امتحان بكين... انطلاق الألعاب الأولمبية الشتوية وسط كورونا

04 فبراير 2022
أحد حاملي الشعلة يتحدث مع إعلاميين (أندريا فيرديلي/ Getty)
+ الخط -

تنطلق اليوم، الجمعة، دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في العاصمة الصينية بكين وسط إجراءات مشددة، وفي ظل ظروف استثنائية بسبب تفشي فيروس كورونا الجديد. وعلى الرغم من أن الصين لا تعد ضمن قائمة الدول الخطرة قياساً لمعدل انتشار الفيروس وعدد الإصابات اليومية فيها، إلا أن السلطات المنظمة اتخذت تدابير أمنية غير مسبوقة في تاريخ الألعاب الأولمبية، حيث تنظم الدورة الرابعة والعشرين من البطولة التي تستمرّ حتى العشرين من فبراير/ شباط الجاري في فقاعة تُعرف بـ"الحلقة المغلقة"، وتهدف إلى عزل المشاركين تماماً عن السكان المحليين وبقية أماكن العاصمة، كإجراء احترازي لمنع تسلل العدوى وخصوصاً بعد ظهور حالات إصابة ضمن صفوف الوفود المشاركة. ولن يكون بإمكان الجمهور المحلي حضور المنافسات في الميدان، وسيقتصر ذلك على عدد قليل مختار بعناية من قبل الجهة المنظمة، فضلاً عن عدم السماح للمتفرجين الدوليين بدخول البلاد لتشجيع منتخباتهم. وأعلن منظّمون أنه من المتوقع دعوة نحو 150 ألف متفرج لحضور الفعاليات في اثنين من مجمعات الملاعب الثلاثة.   

فقاعة أولمبية 
وفتحت الفقاعة الأولمبية أبوابها أمام الوفود المشاركة (ما يقرب من 1700 رياضي ومسؤول وصحافي قادمين من 44 دولة ومنطقة)، في التاسع والعشرين من يناير/ كانون الثاني الماضي، وتضم في داخلها ثلاث قرى أولمبية: اثنتان في العاصمة بكين وواحدة في مدينة تشانغجياكو المجاورة، يصل بينهما قطار فائق السرعة مصمم خصيصاً لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية بسرعة قصوى تصل إلى 350 كيلومتراً في الساعة. وفي مدينة بكين البالغ عدد سكانها 23 مليون نسمة، تقسّم الملاعب الرياضية المخصصة للبطولة بين الحي الأولمبي الذي استضاف دورة الألعاب الأولمبية عام 2008 ويضم الملعب الأشهر "عش الطائر" الذي يتسع لـ80 ألف متفرج، بالإضافة إلى المكعب المائي الذي يستضيف منافسات السباحة، وحي يانتشينغ الذي يبعد 75 كيلومتراً عن وسط المدينة ويضم حلبات التزلج المغلقة. أما مدينة تشانغجياكو الصغيرة الواقعة بمقاطعة خبي التي تبعد نحو 180 كيلومتراً شمال غرب بكين، فتضم المركز الوطني للتزلج المفتوح عبر الضواحي، والذي سيستضيف منافسات التزلج الحر على الجليد.

إجراءات مشددة
تضم القرى الأولمبية 680 مرفقاً و82 فندقاً، بالإضافة إلى مركز إعلامي خاص للصحافيين. إلا أن العمل والحركة داخل هذه المرافق يخضعان لتدابير أمنية مشددة، إذ يمنع المشاركون والوفود المرافقة من مغادرة المكان المحاط بسياج أمني مجهز بأحدث كاميرات المراقبة. ويتوجب على جميع الأفراد إجراء اختبار كوفيد-19 كل 24 ساعة، ومن تثبت إصابته يُنقل على الفور إلى فندق مخصص للحجر الصحي، ولا يستطيع المغادرة إلا بعد تقديم اختبارين بنتيجة سالبة خلال 24 ساعة.

