الفلسطيني جبريل كمال... سقى الورد على قبر صديقه حتى استشهد

17 مايو 2023
الفتى الفلسطيني جبريل محمد كمال (أسرة الشهيد)
+ الخط -

كان هدف الفتى الفلسطيني جبريل محمد كمال (17 عاماً) فتح صالون حلاقة، لكن حياة الفتى الذي قتلته رصاصة إسرائيلية في رأسه في الأول من مايو/ أيار الجاري تغيرت تماماً بعد 10 إبريل/ نيسان الماضي، وهو تاريخ استشهاد صديقه المقرب محمد فايز بلهان (15 عاماً) إثر إصابته برصاص الاحتلال في الرأس والصدر والبطن، خلال اقتحام مخيم عقبة جبر للاجئين الفلسطينيين في أريحا شرق الضفة الغربية؛ بحسب إعلان وزارة الصحة الفلسطينية.

توقفت حياة كمال، وتوقفت أحلامه، وقضى الأيام العشرين التي سبقت استشهاده خلال اقتحام آخر لقوات الاحتلال مواظباً على زيارة قبر صديقه محمد، يسقي الورود حوله.

تقول والدته آلاء كمال لـ"العربي الجديد": "قال لي أحب الحلاقة، فأرسلناه لحلاق جار لنا في المخيم يتعلم عنده، كان يعود ويجمع الأطفال ويكمل تدريبه عليهم".

قناص ورصاصة في الرأس

يقول صديقه محمود جحاجحة (18 عاماً) لـ"العربي الجديد": "كان جبريل يخرج معي للتنزه كل يوم، لكن في الفترة الأخيرة صرنا نكرر زيارة قبر صديقنا محمد، في بعض الأحيان نذهب مرتين وثلاث مرات في اليوم الواحد، نسقيه بالماء، ونظل جالسين بجانبه".
رواية العائلة حول ظروف الاستشهاد تشير إلى استهدافه من قناص، يقول والده محمد كمال لـ"العربي الجديد": "أصيب قصي ابن شقيقي ببطنه ورجله، خلال المواجهات التي اندلعت في المخيم، فذهب جبريل ليمسك به، لكنه فوراً أصيب برصاصة برأسه".
وتقول والدته إنه استشهد في مكان قريب من المنزل، تستطيع رؤيته حين تقف أمام بوابة بيتها.

ورحل جبريل الحنون

ولد جبريل في 31 يناير 2006، وهو الثاني لعائلته من بين ثلاثة أشقاء، وأخت واحدة، أشقاؤه هم مؤيد الأكبر (18 عاماً) معتقل في سجون الاحتلال منذ 9 يناير/ كانون الثاني الماضي، وفق الاعتقال الإداري الذي يستند لملف سري كما قالت والدته، يضاف له شقيقه عمر (13 عاماً)، وشقيقته راما (12 عاماً).
تضيف والدته: "كان في كل صباح يأتي إلي بعد أن يصحو، يقبل يدي، يسألني: كيف أنتي يا حجة؟ ويخرج مع أصدقائه، كان اجتماعياً، محباً للحياة، يحب زيارة أقاربه، يحب الحديث مع الناس، حسن الكلام معهم، كان حنوناً ومحباً للقطط".
ترك جبريل المدرسة وهو في السادسة عشرة من عمره، تقول والدته: "في البداية لم يحب إكمال الدراسة، لكنه بعد تركها ندم، وصار يقول للأطفال اهتموا بدراستكم، أنا تركت المدرسة وتندمت".
يعيد والده محمد كمال ترك ابنه للمدرسة إلى الانقطاعات المتكررة للدراسة في المخيم، مشيراً إلى إنه في الفترة الأخيرة كل شيء اختلف في حياة جبريل بعد استشهاد صديقه "أصبح يفكر في طريق آخر، وقبل استشهاد جبريل بليلة واحدة، تحدثت معه عن عمل وجدته له، فأجابني، يا أبي أنا شهيد، تبسمت واحتضنته وذهبت إلى عملي، فجاءني اتصال في السادسة والنصف صباحاً أنه استشهد".

