المغرب يسابق الزمن لتفعيل "العقوبات البديلة" لمواجهة اكتظاظ السجون

12 ديسمبر 2024
حارس خلف إحدى بوابات سجن القنيطرة بالمغرب، 31 أغسطس 2021 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تسعى وزارة العدل المغربية لتفعيل قانون "العقوبات البديلة" بحلول أغسطس 2025 لمواجهة الاكتظاظ في السجون، حيث بلغت نسبة الاكتظاظ 159%، مما يؤثر سلباً على حقوق السجناء وظروفهم المعيشية.
- يتضمن القانون تدابير مثل العمل للمنفعة العامة والمراقبة الإلكترونية، ويستهدف الجنح التي تقل مدة السجن فيها عن خمس سنوات، مع مراعاة بساطة الجريمة وموافقة المحكوم عليه.
- يشدد الخبراء على أهمية إشراك المنظمات الحقوقية لضمان فعالية القانون وتجنب أن يكون حبراً على ورق.

تُسابق وزارة العدل المغربية الزمن من أجل تفعيل قانون "العقوبات البديلة"، الذي تراهن عليه حلا لمعضلة الاكتظاظ داخل سجون المغرب وحماية المعتقلين من سلبيات السجن من جهة، ومواكبة التطورات التي يشهدها العالم في مجال الحقوق والحريات العامة من جهة أخرى. وفي السياق، حدّد وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي، خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين (الغرفة الثانية البرلمان المغربي) أول أمس الثلاثاء، شهر أغسطس/ آب المقبل، موعداً لتفعيل القانون المتعلق بالعقوبات البديلة. ولفت الوزير المغربي إلى أن تفعيل قانون العقوبات البديلة سيبدأ اعتبارا من أغسطس/ آب 2025، وأنه بحاجة إلى العديد من الإجراءات الإدارية بهدف الشروع في تنفيذه دون صعوبات، مؤكدا أن جميع الإجراءات المتعلق بهذا القانون ستكون جاهزة في مايو/ أيار المقبل.

وكان قانون العقوبات البديلة قد دخل حيّز التنفيذ في 22 أغسطس/ آب الماضي، بعدما نشر بالجريدة الرسمية، إلا أن تفعيله يحتاج إلى قرارات ومراسيم، بالإضافة إلى تنسيق بين القطاعات لتفعيل مقتضياته والإعداد لها. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مرت الحكومة المغربية إلى السرعة القصوى من أجل تنزيله، وذلك من خلال تشكيل لجنة للقيادة ولجان فرعية لدراسة الإشكاليات التقنية والعملية المرتبطة بقانون العقوبات البديلة. ويأتي ذلك في وقت حذّر فيه تقرير حقوقي حديث من تداعيات معضلة الاكتظاظ بالسجون المغربية على حقوق السجناء بعد أن أصبح معدل الاكتظاظ وفق تقارير رسمية يقدر بـ159% ومتوسط المساحة المخصصة لكل سجين 1.74 متر مربع.

ونبه تقرير أصدره "المرصد المغربي للسجون" (غير حكومي) برسم سنة 2023 إلى أن الاكتظاظ بالمؤسسات السجنية "بلغ مستوى خطيرا وجعل المندوبية العامة لإدارة السجون تدقّ ناقوس الخطر، حيث بلغ عدد الساكنة السجنية 102 ألف و653 سجينا وسجينة سنة 2023، ضمنهم 38552 سجناء احتياطيون، وتشكل الفئة العمرية من 18 إلى 30 سنة حوالي 50%".

اكتظاظ سجون المغرب

وقال المرصد، في التقرير المنشور نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إن "واقع الاكتظاظ بسجون المغرب يحول حياة السجناء إلى جحيم ويكدسهم كسلعة وليس كبشر يجب أن توفر لهم الكرامة الإنسانية بغض النظر عما ارتكبوه في حق المجتمع من مخالفة منهم للقانون الذي ينظم حياة الناس".

