المغرب: كابوس نقص المياه يقلق مئات الآلاف

04 يناير 2024
تزايد الجفاف في المغرب خلال السنوات الأخيرة (عبد الرحمن مختاري/ فرانس برس)
+ الخط -

حذر وزير التجهيز والماء في المغرب نزار بركة من مخاطر ندرة المياه والتوجه نحو سنة جافة جديدة في ظل تراجع كبير في الواردات المائية بفعل شح التساقطات المطرية الذي يهدد بعض المدن بانقطاع المياه وأبرزها تازة وسطات والشاوية والحسيمة.

وتراجعت معدلات الأمطار في مدن المغرب خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بنسبة 67 في المائة مقارنة بسنوات سابقة، وذلك بالتزامن مع ارتفاع درجة الحرارة التي تجاوز متوسطها السنوي 30 درجة مئوية، فيما بلغت مخزونات السدود عام 2023 ما يقدر بـ519 مليون متر مكعب من المياه مقارنة بمليار و50 مليون متر مكعب خلال السنة السابقة، بنسبة انخفاض تجاوزت 50 في المائة.

ووجه وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت، مراسلة إلى الولاة والعمال والسلطات المحلية، في 26 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، يؤكد فيها أن الجفاف أفضى إلى إضعاف قدرات إمدادات المياه بشكل خطير، وأن ندرة الأمطار والمعدل الحرج لملء السدود ينذران بأزمة مائية كبيرة، ما يستدعي تنفيذ إجراءات صارمة لترشيد استغلال الموارد المائية.
وتشمل أبرز الإجراءات التي تضمنتها خطة وزارة الداخلية لمواجهة النقص المائي منع سقي كافة المساحات الخضراء والحدائق العامة، أو تنظيف الطرق والأماكن العامة باستخدام المياه، أو ملء حمامات السباحة العامة والخاصة أكثر من مرة، إضافة إلى البحث عن مناطق التسرب في خطوط الأنابيب، وإعداد تقارير شهرية تتعلق بالكميات المفقودة، والإجراءات المنجزة، ومحاربة أشكال الغش في استغلال الموارد المائية، مثل الربط العشوائي.
ويُعتبر المغرب من بين البلدان التي تشهد "إجهاداً مائياً مرتفعاً"، جعله يحتل المركز الـ22 من بين 164 بلداً في هذا التصنيف، وفق تقرير صدر عن معهد الموارد العالمية في أغسطس/آب 2019.
وحسب تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (مؤسسة دستورية استشارية)، فإن الموارد المائية السنوية للفرد المغربي تقدر بأقل من 650 متراً مكعباً، مقارنة بـ2500 متر مكعب للفرد في سنة 1960، وتوقع التقرير أن تنخفض حصة الفرد عن 500 متر مكعب بحلول سنة 2030، مؤكداً أن الدراسات الدولية تشير إلى أن التغيرات المناخية يمكن أن تتسبب في اختفاء 80 في المائة من موارد المياه المتاحة في البلاد خلال الـ25 سنة المقبلة.
ويرى رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ، مصطفى بنرامل، أن الإجراءات المقترحة لمواجهة الإجهاد المائي تعد متأخرة بالنظر إلى كون الوضعية المائية الحالية كانت متوقعة منذ أواخر فصل الصيف الماضي، بناء على الدراسات وتتبع الوضعية المناخية، لكنها تظل مهمة، ومن شأنها أن تضع حدا لاستعمال مياه الشرب في سقي المساحات الخضراء والحدائق الكبرى، أو غسل السيارات وتنظيف الشوارع.

إهدار مياه الشرب ظاهرة في المغرب (فيليب لوبيز/فرانس برس)
إهدار مياه الشرب يتكرر في المغرب (فيليب لوبيز/فرانس برس)

ويوضح بنرامل لـ"العربي الجديد"، أن "مياه الشرب ينتظر أن تعرف خلال الأشهر المقبلة نقصاً كبيراً على مستوى كل الحواضر والقرى المغربية، ما يفرض على كل مواطن الأخذ بعين الاعتبار الوضعية المائية المقلقة، واتخاذ إجراءات تسهم في استعمال المياه حسب الحاجة. نحن أمام وضع حرج يحتم علينا كمواطنين الالتزام بإجراءات توفير المياه، كما تفرض على المسؤولين اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لمراقبة إهدار المياه في كل القطاعات، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بشأن المخالفين، مع ضرورة التوسع في مشاريع تحلية مياه البحر، ومعالجة المياه العادمة لاستعمالها في غسل الشوارع وسقي المناطق الخضراء، وتوجيه الاستثمارات نحو معالجة مشكلة توحل السدود، ووضع الخطط لصيانتها".
بدوره، يعتقد رئيس جمعية "بييزاج" البيئية بجهة سوس ماسة، رشيد فصيح، أن "الأوضاع ستكون خطرة للغاية في حال عدم اتخاذ إجراءات عاجلة لتأمين التزود بالماء في ظل ما يعيشه الموسم الفلاحي من خطر الجفاف الحاد من جراء التغير المناخي، وهو أمر كنا ننبه إليه منذ عام 2012، وبسبب تأخر تبني استراتيجية الأمن المائي، ذهبت تنبيهاتنا سدى".
يضيف فصيح لـ"العربي الجديد": "نعيش حالياً نتائج غياب تصور مؤسسي حول الأمن المائي، فقد جفت أنهار وعيون وسدود، ودخلنا مرحلة حرجة لا حل معها سوى إحداث محطات تحلية لمياه البحر، علما أن بلادنا تمتلك سواحل في الشمال والجنوب، وما ينقص هو توفير الموارد المالية والطاقة لإقامة تلك المنشآت التي تتطلب جهداً استثمارياً، وسرعة قصوى في الإنجاز. بعدها ينبغي ضخ الفائض إلى المدن الداخلية، وإلى السدود، مع العمل على مكافحة هدر مياه الأمطار، وخلق توازن بين الموارد الاعتيادية، والموارد غير الاعتيادية، وتعزيز حملات التوعية والترشيد بين المزارعين والمقاولين وبقية المواطنين".

ويستهلك المغرب نحو 1.3 مليار متر مكعب في مياه الشرب، فيما توجه بقية المياه للسقي الفلاحي، وجرى منذ سنوات العمل على بناء عدة سدود، بلغ عددها حاليا 149 سداً كبيراً، إلى جانب سدود متوسطة وأخرى صغيرة، كما تتوفر مشاريع لتحلية مياه البحر من خلال 9 محطات، بالإضافة إلى آلاف من آبار المياه الجوفية.

المساهمون