يوضح والده أن أكثر ما أثر في ابنه استشهاد صديقه، لكن ذلك ليس كل شيء برأيه، فالأحداث المتكررة في المخيم، والاقتحامات المتواصلة لجيش الاحتلال والاعتقالات، وقتل عدد من الشبان بينهم أصدقاء له، وكذلك ما يتابعه على وسائل الإعلام من ضرب للنساء في المسجد الأقصى، وما يواجهه على الحواجز، وكذلك اعتقاله شخصياً؛ كل ذلك أثر فيه.

جيل يريد أن ينفجر

يتابع الوالد: "كل ذلك ولّد جيلاً يريد أن ينفجر، ولا يقبل منا أي نصائح، كل الشبان والفتية من جيله يحملون التفكير نفسه، بأن الاحتلال لا بد من مقاومته، أصبح عدد كبير من هذا الجيل يبرمجون يومهم على انتظار أي اقتحام للمخيم لمواجهته، هم مستعدون ليرموا أنفسهم أمام الرصاص، لا يخافون".
أصبح جبريل كما يقول والده في الآونة الأخيرة ينام عصراً حتى ساعات الليل، ليبقى فجراً مستيقظاً، وهو حال كثير من الشبان والفتية الذين يستقبلون الاقتحامات للمخيم بالحجارة. ويزيد من هذا الحال بقاء معظم الفتية دون دراسة منذ أكثر من شهرين، بسبب استمرار إضراب للعاملين في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، بما في ذلك المدارس التي تتبعها في المخيم".
تأثر جبريل بحالة المخيم العامة، حيث ظهرت مجموعة مقاومة عرفت باسم كتيبة عقبة جبر، واغتالت إسرائيل أربعة منها في يوم واحد في فبراير/ شباط الماضي، واتهمت اثنين منهم بتنفيذ عملية إطلاق نار تجاه مستوطنين قرب أريحا، ولاحقاً تكررت الاقتحامات، والتصدي لها، سواء بالمواجهات من الفتية أو الاشتباكات المسلحة من المجموعات المقاومة، ليصل عدد الشهداء من المخيم منذ بداية العام إلى ثمانية (مع جبريل)، وتعرضت كذلك مدينة أريحا إلى حالة حصار متكرر عبر الحواجز العسكرية الإسرائيلية التي تعرقل حركة المارين من وإلى أريحا، بما فيها مخيم عقبة جبر.

اعتقال جبريل

اعتقل جيش الاحتلال جبريل في مايو/ أيار 2022، كان في سن السادسة عشرة، واستمر اعتقاله لشهر تقريباً، بتهمة تصنيع سلاح، لكن والده يؤكد أن ما صادره الجيش أنبوب معدني، تبين بعد أن فحصه أنه لم يستخدم في إطلاق الرصاص، وتم إخلاء سبيله بكفالة.
تلك الحادثة أثرت في جبريل، فقد تعرض المنزل لتخريب محتوياته خلال اعتقاله، وتعرض هو للضرب والعنف والصعقات الكهربائية على ظهره، والضرب بأعقاب البنادق على رأسه، كما روت والدته.
منذ كان في الخامسة عشرة من عمره بدأ جبريل يعي ظروف الاحتلال، بحسب والده، وأكثر ما تفتح وعيه عليه هو الاقتحامات المتكررة للمخيم، لكنه أيضاً كان يسمع من العائلة كثيراً عن الاعتقالات التي تعرض لها والده وأعمامه في الانتفاضة الأولى عام 1987.
يقول عمه كمال كمال لـ"العربي الجديد": "وعي جبريل بعنف الاحتلال، وقتل الشبان، خلق لديه ولدى جيل كامل نوعاً من التوتر والحقد على الاحتلال، وخلق جيلاً لا يخاف، حتى إنهم في المواجهات لا يرتدون غطاء الوجه، كل ذلك ناتج عن حالة استفزاز لهم، بطريقة الاقتحامات وتكسير البيوت والاعتقالات".

"بالنسبة لجبريل كذلك، كثير من الاقتحامات كانت تحصل في حيه، بالقرب من منزله، استشهد في هذا الحي عدة شبان هذا العام" يتابع كمال.
دفن جبريل بجانب صديقه الطفل محمد بلهان، يقول عمه كمال إن العائلة قررت ذلك لعلاقتهما الخاصة، ولأن والدة الشهيد محمد كانت تحدثت أنها حلمت بذلك، ولأنه كان خلال الأيام التي سبقت استشهاده لا يفارق قبر صديقه.

المساهمون