بعدما أجبر وباء كورونا الجميع على اتباع شروط جديدة تتعلق بالصحة الشخصية والتباعد الاجتماعي، وحرم الطلاب نحو موسمين من التعليم الوجاهي، رحّب أردنيون كثيرون بفتح النوادي الصيفية التي تهتم بالصغار، وتفسح في المجال أمام اكتسابهم مهارات رياضية وفنية، وتعزز قدراتهم في بعض المواد الدراسية.
يدرك الأهالي أهمية إشراك أبنائهم في النوادي الصيفية، خاصة بعد البشائر التي أطلقتها الحكومة أخيراً في شأن استئناف التعليم الوجاهي في المدارس العام المقبل، بالتزامن مع إطلاق حملة واسعة لتلقيح المعلمين. وبادرت العائلات ميسورة الحال إلى تسجيل أبنائها في النوادي الصيفية، في حين يمنع ضيق ذات اليد أخرى من فعل ذلك، وتأمل بأن تخصص الجهات الرسمية المعنية مراكز ونوادي لتنمية أطفالها أيضاً.
تقول ميساء محمد الموظفة والأم لطفلين في السادسة والثامنة من العمر لـ "العربي الجديد": "سجلت ولديّ في نادٍ صيفي، لأنهما يحتاجان إلى رعاية وتنفيذ نشاطات مختلفة خلال فترة الفراغ الطويلة التي تترافق أيضاً مع عودتي إلى الانتظام في العمل، إثر الدوام المرن الذي اعتمد خلال جائحة كورونا". وتتابع: "بالتأكيد افتقد طفلاي ممارسة النشاطات المفيدة والتركيز على التحصيل العلمي خلال الفترة الماضية، في ظل تلقيهما الدروس عن بعد، لكنني آمل جداً بأن يساعدهما النادي الصيفي على الاهتمام بالدراسة مجدداً، والاعتياد على أجواء المدرسة التي انقطعوا عنها مدة غير قصيرة، خاصة أن النادي الصيفي سيُخصص يومين لتعزيز المهارات وحصص الترفيه، وثلاثة أيام لتقوية القدرات في المواد التعليمية". توضح أن عملها مع زوجها يسمح بتسديدهما رسوم النادي الصيفي، رغم أنه يؤثر على ميزانية الأسرة "لكننا نعتبر أن إرسال ولدينا إلى هذا النادي يمثل استثماراً بعيد الأمد لهما".
من جهتها، تبلغ ربّة المنزل فاطمة العبادي، الأم لثلاثة أطفال، "العربي الجديد"، أنها تدرك أهمية النوادي الصيفية بالنسبة إلى الأطفال، خاصة بعد انقطاع نحو عامين عن الدراسة الوجاهية. لكن الكلفة المادية تمنعها من تسجيلهم فيها. وتبدي اعتقادها بأن "وزارة التربية يجب أن تفتح نوادي صيفية في المدارس الحكومة، لتعويض بعض سلبيات الانقطاع عن الدراسة الوجاهية".
تعويض ما فات
ترى أستاذة علم النفس التربوي الدكتورة خولة القدومي، في حديثها لـ "العربي الجديد"، أن "إلحاق الأطفال بالنوادي الصيفية فكرة ممتازة جداً لتعويض المعاناة النفسية والجسدية التي عايشوها خلال نحو عامين من الانقطاع عن الدراسة الوجاهية بسبب جائحة كورونا. كما يجب تعويض النقص في التعليم الذي حرموا منه بسبب الجائحة التي حتمت تلقيهم الدروس عن بعد. وحسب ما عاينت وشاهدت لم يتابع أطفال كثيرون منصات التعليم الإلكتروني، وانشغلوا بأشياء أخرى، وكانوا غير جدّيين في تلقي الدروس، خاصة أولئك الذي يتعلمون في مدارس حكومية، في حين أظهرت المدارس الخاصة اهتماماً أكبر بمتابعة الطلاب والاهتمام بهم، ومراقبة المعلمين".
وأكدت القدومي ضرورة توفير النوادي الصيفية بيئة آمنة تتجنب استخدام ألعاب خطرة، مع مراقبة الطلاب في شكل مستمر والإشراف عليهم عبر وضع برامج مفيدة لهم ولا تهدر وقتهم، وتنويع النشاطات البدنية والموسيقية والترفيهية، إلى جانب متابعة المسار التعليمي لإكسابهم منافع وفوائد كبيرة. وتوضح أن "النشاطات الرياضية مهمّة للطلاب ولتقوية أجسامهم، خاصة أن كثيرين اعتادوا على الجلوس خلف أجهزة الكومبيوتر والهواتف الذكية أكثر من عام ونصف العام، وزادت أوزانهم وتقلصت حركتهم، وباتوا كسولين، ما يدفع الأهالي اليوم إلى تسجيلهم في النوادي الصيفية لتعويض ما فات".
وتطالب القدومي بإدارة معلمين ومعلمات مميزين هذه النوادي الصيفية، وأن يتابع الأهالي النشاطات التي يمارسها أطفالهم فيها وطبيعتها. "من هنا ضرورة أن تكون هذه النشاطات مفتوحة لمراقبة الأهل أبنائهم من بعد، ومشاهدتهم كيفية ممارستهم لها وتفاعلهم مع زملائهم عبر وسائل الاتصال الحديثة، وكاميرات المراقبة المربوطة بهواتف ذكية". كذلك أكّدت القدومي أهمية ألا تتفاوت الأعمار كثيراً بين الطلاب في النوادي الصيفية، "كي لا يتنمّر الطلاب الأكبر سناً على الصغار، ما يعني تجنب جمع طفل في السابعة من العمر مع آخر في الـ 13 من العمر. كما يجب أن تتوزع النشاطات بحسب الفئات العمرية".
وتحدثت القدومي أيضاً عن "ضرورة فتح المدارس الحكومية وإطلاق نشاطات النوادي الصيفية فيها، بعد نحو عامين من إغلاقها، خاصة أن أهالي كثيرين لا يملكون القدرة على دفع رسم يناهز 70 ديناراً (نحو 100 دولار) عن الطفل الواحد". واقترحت منح بعض المعلمين مكافآت مقبولة، في مقابل انضمام أطفال مجاناً لهذه النوادي، بدلاً من الجلوس في الشوارع، علماً أن غالبية المناطق تضم مدارس حكومية. وشددت على أهمية النوادي الصيفية في تعويض ما فوته الطلاب خلال جائحة كورونا، والفوارق في التعليم التي أوجدتها الجائحة بين الطلاب، وصولاً إلى حدّ مواجهة بعضهم عجزاً تعليمياً في بعض الحالات. والفوارق في التعليم تشمل خصوصاً الطلاب في الصفوف من الأول إلى السادس ابتدائي الذين أهدروا دروساً كثيرة، علماً أن بعضهم يعانون من عدم إتقان مهارات القراءة والكتابة والحساب، وهي مهارات أساسية يحتاجونها.