم يفسد الطعام، يصير تناوله مستحيلاً بعد تفتيش المخبرين. ولا يتعدى وقت الزيارة دقائق معدودة.
أما عن حال ذويهم داخل السجن، فالوضع لا يقل سوءاً، إذ يتعرضون لتفتيش مستمر، وتفقد أغراضهم الشخصية على أيدي المخبرين، وخصوصاً الأدوية التي لا تكون قابلة للاستخدام بعد فتحها في أثناء التفتيش. كذلك لا يسمح للمرضى بالخروج إلى المستشفى أو الحصول على العلاج المناسب، على الرغم من سوء أحوال بعضهم صحياً، "الأمر الذي جعل حياة عدد منهم في خطر حقيقي"، وفق التقرير.
ومن وادي النطرون إلى سجن جمصة شديد الحراسة، تكثر الانتهاكات ضد المعتقلين والأهالي. وقال "مركز الشهاب لحقوق الإنسان"، في تقريره، إنه تلقى شكاوى من أهالي السجن، إذ تمنع إدارته دخول أنواع كثيرة من الأطعمة من دون وجه حق، كما لا تسمح بدخول الأدوية على الرغم من حاجة المرضى إليها.
وقد تقلصت مدة الزيارة إلى دقائق عدة، كما تكون من خلال السلك الذي لا يسمح بالرؤية أو سماع الأهل وأبنائهم بعضهم لبعض. وتمتدّ الانتهاكات لتشمل من هم داخل السجن، إذ يعانون من جرّاء اقتحام الزنازين للتفتيش باستمرار، كذلك تنتهج إدارة السجن سياسة التجريد من مستلزماتهم الشخصية، بحسب توثيق المركز.
إلى ذلك، وثقت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، في تقرير لها، أمس الاثنين، انتهاكات تصل إلى حد التعذيب بحق السجين السياسي، معتز صبيح، منذ اعتقاله قبل خمس سنوات، وحتى حبسه انفرادياً في سجن شديد الحراسة جنوبي القاهرة.
معتز أحمد محمد حسن صبيح، وهو شاب مصري يبلغ من العمر 27 عاماً، كان حتى يوم اعتقاله في 6 يناير/كانون الثاني عام 2016 طالباً في الفرقة الأولى بكلية الهندسة جامعة القاهرة، وتحديداً قسم الاتصالات، وكان يحلم بالتخرج من الجامعة والعمل لرعاية والده المريض ووالدته المسنة المريضة أيضاً، تزامناً مع بداية مرحلة جديدة من حياته. إلا أن هذه الآمال تبخرت تماماً عصر السادس من يناير/كانون الثاني 2016، بعدما اقتحمت قوة كبيرة من أمن القليوبية، ملثمين ومدججين بأسلحة نارية، منزله الكائن في شبرا الخيمة قسم أول بمحافظة القليوبية.
وبثّت قوات الأمن الرعب في قلب والده المريض الذي كان طريح الفراش، ووالدته المسنّة، وأرعبت جميع الموجودين، وكسرت محتويات المنزل، واستولت على بعض أغراض صبيح الشخصية وأغراض الأسرة، كأجهزة الكمبيوتر والكاميرا والهواتف، ثم اعتقلت معتز بعد تعصيب عينيه وتكبيل يديه من الخلف، فيما لم يسمحوا له بارتداء ملابسه، واقتيد حافي القدمين بملابس النوم في فصل الشتاء وعلى مرأى ومسمع جميع جيرانه، ليُدخَل إلى إحدى سيارات الشرطة التي انطلقت إلى مكان مجهول، بحسب توثيق الشبكة.
وتعرض صبيح للاختفاء القسري لمدة 75 يوماً، وحاولت أسرته من خلال الوسائل القانونية إرسال العديد من البلاغات إلى الجهات الرسمية، كالنائب العام ووزارة الداخلية والمحامي العام لنيابات جنوب بنها الكلية، أملاً في الوصول إلى مكان احتجازه. وكان الجواب دائماً "لا نعلم شيئاً عنه، غير موجود"، ليظل مختفياً لمدة 75 يوماً داخل أروقة وسراديب مقر أمن الدولة بلاظوغلي.
وشهد صبيح في مقر أمن الدولة "سحق إنسانيته"، بحسب توثيق الشبكة، بعد ما تعرض له من تنكيل وتعذيب بدني، كالصعق بالكهرباء في جميع أجزاء جسده، والضرب، والتجويع، والتعليق من ذراعيه من الخلف، وظل طوال فترة وجوده في الأمن الوطني معصوم العينين، ومصفّد بالأغلال الحديدية، إلى جانب صنوف مختلفة من التعذيب البدني والنفسي على مدار تلك الأيام العصيبة من حياته.
وفي 19 مارس/آذار 2016، ظهر معتز صبيح أمام نيابة أمن الدولة العليا، وحُقِّق معه من دون حضور محامٍ، في مخالفة واضحة لمواد الدستور والقانون، ليحبس 15 يوماً على ذمة القضية 502 لسنة 2016 حصر أمن دولة، والمعروفة إعلامياً بـ"ولاية سيناء"، بتهم تتعلق بـ"التخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية"، وبـ"الانضمام إلى جماعة إرهابية".
