مع استمرار أزمة الساعات الطويلة لانقطاع الكهرباء في ليبيا، والتي تزداد فتراتها سنوياً، خصوصاً في فصل الصيف الذي يشهد موجة حرارة عالية لا تحتمل، قررت الحكومة اتخاذ إجراءات إدارية تمثلت في إقالة مجلس إدارة شركة الكهرباء الذي كان اتهم أخيراً شركات النفط، المسؤولة عن توفير مادة الغاز الطبيعي التي تستخدم في تشغيل محطات الكهرباء، بتعمّد وقف ضخ الغاز اللازم لتوليد الكهرباء، لكن إحدى شركات النفط نفت هذه التهمة، وأكدت استمرارها في توفير كميات كافية من الغاز لمحطات التوليد.
وسبق قرار الحكومة تناقل ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، بشكل واسع، صوراً لمواطن جلس على قارعة طريق في أحد أحياء مدينة بنغازي، وإلى جانبه مولد كهربائي منزلي استخدمه في تشغيل جهاز بخار ربطه بطفله الذي يعاني من ضيق في التنفس، ما أطلق نقاشات واسعة حول المسألة.
ورغم القرار الحكومي الأخير، رفض محتجون تجمّعوا أمام مقر حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، إجراءاتها، وأصرّوا على أن أزمة الكهرباء "مفتعلة"، بحسب ما قال أحدهم، ويدعى مفتاح القصير لـ"العربي الجديد"، مضيفاً: "مللنا من الأعذار والتصريحات والحجج التي تتكرر كل عام. الناس مقتنعون بوجود عصابة تستفيد من الأزمة على حساب حقوقهم الخدماتية. وقد وعد المدير الجديد لشركة الكهرباء بحل الأزمة خلال فترة ثلاثين يوماً، لكننا لا ندري كيف يمكن أن يفعل ذلك إذا أخذنا في الاعتبار التصريحات التي يدلي بها مسؤولون في الشركة، ويعزون فيها سبب انقطاع الكهرباء إلى عدم توفر الغاز؟ لذا نسأل، هل سيقنع المدير الجديد لشركة الكهرباء المسلحين تحديداً بالتراجع عن وقف إنتاج النفط لتأمين الكهرباء؟".
وأكد القصير استعداد كثيرين لتنظيم احتجاجات أوسع، وقال: "يدعو نشطاء عبر منصات التواصل الاجتماعي إلى الخروج إلى الساحات والميادين الجمعة الماضية للمطالبة بتوضيح الأسباب الحقيقية التي تقف وراء استمرار الأزمة كل موسم صيف، وإنهائها. ونحن نرغب في الوقوف إلى جانب شركة الكهرباء والسلطات، ونقبل بتحمّل الظروف القاسية، شرط أن يوضح لنا المسؤولون الأسباب الحقيقية لما يحصل، ولا يكرروا المبررات الواهية ذاتها، علماً أنني أعتقد بأن تجار مولدات الكهرباء الخاصة بالمنازل متورطون في الأزمة مع مسؤولين لتنفيذ صفقات مشبوهة".
أما المسؤول في قسم الوقاية بمحطة توليد الكهرباء في شرق طرابلس، عبد الفتاح الشاوس، فيشير إلى أن الأسباب لا تتعلق بوقف إمدادات الغاز، بل بالانفلات الأمني الذي تشهده البلاد. ويقول لـ"العربي الجديد": "لم يعلن المسلحون الذين أوقفوا ضخ النفط والغاز إلى من يتبعون، لكننا نعلم أن ظاهرة سرقة أسلاك الكهرباء التي تحصل على طول خطوط الإمدادات ترتبط بجماعات مسلحة تتاجر بالنحاس الذي تحتويه الأسلاك".
ويلفت إلى أن "ظاهرة سرقة الأسلاك مستمرة، وقد أعلنت شركة الكهرباء قبل أسبوع أن مسلحين سرقوا أسلاكاً بطول 600 متر من دائرة توزيع الحي الصناعي في تاجوراء شرق العاصمة طرابلس، واعتدوا أيضاَ على خط الوقود الذي يغذي منطقة خلة فارس جنوب شرقي طرابلس. وحتى لو جرى تأمين حقول توليد الكهرباء، فماذا عن خطوط النقل التي تمتد عبر مساحات شاسعة، خصوصاً في المناطق المجاورة للمدن الكبيرة؟ الأكيد أن أزمة الكهرباء أمنية بالدرجة الأولى".
ومنذ عام 2016، عانت ليبيا من أزمة خانقة على صعيد الكهرباء، تعدت فيها ساعات غيابها العشرين يومياً أحياناً، وصولاً إلى عدم منحها بالكامل والغرق في الظلام لعدة أيام.
ويصف طارق بوملاسة، الذي يسكن في مدينة أوباري (جنوب)، أوضاع خدمات الكهرباء بأنها مأساوية في الجنوب، ويقول لـ"العربي الجديد": "تشكل المدن الكبيرة من انقطاع الكهرباء عدة ساعات يومياً، فيما نعاني في الجنوب من غيابها بالكامل لأيام في بعض المناطق، من دون أي مبرر واضح. وقد تجمع عشرات من المواطنين أمام المجلس البلدي لمدينة سبها الأسبوع الماضي، للاحتجاج على سوء أوضاع الخدمات، وبينها غياب الكهرباء".
وفيما يوضح الشاوش سبب لجوء شركة الكهرباء إلى برنامج طرح الأحمال للحفاظ على سلامة الشبكة واستقرارها على المدى البعيد، يقول بوملاسة: "ما لا يستطيع مسؤولو شركة الكهرباء الاعتراف به أن الناس يقعون ضحية مساومات وصراعات سياسية، فمناطق ضخ الغاز المطلوب لتوفير احتياجات توليد الكهرباء تقع تحت سيطرة طرف سياسي، وشركة الكهرباء تحت سيطرة طرف سياسي آخر، ويسعى كلاهما إلى إسقاط الآخر، والضحية هو الناس الذين يسمعون مبررات يكررها مسؤولو الكهرباء منذ سنوات".