بدأت أشكال احتجاجية جديدة تبرز في الفترة الأخيرة في الجزائر. فبعد الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات، باتت مجموعات من الشباب من مختلف المدن، تنظّم مسيرات للمشي لمسافات طويلة باتجاه العاصمة، كأسلوب احتجاجي جديد، لنقل مطالب اجتماعية تخص العمل والتنمية والبنى التحتية في مدنهم، إلى المسؤولين المركزيين في العاصمة الجزائرية.
انطلقت مجموعة تضم 30 شاباً من مدينة تقرت، بولاية ورقلة جنوبي الجزائر، أمس الجمعة، في مسيرة على الأقدام باتجاه العاصمة، للمطالبة بالحق في العمل وتحسين أوضاعهم المعيشية. ويحمل هؤلاء الشباب معهم، بعض الأغراض البسيطة وخيماً صغيرة للإقامة في العراء، ومبالغ مالية بسيطة للتزوّد بالمؤونة خلال الرحلة. ويصرّ المحتجّون على الوصول إلى العاصمة لمقابلة المسؤولين في الحكومة، بعد عجز المسؤولين المحليين عن التكفّل بمشاكل العمل والتنمية، والتلاعب بالموارد وبرامج التشغيل.
وقال مباركي محمد، أحد شباب المنطقة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "أسباب خروج هؤلاء الشباب العاطلين من العمل، كثيرة ومتعدّدة، وهي لا تنحصر بالبطالة فقط، بل تمتد أيضاً إلى التهميش، كذلك لا يوجد من يستمع إليهم، وبسبب الوعود الكاذبة والمعريفة والعصابات التي تتلاعب بملفّ التوظيف والعمل. إضافة إلى تعرّضهم للظلم والتهميش من قبل المسؤولين في مدينة تقرت وولاية ورقلة، على الرغم من أنّ هذه الولاية هي ولاية نفطية، غنية بالشركات العاملة في الحقول النفطية".
وأضاف محمد أنّ " كلّ الاحتجاجات السابقة التي قام بها الشباب لم تُؤتِ ثمارها، لذلك كان القرار الوحيد بنقل الاحتجاجات إلى العاصمة، ما دام المسؤولون هنا يتلاعبون بالشباب ويزعمون أنهم غير قادرين على التكفّل بالمطالب".
وقبل مسيرة شباب تقرت، كانت مجموعة أخرى من شباب مدينة بوقطب، بولاية البيض جنوب غربي الجزائر، قد انطلقت منتصف شهر يناير/كانون الثاني الماضي، في مسيرة على الأقدام إلى العاصمة، رافعين الأعلام الوطنية، احتجاجاً على غياب فرص العمل، وتهميش المنطقة، ولرفع لائحة إلى وزير الداخلية الجزائري، تتضمن مطالب اجتماعية إلى الحكومة. وتبلغ المسافة بين مدينة البيض والعاصمة، أكثر من 480 كيلومتراً.
وقال المهندس جمال الدين مكاوي، أحد المشاركين في هذه المسيرة، في رسالة نشرها: "لم نخرج من أجل مصالح شخصية أو ضدّ المضايقات القضائية التي تعرّضنا لها، بل خرجنا من أجل المصلحة العامة ومن أجل إيصال معاناتنا جميعاً في تلك البلدية التي أصبحت مملكة وأصبح الظلم فيها حتى النخاع وهضم فيها حقوق الكثيرين". لكن السلطات الجزائرية أوقفت المشاركين في المسيرة، وخيّرتهم "بين أن يعودوا أدراجهم أو المثول أمام القضاء بتهمة التحريض على التجمهر".
وفي مطلع شهر فبراير/ شباط الجاري، انطلقت مسيرة احتجاجية لشباب من مدينة السوقر، بولاية تيارت غربي البلاد، باتجاه العاصمة الجزائرية، كما انطلقت قبلها، مجموعة أخرى من الشباب للمطالبة بمشاريع التنمية والسكن وتحسين البنى التحتية في المدينة.
ويرى الإعلامي علي بن جدو خليف، الذي غطّى في عدة مناسبات تجمّعات احتجاجية للشباب العاطلين من العمل في ولايات الجنوب، أنّ هؤلاء الشباب، بعد وقفات كثيرة أمام مقر المؤسسات الحكومية وتقديم عشرات اللوائح التي يجري تجاهلها، سئموا الوعود الجوفاء وعدم الاستماع إليهم، وهو ما يدفعهم إلى هذه المغامرة الاحتجاجية.
وقال خليف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "بعض من خرجوا في المسيرة، فاقت أعمارهم 30 سنة، دون أن يلوح لهم في الأفق أيّ مستقبل. ومنهم من هم متزوجون ويعيلون أسرهم، لذلك وجدوا في هذا النوع من الاحتجاج أسلوباً جديداً للفت انتباه الحكومة إلى مشاكلهم ومشاكل المنطقة عموماً".
ويعتقد سكّان المدن الداخلية في الجزائر أنّ كلّ الأساليب الاحتجاجية التي نُفِّذَت في المدن والبلدات للمطالبة بالتنمية والعمل وتحسين الظروف المعيشية والمساواة في المشاريع الإنمائية، لا تحقق غاياتها لأسباب عديدة، أبرزها نقص وعدم كفاية التغطية الإعلامية، وتجاهل المسؤولين المحليين لهذه المطالب أو عجزهم عن التكفّل بها، وهو ما يدفعهم إلى التفكير في نقل مطالبهم واحتجاجاتهم إلى العاصمة والمركز.
ويعتقد الأكاديمي والباحث المهتم بالشؤون المحلية، عمار سيغة، أنّ هناك مجموعة عوامل غالباً ما تدفع الشباب إلى هذ النوع الاحتجاجي الجديد، منها التعتيم الإعلامي على قضاياهم، وعدم تناول القنوات بما فيها الرسمية لتلك المظاهرات، لكونها في ولايات داخلية.
وقال سيغة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "إدراك المحتجّين لمحدودية الرقعة الجغرافية التي يوجدون فيها وعجزها عن التأثير، يفرض عليهم نقل الصراع مع المؤسسات المحلية إلى الطرف الآخر ممثلاً بالسلطة المركزية للتأثير أكثر، وممارسة ضغط يؤتي نتائجه، ولا سيما أنّ العاصمة باتت منبراً مفتوحاً للعديد من الاحتجاجات سابقاً، على غرار مسيرات مصابي ومتقاعدي الجيش والأطباء والمعلمين، وأخيراً احتجاجات خريجي الجامعة من الدكاترة ".
ويلفت عمار سيغة إلى أنّ "تتبّع مطالب شباب المناطق الداخلية المتعلّقة بالتنمية المحلية والتوظيف في الشركات البترولية، يمكن أن يتقاطع في مستويات معينة مع مطالب تغيير نظام الحكم ومحاربة الفساد الذي عشّش في مفاصل الدولة، ولا سيما في الجانب الاقتصادي".