سار الفلسطيني محمد سمار، أمس الثلاثاء، لأكثر من مائتي متر، وهو يحمل بين يديه طفله أحمد، حتى وصل به إلى أحد المستشفيات بجنين، بعد أن منعت قوات الاحتلال الإسرائيلي التي كانت تحاصر المكان وصول المركبات، كان كل أمله في إنقاذ حياته، لكنه فارق الحياة فور وصوله، وأعلن عن استشهاده.
يقول الأب المكلوم لـ"العربي الجديد": "كان ابني يعاني من مرض عضال وقد مكث في المستشفى سابقا لفترات طويلة، وفجر أمس الثلاثاء، طرأ تدهور كبير على حالته، لكن التحرك من البيت لم يكن أمرا سهلا نظرا لاقتحام الاحتلال لجنين وفرضه طوقا على المستشفيات فيها، ما أجبرني على نقله بمركبتي الخاصة خشية تأخر سيارات الإسعاف التي كانت منهمكة بواجبها الإنساني في نقل المصابين وعددهم بالعشرات".
المستشفيات والطواقم تحت الاستهداف
لم يسمح جنود الاحتلال للرجل بمواصلة طريقة نحو مستشفى جنين الحكومي، رغم تأكيده لهم أن ابنه مريض وبحاجة لكل دقيقة لإنقاذ حياته، ويقول: "تركت السيارات مفتوحة، وحملته وبدأت أسير مسرعا نحو المستشفى، وأعتقد أنه فارق الروح وهو بين يدي. رغم هذا حاول الأطباء فعل أي شيء بعد وصولي لكن فات الأوان".
وكانت وزارة الصحة أعلنت أمس استشهاد الطفل المريض أحمد محمد سمار (13 عاما) بعد إعاقة الاحتلال وصوله لتلقي العلاج في مستشفى الشهيد خليل سليمان، والشاب فؤاد عماد عباهرة (36 عاما) إثر منع الاحتلال سيارة الإسعاف من نقله إلى المستشفى لمدة نصف ساعة، بعد إصابته في الفخذ وتركه دون علاج حتى ارتقى، لترتفع حصيلة الشهداء في مدينة جنين لـ 8 حتى الآن.
يقول مدير الإسعاف والطوارئ في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، أحمد جبريل، إنّ إصابة عباهرة كانت في الشريان الرئيسي أعلى الفخذ، وفقد كميات كبيرة من الدماء، وكان يجب أن يصل المستشفى بأسرع وقت ممكن، لكن جنود الاحتلال أوقفوا سيارة الإسعاف وأجبروا المسعفين على النزول منها والتدقيق في هوياتهم والتحقيق معهم، ومن ثم التحقق من هوية المصاب، "رغم أن مسعفينا أعلموا الجنود بخطورة حالته، دون أي اهتمام من طرفهم، حيث فارق الحياة وهو في المركبة".
ويلفت جبريل في حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى أن الاعتداءات بحق المستشفيات والمراكز الصحية والكوادر الطبية والإسعافية باتت ظاهرة تستحق التوقف عندها عند كل اقتحام لجيش الاحتلال لمدن الضفة الغربية، وبالأخص جنين وطولكرم.
يكمل: "نحن لا تهمنا هوية المريض أو المصاب. بل نقوم بواجبنا الإنساني البحت، الذي يحتم علينا تقديم كل ما نستطيع لإنقاذ المريض، وهنا يؤدي عامل الوقت دورا بالغ الأهمية بإيصال من معنا إلى أقرب مستشفى أو مركز صحي، لكن الاحتلال الإسرائيلي بات يلاحق مركباتنا ويوقفها ويحتجز المسعفين ويعتدي عليهم ويعيق عملهم".
ويضيف جبريل، "عملنا بشكل عام خطير، لكن في ظل هذه الانتهاكات بات أخطر بكثير، والأمر يتجاوز احتجاز وتفتيش وتأخير مركبات الإسعاف إلى اعتقال بعض المسعفين، لكن ما لا يمكن تصوره هو تعرض طواقمنا ومركباتنا لإطلاق الرصاص عليها، ما يعني أن حياة كل من في المركبة باتت مهددا فعلا".
ويتعرض مستشفى ابن سينا التخصصي في مدينة جنين منذ عدة أشهر لاعتداءات متلاحقة من قوات الاحتلال الإسرائيلي، والتي تتمثل وفق الناطق الرسمي باسمه توفيق الشوبكي بمحاصرته فور اقتحام الاحتلال للمدينة، ومنع المرضى والمصابين على حد سواء من الوصول إليه، واقتحام ساحاته وإطلاق الرصاص تجاهه، وفي كثير من الأحيان ارتقى شهداء ووقعت إصابات من المتواجدين فيه، وتضررت ممتلكاته جراء ذلك.
يوضح الشوبكي في حديث لـ "العربي الجديد"، أنّ جنود الاحتلال يمنعون أي أحد من الوصول إلى المستشفى وقت حصاره إلا بشق الأنفس، حتى لو كان مريضا عاديا، إلا بعد توقيفه والتحقيق الميداني معه، أما إذا كان مصابا بالرصاص فهذا يعني تأخيرا إضافيا وقد يصل إلى اعتقاله ونقله إلى سيارات تابعة لجيش الاحتلال، كما شاهدنا ذلك مؤخرا في مدينة طولكرم.
ويقول: "المتعارف عليه أن الدقائق الأولى تعد ذهبية لإنقاذ حياة أي مصاب، خاصة إن كان وضعه خطيرا، خاصة إن رافق الإصابة نزيف، والتأخير إما أن ينجم عنه تدهور إضافي في حالته أو استشهاده، كما جرى مع الشهيد عباهرة".
وهناك نقطة أخرى يضيء عليها الشوبكي تتعلق بأن حصار المستشفيات يحول دون وصول الإمدادات الطبية والكوادر البشرية إليها، حيث يوضح: "أن كثيرا من الحالات المرضية العادية أو الإصابات تستلزم قدوم أطباء من خارج المستشفى، وهؤلاء يتعرضون لتأخير مقصود من الاحتلال رغم حملهم لما يدلل على هويتهم وطبيعة عملهم".
ويفند جبريل والشوبكي الحجج التي يسوقها الاحتلال باستخدام المقاومين والمطلوبين لسيارات الإسعاف للهرب أو الاحتماء بالمستشفيات، ويؤكدان أنّ "الاحتلال الإسرائيلي لا يلتفت مطلقا لكل الدعوات النداءات لوقف مثل هذه الاعتداءات على المستشفيات والكوادر الطبية والاسعاف، رغم تمتعها بحصانة كاملة، وكل ادعاءاته التي يسوقها لتبرير هذه الجرائم باطلة، وهي فقط تندرج في إطار التحريض على الشعب الفلسطيني وشرائحه المختلفة"، مدللين على كلامهم بما يفعله الاحتلال في قطاع غزة من قصف -وعلى الهواء مباشرة- للمستشفيات وقتل واعتقال الأطباء والمسعفين والمرضى، دون أي رادع.