يتطلب الوصول من تارودانت إلى دوار "قرية" تجكالت في جنوب المغرب، قطع مسافة تصل إلى 100 كيلومتر وسط الجبال عبر طرق وعرة. مع الاقتراب من الدوار الذي ضربه الزلزال، تظهر معالم الخراب والدمار التي خلفها، إذ لم يستطع أي من المنازل الصمود في وجه الهزة الأرضية، وتساقطت تباعاً فوق رؤوس قاطنيها.
وجدنا بعض السيارات والشاحنات المحملة بالمساعدات الغذائية، وسيارات إسعاف تخترق الدوار باتجاه دواوير أخرى، بينما كان السكان منهمكين في توزيع المساعدات التي حصلوا عليها.
حدثنا أبناء المنطقة عن ليلة الزلزال، وما عاشوه خلالها في ظل انهيار المباني، وانقطاع الكهرباء، مؤكدين استماتة شاب من أبناء المنطقة في انتشال العالقين تحت الركام، على الرغم من مصرع عائلته.
كانت عزيمة الرجل في إنقاذ الضحايا كبيرة، وواصل الإصرار على انتشال جيرانه من تحت الركام بعد لحظات من فقد أقاربه. بحثنا عنه لسؤاله عما جرى، فلم نعرف مكان تواجده، لكننا قررنا انتظار قدومه. بعد فترة ظهر الرجل من بعيد، وتعرفنا إليه بمساعدة أحد سكان الدوار الذين كانوا برفقتنا، وبدأنا في سماع قصته.
اسمه خالد، ويبلغ عمره 40 سنة، وهو أحد سكان دوار تجكالت بجماعة تافنكولت في تارودانت، ولم يكن يتخيل أن حياته ستنقلب رأساً على عقب، ويصبح وحيداً بعد أن كان محاطاً بأقاربه. فقد خالد 11 فرداً من أسرته دفعة واحدة تحت ركام الزلزال، ولم يستطع أن ينقذ أيا منهم، بالكاد نجا من الموت حين خرج مهرولاً من المنزل الذي تهاوى عند بداية الهزة الأرضية.
كشف خالد لـ"العربي الجديد"، أنه فقد في الزلزال والديه المسنين، وزوجته وابنتيه، وشقيقته وشقيقه، وزوجة شقيقه، وثلاثة من أبنائهما. وأن تلك الليلة ستبقى حاضرة في ذهنه، وقد غيرت بالفعل مسار حياته. يقول: "تلك الليلة لم تكن كباقي الليالي، إذ اهتزت الأرض فجأة، وبدأت المنازل في الانهيار. أحمد الله أنني نجوت من الموت بحكم أنني كنت أتواجد فوق السطح. حاولت مع ابني إنقاذ بناتي وزوجتي ووالدي من تحت الركام، لكني لم أستطع فعل أي شيء، لقد خطفهم الموت، وتركوني أتجرع الألم".
يضيف الأربعيني المغربي: "الصدمة كانت قوية وكبيرة، لكني لم أقف مكتوف الأيدي، بل سارعت إلى تقديم المساعدة للأسر التي انهارت المنازل فوق رؤوسها، وشرعت في إخراج عدد من العالقين من تحت الأنقاض. كانت أسرتي قد توفيت، وحزني كبيرا، لكن لا يمكن ترك من لا يزالون أحياء تحت الركام، لذا سارعت إلى إنقاذهم من الموت حتى لا تكون الكارثة مضاعفة. اختار الله البعض، ولا يمكننا تحدي القضاء والقدر، كما لا يمكن الوقوف للتفرج على الأوضاع، فبادرت إلى إنقاذ آخرين عالقين تحت ركام البنايات. أنا شخص مؤمن بالقدر خيره وشره، ووفاة أفراد أسرتي لم تشكل لي عقدة، بل جعلتني أسارع إلى إنقاذ بقية أهل الدوار".
انتقلنا رفقة خالد صوب المنزل الذي كان يقطنه مع أفراد عائلته الذين فارقوا الحياة، والذي تحول إلى أطلال. يشير إلى المكان الذي كان يجلس فيه فوق السطح، وأن ذلك ما حماه من سقوط السقف الإسمنتي فوق رأسه، وإلا كان قد تم إحصاؤه ضمن الضحايا. كانت زوجته وبناته في إحدى غرف البيت، بينما والداه الطاعنان في السن في زاوية أخرى، لكن لم يستطع أحد منهم الخروج بعد أن تهاوت أركان المنزل، وسقط السقف فوق رؤوس الجميع.
بعد الزلزال، وبعد استخراج الضحايا وإنقاذ العالقين، شرع سكان الدوار في البحث تحت الأنقاض عن وثائق هوياتهم وممتلكاتهم، ومن بينهم خالد الذي كان يساعدهم في ذلك. ويؤكد أنه خلال عملية البحث تحت الركام، عثر على رسالة تعود لإحدى بناته، شكلت دعماً له في تجاوز المحنة. يقول: "الرسالة عنوانها (الصبر)، وكأنها كانت تعلم مسبقاً بوقوع الحادث المؤلم، والشيء الذي يحفزني أكثر على الصبر على هذا المصاب الجلل هو تنفيذ تعليمات ديننا التي توصي بالصبر في مثل هذه المواقف".
يرى خالد أن الكارثة التي عاشها رفقة سكان المنطقة، زادت قسوتها بسبب الأوضاع التي صاروا مجبرين على عيشها بعد انهيار منازلهم في الزلزال، إذ أصبحوا من سكان الخيام، وهم يتحسبون لحلول فصل الشتاء، وبدء هطول الثلوج.
يشاطره نفس المخاوف سكان القرية، فالهاجس الأكبر بات مواجهة برد الشتاء، ومدى صمود الخيام في وجه الكوارث الطبيعية التي دمرت المباني، وهم يناشدون السلطات التعجيل بإيجاد حلول لهم قبل دخول الشتاء. يقول أحد سكان تجكالت: "نتحمل حالياً المبيت في هذه الخيم لأن ذلك أفضل من البقاء في العراء، لكننا سنتضرر بشدة عند هطول الأمطار والثلوج، ونطالب بتسريع الحلول التي تقينا من المطر والبرد".