وفي أثناء مثوله أمام النيابة، نفى معتز صبيح كلّ الاعترافات التي جاءت في محضر الأمن الوطني، وذكر ما تعرض له من تعذيب داخل مقر الأمن الوطني بلاظوغلي، وطالب بعرضه على الطب الشرعي لتبيان ما فيه من إصابات نتيجة التعذيب. وبالفعل، عُرض على الطب الشرعي في شهر إبريل/نيسان 2016. لكن المفاجأة أنه لم يسمح له ولا لمحاميه بالاطلاع على تقرير الطبيب الشرعي.
رحل معتز صبيح إلى سجن العقرب شديد الحراسة 1 بطرة، ليقبع في زنزانة انفرادية وسط ظروف قاسية وغير آدمية لمدة 6 أشهر، زادت فيها معاناته. وبدأ في 9 إبريل/نيسان 2016 إضراباً مفتوحاً عن الطعام، احتجاجاً على ظروف الحبس الانفرادي، وقطع المياه والكهرباء، ومنع دخول الأدوية، والكتب الدراسية، والضرب، وسوء المعاملة، ومنع الزيارات عنه فترة طويلة.
وبعد مرور 6 أشهر على سوء حالته الصحية والنفسية وفقدانه للكثير من وزنه، نقل إلى زنزانة أخرى تضم مساجين. وبعد ثلاث سنوات من الحبس الاحتياطي، أحيلت القضية على نيابة شرق القاهرة العسكرية، ومنها على محكمة الجنايات شرق القاهرة العسكرية تحت رقم القضية 148 لسنة 2017 شرق القاهرة عسكرية، التي استمرت جلساتها إلى أن حكم عليه في 12 يونيو/حزيران 2019 بالسجن 3 سنوات، بتهمة "الانضمام إلى جماعة أسست خلافاً لأحكام القانون"، وكان قد أمضى هذه المدة رهن الحبس الاحتياطي في سجن العقرب من دون محاكمة، ويستحق إخلاء سبيله لانقضاء المدة. وفي يوم 28 يونيو/حزيران 2019، نقل إلى تخشيبة الخليفة تمهيداً للإفراج عنه.
لكن معتز صبيح اختفى قسرياً مرة ثانية. وفي 30 يونيو/حزيران 2019، وصل إلى قسم أول شبرا الخيمة التابع له محل سكنه تمهيداً لإنهاء إجراءات إخلاء سبيله. وبحسب المعلومات المتوافرة، اصطُحِب في اليوم نفسه إلى مبنى الأمن الوطني بشبرا الخيمة، ليختفي تماماً، وينفي قسم أول شبرا الخيمة معرفته بمكان وجوده، ليبدأ فصل جديد من البحث المتواصل.
فترة الاختفاء القسري الطويلة الثانية امتدت 26 شهراً، ليظهر معتز صبيح من جديد أمام نيابة أمن الدولة بالتجمع الخامس في الأول من سبتمبر/أيلول 2021، بعد تدويره على ذمة القضية 1935 لسنة 2021، التي جرى التحقيق معه فيها وحبسه 15 يوماً.
معتز صبيح اعتقل عام 2016 وكان عمره حينها 27 عاماً
وكانت المفاجأة في اتهامه بـ"حيازة بندقية خرطوش وطلقتين"، بالإضافة إلى "انضمامه إلى جماعة مخالفة للقانون"، و"حيازة سلاح". واستمرّ حبسه في قسم أول شبرا الخيمة والتجديد الدوري له (ورقياً) من دون مثوله أمام النيابة، حتى رُحِّل منذ أيام إلى سجن الرجال بالقناطر، لتبدأ مرحلة جديدة أكثر قسوة.
وبحسب "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، يعاني معتز صبيح، على الرغم من صغر سنه، من أمراض عدة، بسبب فترة الاختفاء القسري الطويلة، ووجوده على مدى سنوات في ظروف احتجاز غير آدمية، وعدم تعرضه لأشعة الشمس أو الهواء النقي، وحرمانه التريض والعلاج الدوري طوال فترة اختفائه، وحبسه في ظروف قاسية لأكثر من ثلاث سنوات داخل سجن العقرب شديد الحراسة 1.
ويعاني أيضاً من نقص فيتامين "د" لعدم تعرضه لأشعة الشمس قرابة 5 سنوات، وكذلك بعض الأمراض الجلدية، لعدم توافر وسائل النظافة الشخصية والعامة، بالإضافة إلى مشاكل في التبول، ويحتاج إلى إجراء جراحة في الفك لإزالة كيس دهني.
ولم يتوقف الأمر عند ما يعانيه معتز صبيح من انتهاكات متواصلة، وامتد تأثير ذلك إلى أسرته، ولا سيما والده الذي كان يعمل قبيل تقاعده مهندساً في الهيئة العربية للتصنيع، وأصيب لسنوات بمرض ألزمه الفراش حتى توفي بعد اعتقال معتز صبيح بثمانية أشهر.
أما والدته، فقد تجاوزت الستين من العمر، وأصيبت ببعض الأمراض التي تحتاج إلى الرعاية الصحية المباشرة، وهي الآن مسؤولة عن متابعة معتز صبيح وزيارته دورياً. كذلك توفي أحد أشقائه قبيل اعتقاله بسنوات قليلة.