العراق نحو تغليظ عقوبات تهريب المخدرات

29 ديسمبر 2022
حرق أطنان من المخدرات بعد ضبطها في العراق (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -

أفادت مصادر قضائية في العراق، بأن الأحكام الأخيرة التي أصدرتها المحاكم العراقية المتضمنة أحكام إعدام وسجناً مؤبداً بحق تجار مخدرات جاءت بتفاهمات بين الحكومة والقضاء، تقضي باعتماد العقوبات القصوى، خصوصاً بعد سنوات من تخفيف العقوبات، مما أدى إلى انتشار المخدرات بشكلٍ خطير.
وقال مصدر قضائي لـ"العربي الجديد"، إن "المحاكم أصدرت منذ سبتمبر/ أيلول 2021، 10 أحكام إعدام بحق تجار مخدرات، آخرهم كان في الشهر الحالي، وذلك بعد فترة قصيرة من اعتقاله قرب الحدود السورية. الأحكام بالسجن المؤبد تصدرت قضايا تهريب وتجارة المخدرات ضمن مساعي السيطرة على أزمة المخدرات التي باتت تهديداً أمنياً خطيراً".
وكشف المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أنه "خلال الشهرين المقبلين، من المقرر أن تنهي لجنة مكلفة مشروع إنشاء جهاز لمكافحة المخدرات، ويكون له صلاحيات مكافحة تجار ومهربي المخدرات، على غرار جهاز مكافحة الإرهاب"، مؤكداً أن "السلطات تولي اهتماماً بالغاً بملف المخدرات، وتوصي القيادة العامة للقوات المسلحة جميع صنوف القوى الأمنية والعسكرية بمتابعته على اعتبار أنه ملف إرهابي تقوده جهات تريد تخريب المجتمع العراقي".

ويرى مراقبون أن قانون مكافحة المخدرات في العراق، الذي جرى تعديل عليه في عام 2017، يضمَّ ثغرات، من بينها تحوّل العقوبة من السجن المؤبد إلى السجن 5 سنوات للمروجين، وهذه العقوبة لا توازي الجريمة التي تعد ثاني أخطر جريمة في العالم، على عكس القانون السابق الذي كان يعامل المروج باعتبار أنه يرتكب جناية، ويحاكم عليها بأشد العقوبات، في حين كان القانون العراقي قبل الاحتلال الأميركي يعاقب مروجي المخدرات بالإعدام شنقاً، لكن بعد الاحتلال، جرى إلغاء عقوبة الإعدام.
ويقول الناشط في مجال مكافحة المخدرات، أوسم رشيد، إن "القانون العراقي تساهل خلال السنوات الخمس الماضية مع تجار المخدرات لأسباب، من بينها منح فرصة لتمييز العقوبة، رغم الجرم المشهود والأدلة التي تدين المتورطين بالمتاجرة أو الترويج، ومنها ما يرتبط بالتدخلات في القرار القضائي، والتأثيرات السلبية في سير عملية المحاكمة".
ويبين رشيد لـ"العربي الجديد"، أن "الحكم بأقصى العقوبات على التجار ضرورة، فالعقوبة الشديدة، وتحديداً السجن المؤبد أو الإعدام، تؤدي إلى تراجع نشاط المتاجرين، لأنها تخلف مخاوف كبيرة بينهم"، مؤكداً أن "التوجهات الأخيرة للقضاء العراقي بشأن التعامل مع التجار يجب أن يرافقها تنسيق عال مع القوى الأمنية، وتحديداً المسؤولين عن ضبط أمن الحدود، لمنع أي تسرب للمخدرات، فضلاً عن تفعيل الجهود الاستخباراتية لكشف حالات التصنيع المحلي".
من جانبه، يبين عضو منظمة "نقاهة" لمعالجة إدمان المخدرات، علي سمير، أن "بعض التجار وجدوا أنفسهم خلال السنوات الماضية فوق القانون، لا سيما أن بعضهم يتعاملون مع جهات سياسية، أو مليشيات مسلحة، وقد سمعنا خلال السنوات الماضية أن الكثير من المحامين وبعض القضاة تعرضوا للتهديد بالتصفية من قبل المتاجرين بالمخدرات، بينما القانون العراقي لا يوفر لهؤلاء الأمن والحماية من تجار المخدرات، والذين بات بعضهم يمثل خطراً أكبر من إرهاب الجماعات المسلحة".

تتكرر الحملات الأمنية العراقية ضد تجار المخدرات (يونس محمد/Getty)
تتكرر الحملات الأمنية العراقية ضد تجار المخدرات (يونس محمد/Getty)

ويشير سمير في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "تجار المخدرات في العراق يعملون بطريقة الانتشار الشبكي، وذلك من خلال تشغيل أعداد كبيرة من المروجين، وعادة ما يستخدمون المدمنين الجدد أداة لتحقيق غايتهم، من خلال منحهم جرعات كبيرة من المخدرات، أو عبر إغرائهم بتوفير المساكن، وتخصيص رواتب أيضاً"، موضحاً أن "الوقوف بوجه تجار المخدرات بقوة القانون الصارمة سيوقف خطر المخدرات في المجتمع، كما سيساهم بإنقاذ مئات المتعاطين الذين تتهدد حياتهم يومياً بسبب تلك التجارة المجرمة".
بدوره، يوضح الخبير القانوني، علي التميمي، أن "القانون العراقي عالج مكافحة المخدرات منذ سنة 1965، عبر تجريم المتاجرة، وصناعة المخدرات، أو الاستخراج والتحضير، والحيازة، والعرض للبيع، أو الشراء، ولا يجوز قانوناً المتاجرة بالمخدرات والمستحضرات التي تحتوي على مخدرات مهما كان نوعها، والعقوبة المقررة كانت الإعدام أو السجن المؤبد، فضلاً عن مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة، وتخص هذه العقوبة من يقوم بزراعة المواد المخدرة".
ويبدي التميمي تأييده لتشديد العقوبات، عبر إجراء تعديلات على القانون المعدل في عام 2017، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "تشديد العقوبة يعني علاج الظاهرة، أو الحد منها لتفادي خطرها، كما أن هناك حاجة لتعديل قانون المخدرات القديم، لأنه لم يعد ينسجم مع تطور أساليب المتاجرين بالمخدرات، ولا الوسائل الجديدة المستخدمة، وخاصة ما يتعلق بإغواء الأحداث، لتشجيعهم على تعاطي المخدرات".

وفي السنوات الأخيرة، صار العراق من بين البلدان التي تنتشر فيها المخدرات بشكل واسع، والتي يجري تهريبها عبر الحدود من إيران، أو من سورية، وخلال الأشهر الماضية، نفّذت قوات الأمن العراقية حملات متلاحقة ضد عصابات وتجار المخدرات في البلاد، أدّت إلى اعتقال العشرات من التجار والمتعاطين، كما ساهمت بمحاصرة شبكات توريد المخدرات.

المساهمون