وعلى الرغم من تحسن ظروف الإقامة والخدمات اللوجستية وبرامج التأهيل داخل سجون المغرب خلال السنوات الأخيرة، فإن الارتفاع القياسي في عدد السجناء يطرح تحديات على مسؤولي إدارتها في البلاد في ما يخص تطبيق سياسة إعادة الدمج والحفاظ على كرامة السجين. كما يثير الاكتظاظ أكثر من علامة استفهام عن الأسباب الكامنة وراءه.

ويرى رئيس "الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان" (تنظيم حقوقي مستقل) محمد رشيد الشريعي، أنه بالرغم من إيجابية قانون العقوبات البديلة وأثره على الاكتظاظ في المؤسسات السجنية، إلا أنه يسجل غياب إشراك للمنظمات الحقوقية والجمعيات المهتمة في إبداء ملاحظاتها حول المشروع. ولفت في حديث مع "العربي الجديد" اليوم الخميس، إلى أنه "بالنظر إلى ما تعرفه المؤسسات السجنية من ارتفاع عدد سكانها وما ينجم عن ذلك من مشاكل عدة ترهق ميزانية الدولة، وما تعيشه من إكراهات جراء إشكالات التطبيب والتغذية والنظافة والخلوة الشرعية، كان من الضروري إيجاد حلول لها، كما وجب التنزيل الحقيقي لمضامين القانون المنظم للسجون 23/98، سيما الشق المتعلق بالإفراج المقيد دون تعقيدات". وتابع: "تخوفنا هو أن يكون قانون العقوبات البديلة حبراً على ورق وينضاف إلى العديد من القوانين التي لم يتم التنزيل الحقيقي لها جراء تعقيدات في كيفية ذلك التنزيل"، مشددا على ضرورة وضع حد للتأويلات في تنزيل قانون العقوبات البديلة على أساس إعداد دورات تكوينية لكل الأطراف المعنية بالتنزيل، والتقيد بالقانون في أفق تطوير وتحديث باقي القوانين لتتماشى مع الدستور والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.

ويتضمن مشروع قانون العقوبات البديلة تدابير من قبيل العمل من أجل المنفعة العامة، والخضوع للمراقبة عبر السوار الإلكتروني، وتقييد بعض الحقوق. وتطبق هذه العقوبات في الجنح التي تقل مدة السجن فيها عن خمس سنوات. ويعرف القانون العقوبات البديلة بـ"العقوبات التي يحكم بها بديلا للعقوبات السالبة للحرية في الجرائم التي لا تتجاوز عقوبة المحكوم بها سنتين حبسا، وتخول للمحكوم عليه تنفيذ بعض الالتزامات المفروضة عليه في مقابل حريته، وفق شروط محكمة تراعي من جهة بساطة الجريمة، ومن جهة ثانية اشتراط موافقته".

وتتوزع تلك العقوبات بين أربعة أنواع: أولها العمل لأجل المنفعة العامة، وثانيها أداء مبلغ مالي تُحدده المحكمة عن كل يوم من المدة السجنية المحكوم بها، والتي لا تتجاوز في المقرر القضائي سنتين حبساً. وتتوزع الغرامة اليومية ما بين 100 و2000 درهم (10 و200 دولار) عن كل يوم من العقوبة الحبسية المحكوم بها، تقدرها المحكمة بحسب الإمكانات المادية للمحكوم عليه وخطورة الجريمة المرتكبة بالضرر المترتب عنها، ويمكن للأحداث أيضاً الاستفادة منها.

أما العقوبة الثالثة البديلة، فتتمثل في المراقبة الإلكترونية، والتي اعتبرها المشروع "من الوسائل المستحدثة في السياسة العقابية، ومن أهم ما أفرزه التقدم التكنولوجي الذي انعكس بدوره على السياسة العقابية في معظم الأنظمة العقابية المعاصرة التي أخذت به". وبالنسبة للعقوبة الرابعة، يقترح المشروع تقييد بعض الحقوق وفرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية في الحالات التي لا تتجاوز مدة العقوبة السالبة للحرية المحكوم بها سنتين حبسا.

المساهمون