على مدى السنوات الماضية، حاول النظام السوري التلاعب بأهالي القتلى والمختفين قسراً، من خلال التكتّم على مصائرهم ورفضه إعطاء شهادات وفاة لذوي القتلى، الأمر الذي أدى إلى عدم إنجاز الكثير من المعاملات، علماً أن معاملات حصر الإرث معلقة، يضاف إلى ذلك الأذى النفسي الذي ينتج عن هذا التلاعب الذي تشرف عليه أجهزة أمن الدولة والاستخبارات، وقد أصبحت المتحكّم الوحيد بمصائر السوريين.
وتُفيد "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" بأنّ النظام امتنع عن إعطاء شهادات الوفاة لذوي الضحايا إلا في حالات قليلة واستثنائية، من دون الاكتراث للمعاناة الإضافية التي سيتسبب بها لذوي القتيل الذي لم يكتف النظام بقتله، بل لاحقه حتى بعد وفاته.
وجاء في التقرير أنّ النظام تسبب بمعاناة طويلة لأهالي القتلى، نظراً لما يترتّب على اختفاء الشخص من تداعيات على زوجته وأبنائه وأشقائه، ويمكن إيجاز جانب من تلك المعاناة في ضرورة استخراج "وثيقة حصر الإرث" للمتوفى للتصرف بأملاكه، وإمكانية حصول زوجة الموظف المتوفى وأطفاله على الراتب التقاعدي، وتمكن الزوجة من طلب تعيينها وصية على أولادها القصر من قبل القاضي الشرعي ليتاح لها استخراج جوازات سفر لهم والحصول على تأشيرة السفر. كما أنّ عدم تسجيل واقعة الوفاة حرم الزوجات من الزواج ثانية، بالإضافة إلى عدد من الآثار الاجتماعية والحقوقية والقانونية.
ويوضح التقرير أن النظام استخدم ثلاثة أساليب لتسجيل وتثبيت وفاة بعض المواطنين الذين قتلوا خارج نطاق القانون على خلفية النزاع المسلح الداخلي؛ الأول ضحايا القتل الذين لم يتمكنوا حتى الآن من الحصول على شهادة وفاة حتى وإن كانت لا تذكر سبب القتل ومن قام به، أو تذكر سبباً آخر خوفاً من التداعيات الأمنية على الأهالي الذين يكونون بأمس الحاجة إليها.
والثاني ضحايا الاعتقال التعسفي، إذ اعتقل النظام السوري وبقية أطراف النزاع ما لا يقل عن 154393 شخصاً، بحسب التقرير، وتحول 111907 إلى مختفين قسراً. أضاف أنه خلال سنوات الاعتقال، يتعرض المعتقل لأبشع أساليب التعذيب، ما تسبب في مقتل 14464 تحت التعذيب. ولم يسجل آلاف الأشخاص الذين قتلوا في مثل هذه الظروف على أنهم متوفون ضمن دوائر الدولة الرسمية. كما أن مصير 95696 مختفياً قسرياً ما زال مجهولاً حتى الآن. أما الثالث فيتعلق بإعلان وفاة الأشخاص المفقودين، وذلك عبر دعاوى تسجيل الوفاة بعد انقضاء أربع سنوات على فقدان الشخص.
وأشار إلى أن النظام أصدر في أغسطس/ آب الجاري تعميماً حمل رقم 22، قضى بتحديد إجراءات حول سير الدعاوى الخاصة بتثبيت الوفاة ضمن المحاكم الشرعية. وتضمن التعميم خمسة أدلة يجب التأكد من توفرها من قبل القضاة ذوي الاختصاص في الدعاوى الخاصة بتثبيت الوفاة، كما أوجب على جميع المحاكم ذات الاختصاص بقضايا تثبيت الوفاة التقيد بما ورد في التعميم.
وبحسب التقرير، فإن هناك خمسة تجاوزات دستورية وقانونية ونتائج تترتب على هذا التعميم، أبرزها أن هذا التعميم الجديد يخالف أحكام قانون الأحوال المدنية رقم 13 لعام 2021 الذي نص على أحكام الوفيات بالمواد 35-43 منه، ولم ترد في هذه المواد أي شروط أو قيود أو موافقات لتثبيت الوفاة. كما اعتبره تدخلاً سافراً في عمل السلطة القضائية، التي نص الدستور السوري الحالي على استقلاليتها، لأن القاضي هو صاحب القرار في طلب أي وثيقة أو بيان أو موافقة ولا يجوز فرض الشروط والقيود عليه. ويتضمن انتهاكاً لمبدأ فصل السلطات واستقلال القضاء، الذي تحميه المادة 132 من الدستور الحالي الذي وضعه النظام السوري.
وخلص إلى أنّ هذا التعميم الجديد يثبت أن النظام السوري مستمر في إصدار التشريعات والقوانين والمراسيم التي تنتهك أبسط حقوق المواطن السوري. كما أنه يفتح الباب أمام ذوي الضحايا لإعلان وفاة أبنائهم، إلا أن ذلك يتم بإشراف ومراقبة الأجهزة الأمنية، وعبر ذكر سبب غير حقيقي للوفاة، بالتالي يستحيل إعطاء شهادة وفاة مذكور فيها أن النظام السوري اعتقل أحد الضحايا ومات بسبب التعذيب داخل مراكز الاحتجاز التابعة له، أو أن أحد الضحايا قتل بسبب قصف النظام السوري بالبراميل المتفجرة أو الأسلحة الكيميائية.
ويقول مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني لـ"العربي الجديد"، إن التقرير الذي صدر جاء على خلفية التعميم الذي أصدره النظام أخيراً بخصوص تسجيل الوفيات، ويسلط الضوء على شريحة كبيرة من السوريين، وهم الذين قتلوا على يد قوات النظام. فالتعميم يطالب الأهالي بتثبيت الوفيات، لكن الأهالي لن يتمكنوا من ذكر الأسباب الحقيقية للوفيات لأن عملية التسجيل تمرّ عبر أجهزته الأمنية المختلفة، ما يضع الأهالي تحت ضغط كبير، تضاف إلى ذلك معاناة الفقدان، مع الإشارة إلى أن كثيرين ما زالوا مفقودين وما من معلومات عمّا إذا كانوا قد توفوا أو ما زالوا على قيد الحياة.