المهاجرون المفقودون... معاناة الأمهات مستمرة في تونس

08 مايو 2021
خلال أحد احتجاجات عائلات المفقودين (العربي الجديد)
+ الخط -

تعيش أمهات المهاجرين السريين المفقودين في إيطاليا في انتظار أي خبر، وإن لم يكن ساراً. المهم أن يحمل إليهم الحقيقة ويكشف لغز اختفاء أبنائهن. معاناة هؤلاء الأمهات كبيرة. تراهن يبكين على أبنائهن الذين لا هم في عداد الواصلين إلى البلدان المنشودة، ولا هم ضمن العائدين إلى الديار. كُتب على أمهات المفقودين الانتظار والتألم بصمت. وتناضل كثيرات من أجل معرفة الحقيقة. بعضهن لم يعد يبالي بسنوات الانتظار الطويلة، فهي مجرد أرقام بالنسبة لأمهات المفقودين اللواتي لم يستسلمن يوماً. 
يحلو للخمسينية ليلى عكيك أن نناديها أم يوسف، وهو اسم ابنها المفقود والبالغ 29 عاماً من العمر، والذي فقد في 31 يوليو/ تموز 2020. تقول لـ"العربي الجديد" إنها لم ولن تيأس إلى حين كشف الحقيقة. سواء أكان ابنها حياً أم ميتاً، تريد معرفة مصيره، وماذا حصل في رحلة اللاعودة. تضيف أن ابنها مفقود، فلا هو من الناجين ولا هو من الغرقى. وتشير إلى أنه تم العثور على جثة ابن عمته الذي رافقه في الرحلة نفسها، لكن بقي مصير ابنها لغزاً. تضيف أنها سترضى بالقضاء وبالقدر، لكن لا بد من معرفة إن كان ابنها ضمن الأحياء أو الموتى. شاركت في العديد من الوقفات الاحتجاجية، وأجرت اتصالات عدة للمطالبة بإرسال التحليل الجيني (الفحص الجيني) للعائلة إلى إيطاليا، لمعرفة إن كان يتطابق مع إحدى الجثث مجهولة الهوية هناك. فإن كانت جثة ابنها في إيطاليا، يجب أن يدفن في تونس، وإن كان حياً فستظهر الحقيقة، لكن للأسف الدولة لا تُحرّك ساكناً.
وعمدت عكيك إلى رسم صورة ابنها وابن عمته المتوفى على جدار منزلها مع كتابة بعض العبارات المؤثرة، لتكون عبرة للشباب والمسؤولين، وحتى لا تموت القضية، ولتحكي معاناة أمهات المفقودين. تضيف أن قصة ابنها يوسف تشبه عشرات قصص الشباب ممن حلموا بغد أفضل، وكان مصيرهم مجهولاً. بالتالي، لا بد من معالجة أسباب الهجرة ومشاكل الشباب وفتح ملف المفقودين. وطالما أن هذا الملف لم يقفل، فإن وجع الأمهات لا يخمد ولا يمكنهن نسيان ما حصل لأبنائهن، مشيرة إلى أن مجرد كلمة بحر كفيلة بجعلها تحزن. 

مأساة عكيك أضافت إلى عمرها 20 عاماً، وقلبت حياتها رأساً على عقب. غيرت المنطقة التي كانت تسكنها وحولت حزنها إلى كفاح مستمر لإيصال صوت الأمهات وإجبار السلطات على إيقاف هذا النزيف. تدرك أن الإمكانيات والجهود بسيطة وقد لا تغير الواقع، لكن هذا لا يعني الاستسلام. فقصة يوسف هي قصة العديد من الشباب المفقودين، مشيرة إلى أن عجز الدولة لا يعني الاستسلام، ويجب وقف نزيف هذا الموت الجارف الذي يلتهم الشباب التونسيين سنوياً، فيموت أو يفقد العديد منهم. تقول إنه يجب الوصول إلى حلول جذرية للمشكلة، مؤكدة أنه لم يعد مسموحاً للأمهات أن يعانين. ربما ليست هناك عصا سحرية للتغيير، لكن رسالتهن هي لكل إنسان قد يجد نفسه يوماً في مكانهن. بالتالي، لا يجب انتظار غرق وموت عشرات الشباب للتحرك. يجب أن تأتي الحلول قبل الكارثة.
من جهتها، ترى منيرة بن شقرة، وهي أم شاب فقد منذ سبتمبر/ أيلول عام 2010، أن مرور 10 سنوات، وحتى 20 سنة، لا يعني استسلام الأمهات وفقدان الأمل في معرفة الحقيقة وما حصل لأبنائهن. وتقول إن ابنها حاصل على شهادة جامعية، وليس من محدودي العلم كما يروج عن المهاجرين السريين، لافتة إلى أن الهجرة السرية تشمل جميع الفئات والمستويات التعليمية. وتوضح أنها سافرت 31 مرة إلى إيطاليا وعلى نفقتها الخاصة بحثاً عن أي معلومات حول هذا الملف، وخصوصاً أن المركب الذي كان يقل ابنها وصل إلى السواحل الإيطالية، لكنها في كل مرة تعود خائبة. تضيف أن العديد من الجمعيات هناك، والتي تتدعي مناصرتها  للمهاجرين، لم تقدم شيئاً، بل إن بعضها يتاجر بآلامهن.   