الصين (يانغ بو/ Getty)
بعض من الزينة الخاصة بالألعاب الأولمبية الشتوية (يانغ بو/ Getty)

وكانت لجان أولمبية دولية قد حذرت وفودها من عدم اصطحاب أجهزتها الإلكترونية، مثل الهاتف المحمول وأجهزة الكومبيوتر، إلى الصين بسبب مخاوف تتعلق بالأمن السيبراني. وأشارت الشركة الكندية "سيتيزن لاب" المتخصصة في هذا المجال إلى أن السلطات الصينية تستطيع من خلال إجبار المشاركين في البطولة على تنزيل تطبيق (ماي 2022)، الذي أنشأته اللجنة المنظمة في بكين، على هواتفهم، أن تخترق شبكات الهاتف المحمول وتتجسس على المكالمات الهاتفية، وهي اتهامات رفضتها بكين وقالت إنها تفتقر إلى الأدلة وليست سوى محاولة لتشويه صورة الصين في الخارج، وأوضحت أن التطبيق يهدف فقط إلى تتبع الحالة الصحية للوفود، وهو شبيه بتطبيق آخر يستخدمه جميع الصينيين منذ ظهور الوباء قبل عامين.

تذمر السكان
أدت الإجراءات المشددة وسياسة صفر كوفيد-19 التي تتبعها السلطات الصينية منذ أشهر، إلى غضب شعبي نتيجة عدم تمكن مئات الآلاف من العمال المهاجرين في العاصمة بكين من العودة إلى بلداتهم وقراهم أثناء عطلة رأس السنة الصينية التي بدأت وفق التقويم القمري في اليوم الواحد والثلاثين من يناير/ كانون الثاني الماضي، وتستمر حتى السابع من فبراير/ شباط، وهي واحدة من أهم العطلات الرسمية في البلاد وخصوصاً بالنسبة للعمال الذين لا يجتمعون مع أسرهم إلا مرة واحدة في العام. 
وبحسب نشرة العمل الصينية (CLB)، وهي منظمة غير حكومية تعنى بشؤون العمالة في الصين ومقرها في هونغ كونغ، فإن أكثر من 78 في المائة من العمال الريفيين في بكين لم يتمكنوا من العودة إلى قراهم أثناء أعياد رأس السنة الصينية.

الصين (زانغ خين/ Getty)
يبدو مستعداً للحدث (زانغ خين/ Getty)

وكانت الحكومة قد حثت سكان العاصمة على عدم مغادرة بيوتهم في الإجازة خوفاً من انتشار الفيروس نتيجة التزاحم الشديد أثناء الرحلات الداخلية المليونية، وقد اشترطت بعض السلطات المحلية في مقاطعات أخرى إخضاع العائدين من المدينة التي تستضيف الأولمبياد لحجر صحي يصل إلى 21 يوماً، وكذلك الأمر بالنسبة للعودة بعد الإجازة، ما تسبب بحالة من الخوف لأن ذلك قد يتسبب في فقدان عدد كبير من العمال والموظفين وظائفهم.
ويقول جيان لو بينغ (38 عاماً)، وهو عامل في أحد المتاجر في العاصمة بكين: "إنّها المرة الأولى التي لا أعود فيها إلى أسرتي خلال إجازة رأس السنة"، يضيف: "عائلتي تقيم في مقاطعة غوانغ دونغ الجنوبية، وقد أبلغت السلطات بأن من يعود من بكين سيخضع للحجر الصحي لمدة أسبوعين في الفندق، وأسبوع في المنزل، بينما لا تتجاوز مدة الإجازة 10 أيام. لذلك، فضلت البقاء كي لا أخسر عملي"، ويوضح في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "عدد الإصابات اليومية في البلاد يكاد لا يذكر مقارنة بدول أخرى. مع ذلك، فإن الناس في تلك الدول تمارس حياتها بشكل طبيعي وقد وصلت إلى درجة من التعايش مع الوباء، بينما نواجه العديد من الإجراءات المشددة تصل إلى حد إغلاق وعزل المدن وفرض الحجر الصحي على ملايين السكان، فضلاً عن اختبارات كوفيد-19 شبه اليومية".
من جهتها، تقول آي شياو، وهي فتاة تقيم بمحيط القرية الأولمبية: "كنا نعد الأشهر والأيام والساعات بانتظار انطلاق فعاليات البطولة لمشاهدة الأبطال العالميين من مختلف البلدان، لكننا صدمنا أخيراً بأن التذاكر غير متاحة للعامة. وهناك عدد محدد من الناس فقط يستطيعون حضور المنافسات، وذلك ضمن إجراءات احترازية اتخذتها اللجنة المنظمة"، تضيف في حديث لـ"العربي الجديد": "من المؤسف أن الأمر لم يقف عند هذا الحد. فقد فوجئنا بفرض قيود على حركة السكان في المنطقة، وقد أغلقت بعض الأحياء لأن القطار السريع الذي يربط القرى الأولمبية بعضها ببعض يمر من خلالها". 

