الفلسطينية وردة الأسطل: سأمضي عمري في البكاء على عائلتي

07 يونيو 2024
الشهيدتان ولاء (يمين) وندى الأسطل (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- وردة الأسطل، ناجية فلسطينية، تروي فقدانها لعائلتها تحت الأنقاض بعد حصار إسرائيلي، حيث بقيت جثامينهم مدفونة لأربعة أشهر قبل دفنها في خانيونس.
- تعبر وردة عن حزنها العميق لفقدان والديها وأربعة من إخوتها، مستذكرة حياتهم وأحلامهم التي دمرتها الحرب، وتسلط الضوء على الدور الخيري لوالدها والعاطفي لوالدتها في المجتمع.
- تواجه وردة صعوبات في استعادة جثامين أحبائها بسبب إهمال مؤسسات الإنقاذ، مما يبرز المخاطر التي يواجهها العاملون في مجال الإنقاذ والمساعدات الإنسانية في مناطق النزاع مثل قطاع غزة.

لم يتبق من أفراد عائلة الأسطل الفلسطينية المكونة من الأب والأم وستة أبناء سوى شقيقين هما وردة ورشاد، واستشهد البقية تحت الأنقاض.

تختبر الشابة الفلسطينية وردة الأسطل (23 سنة) ألماً يفوق طاقتها، فهي لم تفقد عائلتها فقط، بل ظلت لا تستطيع إلقاء نظرة الوداع عليهم طوال أربعة أشهر، فقد ظلت جثامينهم تحت الأنقاض حتى استخراجها في 27 إبريل/نيسان الماضي، حينها تجددت الآلام، قبل أن يتم دفنهم في خانيونس.
تقول وردة: "فقدت أبي محمد رشاد الأسطل (43 سنة)، وأمي نادية وليد الأسطل (40 سنة) وشقيقاتي ولاء (20 سنة)، وندى (15 سنة) ولين (12 سنة)، وشقيقي وليد (17سنة). لم يبق من عائلتي سوى أخي رشاد (19 سنة)، وقد نجا لأنه غادر المنزل قبل أيام من محاصرة الاحتلال للمنطقة. انتظرت أربعة أشهر قبل أن يتم رفع الأنقاض، والعثور على رفات عائلتي، وقد ودّعت جثامينهم في قبر أعرفه، وسأزورهم كما يفعل بقية البشر ممن يدفنون موتاهم، وسأظل طوال عمري أبكي عليهم".
زاد ألم وردة حين سمعت من بعض الجيران أن شقيقها وليد استشهد أمام عيني والديها اللذين لم يتمكنا طوال نحو عشرة أيام مواراة جثمانه في ظل الحصار المطبق، ليروا تحلل جسد الفتى الشهيد بأعينهما. تقول: "لم يحدثاني عن ذلك أبداً طيلة فترة الحصار التي كنت أتواصل معهما فيها. كانا يخفيان الأمر عني، ولا أدري كيف تحملا ذلك؟".
عاد والد وردة من السفر أثناء الهدنة التي تم إبرامها مع الاحتلال الإسرائيلي في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وبدأ إجراءات تنسيق سفر عائلته للنجاة بأنفسهم، لكن القدر لم يمهله، فتم حصاره مع زوجته وأولاده، ونحو 60 فرداً من عائلة الأسطل من الدبابات الإسرائيلية في منزلهم في 14 ديسمبر/كانون الأول الماضي. بعد ذلك أمر جنود الاحتلال أهالي المنطقة، وهم من عائلتي الأسطل والعبادلة، بالتوجه إلى منزل محدد، ثم حاصرتهم آليات الاحتلال العسكرية، ولاحقاً، بدأت القصف، ليهربوا جميعاً إلى الطابق الأرضي كما يفعل جميع أهل غزة حين يبدأ قصف المنازل، قبل أن تنقطع أخبارهم تماماً، حتى استطاع أحد شبان العائلة في العاشر من يناير/ كانون الثاني الماضي، من التسلل إلى المنطقة، ليجد البيت ركاماً، وقد استشهد كل من كانوا بداخله، وتناثرت أشلاء بعض الشهداء خارجه.

الشهيد وليد الأسطل
الشهيد وليد الأسطل (العربي الجديد)

تقول وردة الأسطل: "أهلي كانوا الأغلى في حياتي. والدي كان تاجراً معروفاً في خانيونس، وكان معروفاً بمبادرته في أعمال الخير، وأمي كانت يتيمة الأبوين، وكانت تعتبرنا كل شيء في حياتها، وشقيقتي ولاء كانت جميلة ومفعمة بالحياة، وكانت تقول لي كل يوم ما ذنب الناس في الحرب؟ كانت لديها الكثير من الأحلام التي تريد تحقيقها. أما ندى فهي مدللة والدي، ولا يرفض لها طلباً، وكانت ذكية ومتفوقة في مدرستها".

ولم تسلم الصغيرة لين من القصف. وتقول عنها وردة:"لين آخر العنقود، كانت في الصف الأول الإعدادي، وكانت طموحة رغم طفولتها، وكانت ضحكة العائلة. أما أخي وليد البالغ فقد كان رجلاً صغيراً، شهماً ويمتاز بصواب القرارات، ومميز في التواصل، ومحبوباً من الجميع".
لم يستطع رشاد الأسطل بعد تقبل فكرة استشهاد ذويه ونجاته، فقد كان معهم قبل يومين من استشهادهم، وحينها ارتأى والده أن عليه المغادرة إلى منطقة أكثر أمناً من منطقة السطر الغربي الواقعة في غربي خانيونس، حيث تمت محاصرة العائلة لأيام، قبل أن يكتب الله لهم الشهادة.

الشهيد محمد الأسطل
الشهيد محمد الأسطل (العربي الجديد)

تقول وردة:"حاول ستون فرداً الفرار من أمام الدبابات، وربما حاولوا استعطاف جنود الاحتلال الضاغطين على زناد التفجير، لكن كل محاولاتهم باءت بالفشل. لقد عاشوا مشاعر الموت مئات المرات، حين تهاوت عليهم النوافذ كان بيننا اتصال، وقالوا إنهم خائفون، فحاولت طمأنتهم رغم أنني كنت في قمة الخوف".
وقبل أيام من استشهاده، كتب محمد الأسطل رسالة لابنته وردة أثناء الحصار، قال فيها: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، اللهم انقطع الرجاء إلا منك. يا كريم، يا حي يا قيوم. حسبنا الله ونعم الوكيل".

وبعد استشهاد العائلة، ولمدة تزيد عن أربعة أشهر، لم تستجب أي من مؤسسات الإنقاذ لطلبات انتشال جثامينهم، سواء اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو الهلال الأحمر الفلسطيني، والأولى لا يجرؤ الاحتلال على استهداف عناصرها، في حين أن الثانية جرى استهداف عناصرها عدة مرات خلال الحرب، وراح العشرات منهم ضحاياً أثناء محاولتهم إنقاذ المحاصرين، وربما أكبر دليل على ذلك هما شهيدا الهلال الأحمر يوسف زينو، وأحمد المدهون، واللذان كانا متوجهين إلى إنقاذ الطفلة المستغيثة هند رجب، لكنهما فارقا الحياة على بعد أمتار منها، ليكون ثلاثتهم أدلة حية على جرائم إبادة ممنهجة ضد أبناء قطاع غزة.

المساهمون