المستوطنون يفرغون السفوح الشرقية لرام الله من التجمعات البدوية

11 مايو 2024
أحد التجمعات البدوية في الضفة الغربية (ماركوس يام/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- التجمعات البدوية شرق رام الله تواجه ضغوطاً واستفزازات من المستوطنين والاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك اقتحامات وادعاءات غير مبررة، لإجبار السكان على الرحيل.
- المضايقات تشمل اتهامات كاذبة واعتقالات، وتصاعدت بعد العدوان على غزة، مما يؤثر سلباً على الوضع الاقتصادي للبدو بمنعهم من الرعي واضطرارهم لشراء أعلاف باهظة الثمن.
- تهجير 12 تجمعاً بدوياً في عام 2023 يشير إلى استراتيجية إسرائيلية أوسع للسيطرة على الأراضي الفلسطينية، تهدف إلى فصل أجزاء الضفة الغربية وعزل القدس، مع التركيز على المواقع الاستراتيجية مثل شرق رام الله.

تواجه التجمّعات البدوية ضغوطاً كبيرة واستفزازات من قبل المستوطنين والاحتلال الإسرائيلي، وسط مساعٍ لإفراغها.

لم تعد الزيارات العائلية آمنة بالنسبة للفلسطيني عيد أبو فزاع، الذي يقطن في تجمع بدوي شرق رام الله وسط الضفة الغربية، إذ إن شرطة الاحتلال اقتحمت التجمع قبل أسابيع، بسبب زيارة عدد من الأصدقاء للاطمئنان على العائلات بعد الحصار الأخير واعتقال اثنين.
مجرد زيارة أزعجت قوات الاحتلال، فالتجمع المشار إليه أعلاه، بالإضافة إلى آخر، هما الوحيدان المتبقيان شرق ما يسمى إسرائيلياً بشارع ألون الاستيطاني شرق رام الله، كما يؤكد المشرف العام لمنظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو في فلسطين حسن مليحات لـ "العربي الجديد"، فيما هُجّرت بقية التجمعات. 
ويبدو أن المستوطنين وقوات الاحتلال عازمون على تهجير التجمعين، وهما تجمّع دار فزاع وتجمع مغاير الدير. فمجرد ادعاء بلا أي دليل لمستوطنين بأن أحد أبناء عيد أبو فزاع حرق أعشاباً في أرض تبعد عن مكان سكنه قرابة ثلاثة كيلومترات، كان سبباً في حصار قوات الاحتلال التجمع البدوي وتفتيشه والتحقيق مع سكانه، ولاحقاً اعتقال اثنين منه ومصادرة مركبتين وحاسوب محمول وموزع كهرباء للطاقة الشمسية وإضاءة تعمل بالطاقة الشمسية.
ما حصل مع أبو فزاع يندرج في إطار فرض المزيد من الضغوط لتهجير سكان التجمع الذي تقطنه حالياً 17 عائلة عدد أفرادها نحو 150. الضغوط السابقة أدت إلى انتقال ثماني عائلات إلى مناطق أخرى مع الماشية، حيث يمكنهم رعي الأغنام. يشار إلى أن الأهالي يمنعون من الخروج للرعي، ما يعني ضرب البنية الاقتصادية بشكل كامل للبدو.
يقول أبو فزاع لـ "العربي الجديد" إن حريقاً شبّ قبل أسابيع في أراضٍ لا يمكن له ولأبنائه الوصول للرعي فيها بسبب مضايقات المستوطنين. وبعدما أطفأ المستوطنون الحريق، هرعوا إلى التجمع وبدأوا بالإشارة إلى أحد أبنائه، مدعين أنه تولّى إشعال الحريق، ووصل إلى المكان بمركبة بيضاء من نوع سوبارو. لكن الحقيقة أن تلك المركبة التي تحدثوا عنها كانت مع ابنه الآخر الذي كان قد خرج للعمل عند الساعة السادسة والنصف صباحاً، ومرت من أمام الأبراج العسكرية القريبة من التجمع، أي أن كاميرات المراقبة وثقت خروجه.
لاحقاً، عادت قوة تعدادها 60 جندياً برفقة اثنين من المستوطنين، وجرت محاصرة التجمع وتفتيش المنازل. وطلب جيش الاحتلال من أبو فزاع اصطحاب ابنه الآخر والمركبة البيضاء إلى مقربة من قرية المغير شمال شرق رام الله، على أن يكون في إمكانه استعادة المقتنيات التي صودرت، لتُصادر المركبة هناك ويُحتجز لساعتين، ثم جرى تقييد ابنيه وتعصيب أعينهما واعتقالهما.

في وقت لاحق، حين عاد أبو فزاع إلى التجمع وجد أن جيش الاحتلال اقتحمه مرة أخرى وأجرى تحقيقاً ميدانياً مع سكانه. لكن هذه المرة، تولى المستوطنون التحقيق، ثم صادروا مركبة أخرى وأخذوها إلى معسكر للجيش قرب التجمع. ومساء، قاد مستوطن تلك المركبة وأخذها إلى مكان غير معروف. ويقول عيد إن ما جرى جزء من سلسلة مضايقات تهدف إلى إخراجهم من التجمع الذي يقع على أراضي بلدة رمون شرق رام الله بأي طريقة، وقد تعرض التجمع بداية العدوان على غزة لهجوم عنيف، ثم باتت المضايقات تركز على منع الرعي، عدا عن الاستفزازات لافتعال المشاكل ثم استدعاء شرطة الاحتلال. وفي كل مرة، كان يقول جيش الاحتلال لسكان التجمع إنه طالما لم يقم المستوطنون بتخريب الأسلاك الشائكة المحيطة بهم، فلا مشكلة في وجودهم.

