ما زال تنفيذ القوانين الخاصة بالمرأة وبتحسين طريقة عيشها، وسط المسؤوليات الكبيرة الملقاة عليها في حياتها الأسرية، يواجه عراقيل في مجتمعات عربية كثيرة، والكويت مثالاً. وقد يتعلق بعضها أحياناً بمكاسب وأرباح.
أعلنت لجنة المرأة في مجلس الأمة الكويتي (البرلمان) أنها تبلغت من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل قرار فتح حضانة خاصة بأطفال النساء العاملات في هذه الوزارة، تنفيذاً لمتطلبات قانون العمل، وذلك رغم الصعوبات الكبيرة المرتبطة بتطبيق هذا القانون، في ظل ضغوط شركات التعليم، ومحاولة مسؤولين في الدولة عرقلة المشروع. يقول أسامة الشاهين، رئيس لجنة المرأة والأسرة والطفل البرلمانية، إن إدارة أملاك الدولة في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أبلغت لجنة المرأة بإنشائها حضانة خاصة للعاملات في الإدارة، فيما ستقوم الوزارة بإنشاء حضانات في كل إدارة من إداراتها، لتكون الوزارة أول وزارة كويتية تطبق هذه الخطوة. ويؤكد الشاهين في تصريح لـ"العربي الجديد" أن لجنة المرأة والأسرة والطفل في البلاد ستراقب كافة الوزارات والهيئات الحكومية، وتتأكد من تطبيقها لقانون العمل في الكويت، وذلك لتخفيف الأعباء عن الأمهات العاملات في الكويت من المواطنات والوافدات أيضاً. وتأتي مبادرة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في وقت لا تزال باقي الجهات الحكومية والشركات والمؤسسات الخاصة غائبة عن أي خطوات في هذا الشأن، وسط ضغوط كبيرة يمارسها حقوقيون ومجموعات نسائية لتفعيل مواد القانون الخاصة بالمسألة.
وتحدد إحصاءات وضعتها جمعيات ناشطة في مجال حقوق المرأة نسبة النساء الكويتيات العاملات بـ45 في المائة من إجمالي عدد موظفي القطاعات الحكومية والخاصة، وتشير إلى أن غالبيتهن أمهات. وتنص المادة 25 من قانون العمل الكويتي على وجوب منح المرأة العاملة ساعتين للرضاعة أثناء العمل، وإنشاء صاحب العمل دور حضانة للأطفال الذين يقل عمرهم عن أربع سنوات، وذلك في مراكز العمل التي يزيد فيها عدد العاملات عن 50 أو يتجاوز فيها عدد العمال 200.
وسبق أن قدمت عضو المجلس البلدي مها البغلي اقتراحات نشرتها على "لائحة البناء" التي تصدرها بلدية الكويت، "من أجل إلزام الشركات والمؤسسات الحكومية والخاصة تخصيص أماكن لإنشاء دور حضانة، تنفيذاً لقانون العمل الكويتي، خاصة أن مباني هذه الشركات والمؤسسات غير مجهزة بمرافق وأماكن مخصصة للأطفال بحسب شروط قانون العمل". واللافت أن المادة 53 في قانون الطفل تطالب أيضاً ببناء أصحاب العمل دور حضانة في أماكن العمل لصالح أطفال النساء العاملات.
يواجه شروع وزارات في الدولة بتدشين دور حضانة لأطفال النساء العاملات معارضة شرسة من شركات تجارية تملك مؤسسات تعليمية ودور حضانة خاصة، محاولةً الحفاظ على مكاسبها بأي ثمن، باعتبار أن كلفة الحضانة السنوية بالنسبة للطفل الواحد تناهز 2400 دينار كويتي (7900 دولار)، وهو رقم كبير جداً بالنسبة إلى الأسر متوسطة الدخل في الكويت.
وكان المجلس البلدي الكويتي ناقش في ورشة عمل نظمها في منتصف مايو/ أيار الماضي، وحضرها ممثلون عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، قضية دور حضانة الأطفال للأمهات العاملات في المقار الحكومية والشركات الخاصة. وشهدت الورشة اعتراض جهات حكومية على القرار، بحجة عدم وجود مساحات كافية لدى الجهات الحكومية لإنشاء هذه الدور، علماً أن توفير دور حضانة حكومية يُلحق خسائر كبيرة بالموارد المالية لشركات التعليم الخاصة، التي تعتبر من القطاعات الخاصة النشطة جداً على صعيد الموارد المالية. ويقول الأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية خالد مهدي إن "عدد النساء العاملات في الكويت من الكويتيات والوافدات كبير جداً، وغالبيتهن متزوجات، لذا سيتسبب إنشاء دور حضانة خاصة بأطفال النساء العاملات في ثقل كبير على أجهزة الدولة حالياً، وسيُقلل الأماكن المخصصة للعمل داخل الوزارات والهيئات الحكومية المكتظة أصلاً".
من جهتها، تنتقد الناشطة الحقوقية منى الغريب التوجهات الحكومية في محاولة عرقلة إنشاء دور حضانة لأطفال الأمهات العاملات. تقول لـ"العربي الجديد : "ليس ذلك أمراً جديداً على بعض المسؤولين الحكوميين الذين يتغلب الفكر الذكوري عليهم، فعندما يصل الموضوع إلى المرأة تظهر حسابات الربح والخسارة، رغم أن الكويت دولة رعاية اجتماعية تكفل حقوق كل مواطنيها، وتقدم لهم كل الخدمات الممكنة". تضيف: "لو تعلق هذا الموضوع بالرجل لتحرك المجتمع في شكل أفضل، وجعل السياسيين يضغطون، لكنه مرتبط بالمرأة، لذا لا نجد إلا تصريحات قليلة تصدر من هنا وهناك".
ويرى باحثون اجتماعيون ونفسيون أن وجود أماكن حضانة لأطفال النساء العاملات أمر ضروري. يقول الباحث الاجتماعي في جامعة الكويت خليل خالد لـ"العربي الجديد": "ليس معقولاً تجاهل مطالب المرأة العاملة بهذه الطريقة، فهي لا تحظى بتقدير كافٍ في الكويت. ويعزز هذا التوجه الاجتماعي السلبي بعض صناع القرار في الهيئات الحكومية من أجل جعل المرأة تدفع ثمن خيار خروجها من منزلها، وعملها رغم احتضانها لأطفال". يتابع: "وجود دور حضانة للمرأة في مكان العمل يُضاعف إنتاجها، ويكسبها راحة أكبر، ويرفع عنها أعباء اجتماعية كبيرة ترتبط بخروجها للعمل، خاصة المرأة المقيمة التي لا تملك شبكة أقارب واسعة في الكويت، بخلاف حال المواطنات".