الصين (آرتيوم إيفانوف/ Getty)
قليل من الصور ما قبل الافتتاح الرسمي (آرتيوم إيفانوف/ Getty)

عكس التيار
من جهته، يقول الناشط الحقوقي المقيم في هونغ كونغ جيانغ براون، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن "الصين كانت تريد تنظيم البطولة تحت أي ظرف وبأي ثمن، وذلك لسببين: الأول رغبة بكين في استثمار هذا الحدث العالمي من أجل تحسين صورتها التي تآكلت في الخارج بسبب تحميلها المسؤولية عن تفشي الوباء في العالم بعد ظهوره لأول مرة في مدينة ووهان الصينية قبل عامين، وبالتالي هي رسالة إلى العالم بأنها أول الدول التي تعافت من الوباء بفضل السياسات والإجراءات الصارمة التي اتخذها الحزب الشيوعي الصيني. أما السبب الثاني، فهو تحد خاص للولايات المتحدة وحلفائها. ودعت واشنطن قبل أشهر من انطلاق البطولة إلى مقاطعة دبلوماسية للأولمبياد بسبب سجل الصين في حقوق الإنسان، وتواترت آنذاك تقارير عن قمع الأقليات المسلمة في إقليم شينجيانغ، وكذلك قضية لاعبة كرة المضرب الصينية بينغ شواي، التي أثارت ضجة عالمية عندما نشرت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، رسالة قالت فيها إنها أجبرت على ممارسة الجنس مع مسؤول كبير في الحزب الشيوعي خلال علاقة متقطعة، قبل أن تحذف رسالتها في وقت لاحق".

ويشير جيانغ براون إلى أن سياسة صفر كوفيد-19 التي أطلقتها الحكومة الصينية في العام الماضي كانت محددة منذ البداية بسقف زمني هو موعد انطلاق الأولمبياد، ولكن من سوء حظ الصين ظهور موجات جديدة من الوباء في الخارج، وكذلك متحورات للفيروس تسلل بعضها إلى الصين مع بدء العد التنازلي لبدء الحدث الأولمبي. ويلفت براون إلى أن أي دولة أخرى كان يمكن أن تؤجل الحدث إلى وقت لاحق، لكن السلطات الصينية أصرت على الالتزام بالموعد المحدد، وأنشأت من أجل ذلك فقاعة معزولة عن العالم الخارجي، في حدث استثنائي بدت فيه وكأنها تبحر عكس التيار. 
يضيف أن جميع هذه العوامل جعلت الدورة الحالية تأخذ طابعاً سياسياً، لافتاً إلى أن مشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى جانب نظيره الصيني شي جينغ بينغ في مقدمة الحضور الرسمي، لا علاقة لها بالزخم الرياضي والمجاملات الدبلوماسية، ولا يمكن تفسيرها إلا في إطار الرسائل التي يبعثها التحالف الروسي - الصيني المضاد للقطب الأميركي، في ظل تأزم الوضع شرق القارة الأوروبية، في إشارة إلى الأزمة الأوكرانية، والتوترات التي يشهدها مضيق تايوان ومنطقة بحر جنوب الصين.

المساهمون