خلفت الاشتباكات المتكررة في مخيم عين الحلوة، جنوبي لبنان، دماراً كبيراً، ونزوح الآلاف من سكان المخيم إلى المناطق المجاورة، ويقدر مدير عام الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين، علي هويدي، أن ما يقارب 5 آلاف لاجئ باتوا في قائمة المهجرين، كما تضرر أكثر من 700 منزل ومحل تجاري في المخيم من جراء الاشتباكات التي بدأت يوم السبت الماضي.
لكن العدد الأكبر من سكان المخيم ما زالوا في بيوتهم، وبعضهم يرفض المغادرة رغم الأخطار. تقول الحاجة نضال أبو علي، المقيمة في منطقة التجمع بالمخيم، في اتصال مع "العربي الجديد": "أنا كبيرة في السن، وأعيش وحدي في بيتي، وبالقرب مني أختي وزوجها، وليس لنا مكان نذهب إليه، لذا فضلنا البقاء على الخروج من بيوتنا لنفترش الطرق. لكن عند أول فرصة للخروج سنخرج بعد أن عشنا ليالي مرعبة بسبب أصوات القذائف التي كانت تصم آذاننا، وأولاد ابنة أختي الصغار لم يكفوا عن البكاء. مرت علي حروب واشتباكات عدة، لكني لم أعش ما عشته مؤخراً".
تضيف: "زوج ابنة أختي يخرج من المخيم معرضاً نفسه للخطر، يركب الدراجة النارية مع صديقه ويخرجان لإحضار الطعام. كانت المولدات التي لم يلحقها ضرر تعمل، لكنها جميعها انطفأت، ولم يعد عندنا مياه صالحة للشرب، فصرنا نستخدم مياه الخزان، وآمل أن تتوقف الاشتباكات حتى نستطيع الخروج من المخيم، لأن الوضع لم يعد يطاق، فلا طعام، ولا مياه، ولا كهرباء، ولا أمان".
تقيم صبحية كريم، في الشارع التحتاني بالمخيم، بين حي الطوارئ وحي حطين، وتقول: "نعيش حالة خوف وهلع، خاصة الأطفال الذين يشعرون بالرعب من جراء أصوات القذائف والرصاص في الاشتباكات الدائرة، ولم نعد نعلم من أي الأماكن تطلق القذائف ولا أين تسقط، وسطح منزلنا مفروش بطلقات الرصاص الفارغة. لم أستطع الخروج من المخيم لأننا عائلة كبيرة، وفي اليوم الذي وصلت فيه ابنتي وأطفالها من السفر بدأت المعارك، وأولادي عندهم أطفال. إلى أين سنخرج، وأي مكان سيسعنا؟ عندنا أقارب في مدينة صيدا، لكن هذه العوائل لا يمكنها استقبال عدد كبير من الأفراد، لذا فضلنا البقاء في بيوتنا بدلاً عن التشرد".
وتتابع: "ليس عندنا كهرباء، والمولدات لا تعمل إلا لوقت محدود، والأكل محدود، فسوق الخضار مغلق، ولا يستطيع التجار الخروج من المخيم، ونتبادل ما عندنا من طعام في البيوت مع الجيران، فالكل يتشارك، والمياه انقطعت، ونستخدم ما تبقى في خزاناتنا، ولا نعرف إلى متى سنبقى على هذه الحال، ونتمنى توقف الاشتباكات، وأن تنتهي هذه الأوضاع، وأناشدهم أن يرأفوا بالأطفال الذين يحتاجون إلى حليب ودواء ومياه نظيفة، وهدوء وعدم خوف. لا أعرف إن طال الأمر ما الذي سيحل بنا إن لم نستطع تأمين الحليب والدواء ومياه الشرب".
ويقول أبو أحمد المقيم في حي صفورية: "لم أترك المخيم، وبقيت في بيتي مع عائلتي رغم أنه لا طعام ولا مياه ولا كهرباء، وبات كثير من الناس لياليهم في زواريب المخيم بسبب شدة الحر، وبالأساس لا تغمض أعيننا إلا لبعض دقائق بسبب أصوات إطلاق الرصاص والقذائف. بعد أن تم الاتفاق على وقف إطلاق النار اطمأن عدد من الناس وعادوا إلى بيوتهم لأنهم شعروا بالإهانة في الطرقات، فالإنسان لا يستطيع ترك بيته، وكل شخص لديه خصوصية في حياته، كما أن الطقس حار، لكننا فوجئنا بتفجر الوضع من جديد، ولم يكن باستطاعة أحد الخروج بسبب شدة الاشتباكات، حتى أننا سمعنا أن الرصاص والقذائف وصلت إلى جامع الموصلي الذي يتواجد فيه عدد من الذين نزحوا من المخيم من جراء الاشتباكات. نعيش أوضاعاً صعبة في المخيم، وقد نفد الطعام والمياه، ولا توجد خدمات، وفي الوقت نفسه من الصعب الخروج من بيوتنا. شخصياً أفضل الموت في بيتي على الذل في الشوارع".
بدوره، يقول محمد شريدي المقيم في حي الصفصاف بالمخيم: "لم أترك بيتي خوفاً من أن يستغل المستغلون الاشتباكات في المخيم ويقوموا بسرقة المنزل، أو يقوموا بتخريبه، لكن الوضع في المخيم صعب، فمنذ بداية الاشتباكات انقطعت الكهرباء والمياه. قبل أن تندلع الاشتباكات مرة ثانية، وفي أثناء الهدنة، أصلحت الأشرطة التي تضررت، فعادت الكهرباء والمياه، لكن الإنترنت متقطع، فمرات يكون هناك إرسال ومرات أخرى لا يتوفر، كما أنه هناك مناطق فيها كهرباء وماء وأماكن لا يتوفر فيها ذلك بحسب مناطق الاستهداف". وحول توفير حاجياته من الطعام، يوضح: "أمام منزلي دكان، وعندما تفتح أخرج بين الزواريب لأشتري ما أحتاجه، كما أن هناك أشخاص يخرجون من المخيم عبر طريق النبعة، وهي طريق للمشاة فقط، ونخبرهم بما نريده، ويحضرونه لنا عندما يعودون من مدينة صيدا".