تواجه التجمعات البدوية ضغوطاً كثيرة (ماركوس يام/ Getty)
تواجه التجمعات البدوية ضغوطاً كثيرة (ماركوس يام/ Getty)

منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، يقول أبو فزاع إن حياته وسكان التجمع أصبحت ذلاً. ارتفعت الأعشاب عن الأرض في أماكن قريبة، لكنهم لا يستطيعون إطعامها للأغنام. في المقابل، يقوم المستوطنون بالرعي في مساحات واسعة، وحتى إنه يسمح لهم بالرعي على أبواب منازل البدو الفلسطينيين. يستأجر أبو فزاع أرضاً لزراعتها بالحبوب من أجل الماشية، لكن المستوطنين أصبحوا مؤخراً يقولون إن هذه المزروعات منحها الله لهم، فيما ترد شرطة الاحتلال أنه طالما لا يملك أبو فزاع أوراقاً ملكية بالأرض، فلا تستطيع منع المستوطنين من الوصول إليها.
المضايقات مصدرها أربع بؤر استيطانية. وفي كل بؤرة ما بين 10 إلى 15 مستوطناً، لكنهم جميعا يرتبطون بمجموعات على تطبيقات المراسلة الفورية، ويمكنهم جمع بعضهم بسرعة كبيرة في أي هجوم. ويقول أبو فزاع إن مسؤول هذه التجمعات مستوطن اسمه نيريا بن بازي (أحد المستوطنين الذين فرضت الولايات المتحدة عقوبات بحقهم)، وقد ادعى الاحتلال أنه أبعده عن الضفة الغربية لثلاثة أشهر، لكن كل تلك الإجراءات كاذبة بالنسبة إليه، فقد زاره عضو كنيست في إحدى البؤر الاستيطانية خلال هذه الفترة.
ساءت أوضاع التجمع الاقتصادية بسبب اضطرارهم لشراء أعلاف باهظة الثمن للمواشي، وتوقف العديد من الرجال عن العمل بسبب مناوبات الحراسة للتجمع خصوصاً ليلاً، وتوقف العديد من أطفال التجمع عن التعليم بسبب تهجير تجمعات كانت تضم مدارس يرتادها الأطفال، ولم يبق أمام الطلاب إلا مدارس القرى المجاورة.
في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، خرج معظم سكان التجمعات البدوية القريبة، أي أن تلك الممتدة على طريق المعرجات التي تصل بين شرق رام الله ومدينة أريحا شرق الضفة الغربية أصبحت فارغة، باستثناء تجمع دار أبو فزاع في بداية الطريق، وتجمع المليحات في آخره لكن في أراضي أريحا. وحتى التجمعات على امتداد سفوح شرق رام الله، هجر معظمها. بيوت وحظائر التجمعات التي هجّرت أصبحت مليئة بالمستوطنين. ويقول عبد الحفيظ أبو فزاع وهو أحد أقارب عيد، إن منزله وحظائره أصبحت ملكاً للمستوطنين. وكان الأخير يقطن تجمع المعرجات الوسطى مع 30 عائلة، في ما يعرف بدار الصيف، أي المنطقة التي يمكث فيها البدو صيفاً وذلك في بداية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. أما تجمع المعرجات الوسطى الذي يقطنونه شتاء، فلم يكن في داخله سوى عشر عائلات اضطرت للخروج بفعل اعتداءات المستوطنين.
عاش عبد الحفيظ أبو فزاع شتاء صعباً. فالمنطقة التي هو فيها الآن لا تصلح للشتاء، وتصل إليها الأمطار بشكل يؤثر على المساكن البسيطة للبدو، والتي هي أصلاً بيوت غير مهيأة للشتاء.

ويؤكد المشرف على منظمة البيدر حسن مليحات أن الضغوط شديدة جداً على التجمعات البدوية شرق رام الله، وأدت إلى تهجير 12 منها عام 2023، ثلاثة قبل الحرب على غزة، وتسعة بعدها. وفي ظل تهجير 16 تجمعاً آخر في مناطق أخرى في الضفة الغربية عام 2023، معظمها بعد الحرب، بالإضافة إلى تجمعين في العام الجاري. إلا أن ما يحصل في شرق رام الله له خصوصية.
هذه المنطقة مطلة على الأغوار الفلسطينية كما يؤكد مليحات، والسيطرة عليها إضافة إلى السيطرة على بادية القدس التي تربط شرق القدس بالبحر الميت، أي الامتداد للأغوار، يعني السيطرة على كل الأراضي المشرفة على الأغوار وبالتالي السيطرة الكاملة عليه، هو الذي يشكل ما يقارب 30 في المائة من الضفة الغربية. فالسيطرة على الأراضي الأعلى تحقق ميزات استراتيجية وأمنية، وتعني السيطرة الاقتصادية على الأراضي والأحواض المائية.
وإذا ما تمت السيطرة على الأراضي التي تنتشر فيها التجمعات البدوية شرق القدس، إضافة إلى الأراضي شرق رام الله التي تسمى بالسفوح الشرقية أو الأراضي شفا الغورية، فإن ذلك يعني أيضاً فصلاً لوسط وشمال الضفة عن جنوبها، وفصلاً للضفة الغربية عن القدس، وفصلاً لوسط الضفة عن الأغوار شرقها، وكله يصب في صالح مخططات الضم المعلنة مسبقاً، والتي ادعى الاحتلال تجميدها، لكن الوقائع تشير إلى المسارعة في تطبيقها.

المساهمون