الصورة
احتجاجات أمهات المفقودين في تونس (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

وتلفت إلى أن الدولة التونسية لا تريد فتح هذا الملف. وعلى الرغم من وعود العديد من المسؤولين ممن تعاقبوا على الحكم، لا جدية في التعامل مع قضية المفقودين. وقد تقدمت منذ 8 أشهر بطلب للقاء وزير الخارجية، لكن لم يتم تحديد موعد لها.
أسست بن شقرة جمعية "المصير لشباب المتوسط" لإعلاء صوت هذه القضية. كما دعت إلى تكوين تنسيقية تجمع الجمعيات المهتمة بملف الهجرة، وزارت العديد من الأمهات من بنزرت، شمالي تونس، إلى جنوب البلاد، مؤكدة أن جميعهن يتشاركن المعاناة نفسها.  
ولم تتوقف مساعي بن شقرة عند هذا الحد، بل توجهت إلى الجزائر والمغرب وتواصلت مع أمهات المفقودين هناك، مؤكدة أن هناك مراكب هاجر فيها تونسيون ومغاربة وجزائريون ولا أخبار عنهم. تضيف أن معاناة الأمهات في المغرب العربي  واحدة والوجع مشترك، كما أن لغز المفقودين مستمر، الأمر الذي جعل أمهات المفقودين يأتين من الجزائر والمغرب إلى تونس لتبادل التجارب ومشاركة أمهات المفقودين في الوقفات الاحتجاجية.
وتلفت إلى أن تحركاتهن ستتواصل، وقد نوين الاعتصام والإضراب عن الطعام بعد شهر رمضان. وأكدت أن الإضراب سيستمر إلى حين الاستماع لهن وتحرك السلطات في هذا الملف.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

إلى ذلك، يقول رئيس جمعية الأرض للجميع عماد السلطاني إن أعداد المفقودين في تزايد مستمر، موضحاً أن  وزارة الخارجية أحصت في العام 2011 نحو 504 مفقودين، استناداً إلى عدد العائلات التي بلغت حينها عن فقدان أبنائها. لكن الرقم الحقيقي أكبر بكثير، ويقدر بنحو 1500 مفقود في تلك الفترة، مشيراً إلى أن هذا الرقم يضاف إليه سنوياً مئات المفقودين.
ويقول السلطاني إن المطلوب هو وقف هذا النزيف وألا يكون المتوسط مقبرة جماعية للشباب وبالتالي إعطاء شرعية للموت، فسياسة قمع الهجرة والمعالجة الأمنية لن تعطي نتيجة في وضع حد للهجرة السرية، والدليل أنها إلى تزايد. 
يضيف أن إغلاق الحدود ومنع المهاجرين من السفر بطرق منظمة كلاهما حل لن يوقف الهجرة السرية، وحان الوقت لتخفيف القيود على السفر لأن العديد من المهاجرين سيغيرون نظرتهم عندما يسافرون ويكتشفون أن أوروبا ليست الجنة الموعودة، وسيعود كثيرون خائبين باعتبار أن البطالة تتفاقم في أوروبا أيضاً. ويلفت إلى أنه من واجب الدولة أن تحمي شبابها وتحسن من شروط التفاوض مع الاتحاد الأوروبي وتعدل القوانين، "فالسفر إلى أوروبا حق مكفول بالدستور وبالمواثيق الدولية".

المساهمون