انتخابات أميركا... 11 مليون مهاجر بين شعارات ترامب وهاريس

15 سبتمبر 2024
بيع قمصان مؤيدة لكامالا هاريس، بنسلفانيا، 13 سبتمبر 2024 (تشيب سومودوفيل/ Getty)
+ الخط -

في إطار قضايا الانتخابات المقبلة للرئاسة الأميركية، أظهر المرشح الجمهوري دونالد ترامب، تشدداً مع المهاجرين فيما عكست منافسته الديمقراطية كامالا هاريس مواقف أكثر تساهلاً معهم

زاد مرشح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترامب ومنافسته مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس تركيزهما في حملاتهما الانتخابية على قضية الهجرة، ويتوقع أن يزداد ذلك السجال مع اقتراب موعد الاقتراع المنتظر في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. 
يحاول ترامب استغلال قضية الهجرة، خصوصاً تلك غير الشرعية، فزاعةً لتخويف الناخبين، وهو أسلوب اتبعه بنجاح خلال الحملة التي أوصلته إلى البيت الأبيض عام 2016. أما هاريس، وهي نائبة الرئيس الحالي جو بايدن، فتواصل تسويق نفسها بأنها الطرف الذي يعمل لإصلاح نظام الهجرة، ولا ينوي اتخاذ خطوات حاسمة لمكافحة الهجرة غير النظامية. 
ويواصل ترامب تصعيده وتصريحاته العنصرية تجاه المهاجرين، خصوصاً غير النظاميين، وهو ما فعله خلال اجتماعات نيل الترشيح الرسمي للحزب الجمهوري في يوليو/ تموز الماضي، حين تحدث عن رغبته في تنفيذ ترحيل جماعي للمهاجرين غير النظاميين الموجودين في الولايات المتحدة والذين يقدَّر عددهم بأكثر من 11 مليوناً، بحسب ما تكشف إحصاءات مختلفة. 
وزعم ترامب أن المهاجرين الذين يعبرون الحدود يعانون من مشاكل صحية ونفسية، ويتهمهم بأنهم مجرمون ويحمّلهم مسؤولية ارتكاب جرائم كثيرة في الولايات المتحدة. لكن مسؤولاً في الحزب الجمهوري يخشى أن تؤدي تصريحات ترامب، خصوصاً حول ترحيل المهاجرين غير النظاميين، إلى ابعاد ناخبين من أصول لاتينية عن التصويت له بنسب عالية، فيما يحتاج إلى هذه الأصوات للفوز بالرئاسة، خصوصاً في الولايات التي تصنّف بأنها متأرجحة على صعيد الولاء للحزبين الجمهوري والديمقراطي. ويعتبر هؤلاء أن "ترحيل أكثر من 11 مليون شخص أمر غير واقعي، وقد يجلب تحديات قانونية، ويضرّ بدرجة كبيرة بالاقتصاد، كذلك هو خطوة غير عملية وغير أخلاقية". ورغم أن ترامب اقترح أن ينفذ الجيش عمليات الترحيل، لكنه لم يوضح كيفية فعل ذلك. 

المهاجرون والضرائب 

عموماً يُسدّد الكثير من المهاجرين غير النظاميين الضرائب لأسباب عدة، من بينها إثبات أنهم يعيشون في ظل التزامهم القوانين في الولايات المتحدة، رغم أن وجودهم غير قانوني. ومن بين الأسباب أيضاً التحسّب لاحتمال مثولهم يوماً أمام المحكمة للحصول على إقامات شرعية، إذ يستطيعون إثبات أنهم يدفعون الضرائب وعدم وجود ملفات جنائية ضدهم وغيرها، ما قد يساعدهم في تحقيق هذا الهدف. 
ومعلوم أن نقاشاً داخلياً يدور، خصوصاً في الحزب الديمقراطي، حول قوننة أوضاع المهاجرين غير النظاميين الذين يعيشون في الولايات المتحدة منذ سنوات طويلة، ولديهم عائلات وروابط داخلها.

ولأن من مصلحة الخزينة الحصول على ضرائب، يمكن أن يسددها المهاجرون غير النظاميين بطلب رقم ضريبي لا يشترط الحصول عليه امتلاكهم أرقاماً خاصة بالضمان الاجتماعي الذي يشترط للحصول عليه أن يحمل الشخص الجنسية الأميركية، أو يعيش بشكل قانوني في الولايات المتحدة ويملك حق العمل. 
وفي العادة لا تشارك مصلحة الضرائب أسماء المهاجرين مع مصلحة الهجرة، علماً أن الضرائب التي يسددها المهاجرون غير النظاميين تدرّ مليارات الدولارات على الخزينة الأميركية سنوياً، فيما لا يحصلون غالباً (بحسب الولاية) على بدلات بطالة ومستحقات أخرى. 
وبحسب تقرير أصدرته منظمة الأبحاث الأميركية "آي تي إي بي"، أو مؤسسة الضرائب والسياسات الاقتصادية، وهي منظمة غير حكومية وغير ربحية تتخذ من العاصمة واشنطن مقراً، وصل حجم الضرائب، بينها تلك للمشتريات والملكية والمستأجرين والدخل، التي دفعها المهاجرون غير النظاميين في عام 2022 إلى 96.7 مليار دولار، منها 59.4 مليار دولار للحكومة الفيدرالية، و37.3 مليار دولار لحكومات الولايات والحكومات المحلية. 
وأشار التقرير إلى أن "أكثر من ثلث الضرائب التي دفعها المهاجرون غير النظاميين ذهبت لتمويل برامج لا يسمح لهؤلاء المهاجرين العمال بالاستفادة منها، مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، وتأمين البطالة". 
إلى ذلك، يساهم كثير من المهاجرين غير النظاميين في الاقتصاد والابتكارات، ويملك بعضهم قوة شرائية عالية، ما يزيد مساهمتهم في الاقتصاد والاستهلاك. 

دونالد ترامب يعرض للجمهور في ميشيغن إحصاءً لتزايد عدد المهاجرين (نيش أنتايا/ Getty)
دونالد ترامب يستعرض في ميشيغن تزايد عدد المهاجرين (نيش أنتايا/ Getty)

ويشير تقرير أصدره "معهد سياسة الهجرة" (إم إي أي) إلى أن إدارة ترامب استطاعت خلال السنوات الأربع التي أمضتها في البيت الأبيض اتخاذ 472 إجراءً أو أمراً تنفيذياً حول الهجرة. ويصف المركز فترة حكم ترامب بأنها كانت الأنشط على صعيد فرض سياسات الهجرة وتغييرها من طريق إجراءات تركت أثرها وأحدثت تغييرات عميقة ودائمة، ومن بين تعديلات تقنية سياسات شاملة. 
ويورد التقرير أنه "رغم أن ترامب لم ينفذ خلال ولايته السابقة وعوده الأهم الخاصة بترحيل ملايين المهاجرين غير النظاميين، أو بناء جدار على طول 2000 ميل من الحدود مع المكسيك، لكن إدارته قيّدت بشكل كبير الحماية الإنسانية للمهاجرين، وزادت من إنفاذ القانون ما جعل الهجرة القانونية أكثر صعوبة وتعقيداً. ورغم الهشاشة النسبية للإجراءات التنفيذية مقارنة بالتشريعات ضمنت تحركات اتخذتها إدارة ترامب تأثيرات دائمة بنظام الهجرة في الولايات المتحدة بعد رحيل إدارته". 

تسوّق هاريس نفسها طرفاً يعمل لإصلاح نظام الهجرة (جو رايدل/ Getty)
تسوّق هاريس نفسها طرفاً يعمل لإصلاح نظام الهجرة (جو رايدل/ Getty)

ويتوقع أنه "في حال فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية مجدداً فإنه سيبني على ما فعلته إدارته السابقة، وقد يفرض تلك الأوامر التنفيذية تشريعياً في حال فوز الحزب الجمهوري بالغالبية في الكونغرس". وحتى إذا لم يحصل ذلك، يلفت التقرير إلى "عدد من الأمور الجوهرية والخطوات التي اتخذها ترامب وإدارته السابقة جرى اتباعها باعتبارها استراتيجيات أحدثت تغييرات على مستوى البرامج والمؤسسات والإرشادات الإدارية، وجعل ذلك الإدارة الديمقراطية التالية تتخبط في مواكبتها والتصدي لها". 

الولاية الأولى لترامب

يتحدث التقرير أيضاً عن أن "ترامب نجح في الفوز عام 2016 بعدما جعل قضية الهجرة والتخويف منها إحدى ركائز حملته الانتخابية، وهو ما يحاول أن يكرره الآن عبر إعادة تعميم آراء خاطئة حول الهجرة القانونية كانت قد فقدت مصداقيتها وشعبيتها بالماضي، وتفيد بأنها تهديد للاقتصاد والأمن القومي للولايات المتحدة، ما يجعل العداء للمهاجرين غير النظاميين والنظاميين متماثلين".  

وخلال فترة حكم ترامب جرى التضييق أيضاً على الهجرة القانونية، وزاد التشدد في تطبيق القانون، فانخفضت طلبات الحصول على الإقامة الدائمة (البطاقة الخضراء) بنسبة 17% في عام 2019، و22% في عام 2020 مقارنة بعام 2016، وهي السنة التي سبقت توليه الحكم. 
وتحاول حملة ترامب، من خلال عدد من الخطوات، بينها الإعلانات الانتخابية، تحميل كمالا هاريس مسؤولية الأعداد القياسية للمهاجرين الواصلين عبر على الحدود الجنوبية في السنة الأولى من انتخاب بايدن. 
وتطلق هذه الحملة لقب "قيصرة الحدود" على هاريس، رغم أنها لم تكن مسؤولة، باعتبارها نائبة للرئيس بايدن، عن قضايا الحدود، وتمحور دورها حول التعامل مع قضية الأسباب الجذرية لدخول أعداد كبيرة للمهاجرين عبر الحدود المكسيكية من أميركا الوسطى، والعمل لمعالجتها لمحاولة تخفيف هذه الهجرة. 
وتدرك هاريس أن قضية الهجرة تلعب دوراً محورياً لدى كثير من الأميركيين، وتحاول أن تظهر أن هدفها الرئيس هو إصلاح نظام الهجرة الذي يعاني من شوائب كثيرة، وفي الوقت ذاته أنها قيادية صارمة، وستؤمّن الحدود وتفتح المجال بشكل أكبر للهجرة القانونية، والتي لا يمكن للولايات المتحدة الاستغناء عنها. فبقدر ما يحتاج مهاجرون كثيرون إلى الانتقال لدول صناعية كبرى مثل الولايات المتحدة، تحتاج هذه الدول أيضاً إلى الكثير من هؤلاء المهاجرين كي تحافظ على تفوقها الاقتصادي وفي مجالات أخرى. 

المساهمون